قضايا وآراء

إنجازات الجنرال بين الزيف والضجيج

أحمد ذكر الله
1300x600
1300x600
في إلحاح معتاد ومستمر منذ سنوات، تسوق وسائل الإعلام المصرية مجموعة من المشروعات التي تقوم بها الدولة المصرية على أنها إنجازات غير مسبوقة وتضيف إلى رصيد النظام؛ الذي يأتي بما عجز عنه سابقه، ويبشر بالرخاء الموعود والمنتظر منذ عقود، والذي دائما ما تفيق الجماهير من مخدرات الإعلام حتى تجد الاقتصاد المصري لا يزال محشوراً في عنق الزجاجة؛ التي لم يستطع الخروج منها عبر الستين عاماً الماضية.

وقبل أن نحاول تفكيك مصطلح الإنجاز ذاته، فإني أرى أن الضجيج المفتعل حول أي مشروع له الكثير من الدواعي. فمن ناحية، يخدر الأغلبية الكاسحة، سواء منها من سقط تحت خط الفقر أو كان تحته من الأساس، ومن أخرى نجد الضجيج تبريراً لخرق النظام للقانون والدستور، وانتهاكاته لحقوق الإنسان وتفريطه في الأراضي، وتآخيه مع الاحتلال الصهيوني، العدو الوجودي للأمة العربية.

كما أن هذا الضجيج المصنوع على أعين النظام يحول دون فهم ودراسة جدوى المشروع وعوائده المتوقعة على معيشة المواطن، ويغطي على انعدام الشفافية في الإسناد وعلى الرقابة المالية وجودة التنفيذ، فضلا عن دور المؤسسات التابعة للجيش في كل المشروعات.

كما أن أمر المشروعات ذاته يشير إلى الزيف والتضليل الواضحين، بداية من مصطلح الإنجاز ورمزيته ومدلوله لدى الشعب، وصولا إلى أولويات المشروعات واختيار الأكثر إلحاحا وتلبية لحاجات المواطنين، وما يتفق مع التمويل المطلوب والمتوفر، لا سيما في ظل تزايد الديون الخارجية والداخلية بصورة غير مسبوقة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، مما قد يشكل خطورة على قدرة الدولة على الانتظام في السداد، وقد يشكل خطرا في ظل أشكال الزيف الحالية؛ على استقلالية الدولة المصرية.

إن كلمة إنجاز في اللغة تأتي من الفعل "نجز"، أي عمل وقضى. ويعرف الإنجاز في لسان العرب بمعنى الإتمام، فيقال: نجزت الحاجة إذا قضيت، وإنجازك إياها، أي قضاؤها وإتمامها.

ويعرف السلوك المنجز بأنه يشمل بشكل عام النشاط غير العادي الذي يتجه مباشرة نحو الاحتفاظ بالتفوق والامتياز، ويشمل أيضاً منافسة الآخرين والتغلب عليهم في كل عمل أو نشاط.

إذاً، فلفظ الإنجاز باختصار هو إتمام العمل بتميز مقارنة بالآخرين، وبالتالي فعند فحص كل مشروعات النظام خلال الفترة الماضية، وهل تتصف بالإنجاز أم لا، تبرز تساؤلات حول كفاءة إتمام المشروع، وتكاليفه، والمدة الزمنية التي استغرقها، وقدرته على تلبية حاجات المواطنين، وما إذا كان نشاطا عاديا، بمعنى هل كان الآخرون قادرين على القيام به؟

وفي الحقيقة أن استعراضنا لمشروعات الجنرال، خاصة ما كثف افتتاحه في الشهر الأخير توطئة للتعديلات الدستورية، يشير بوضوح إلى كونها مشروعات عادية؛ كان من الممكن لأي شركة من القطاع الخاص القيام بها. ومن المعرف أن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تقوم بدور الوسيط (السمسار الذي يستغل سلطته للسطو علي المشروعات) الذي يسند الأعمال إلى مقاول الباطن، وبالتالي تزيد من تكلفة التنفيذ بقيمة السمسرة، إضافة إلى عدم القدرة على الرقابة عليها لكونها جهة سيادية، وقد يؤدي انتقادها إلى تهمة قضائية بالإساءة بسمعة الوطن، إلى باقي قائمة التهم المعلبة والمحفوظة لمن تسوّل له نفس الاقتراب أو التعليق.

كما أن معظم المشروعات تثير الريبة والظنون، فما الداعي لنفقين أسفل القناة بالإضافة إلى كوبري عائم؟ وما الداعي لسبعة مطارات في دائرة نصف قطرها لا يزيد عن الخمسين كيلومترا، وما الداعي للعاصمة الإدارية؟ ومن سيصلي في مسجدها وكنيستها، وفندقها ذي النجوم الخمسة، والمدينة فارغة؟ وحتى في ظل نقل الوزارات إليها، فإنها ستظل ذات خفة سكانية لأعوام طوال.

إن وصف الإنجاز والثورة الصناعية لمجموعة من الهناجر المجهزة، والتي لم تعمل بعد، ومن قبلها إطلاق أسماء رنانة، مثل مشروع المليون ونصف فدان (لم يستصلح منه إلا بضع مئات من الأفدنة في خمس سنوات كاملة) وعلاج مليون مواطن من فيروس سي بدواء ثبت عدم اختباره سابقاً، ومشروع الصوب الزراعية الأكبر في العالم، والذي سيذهب إنتاجه إلى التصدير، في ظل الفجوة الغذائية والإنتاجية وشح المياه، كما سبقه مشروع المزارع السمكية التي ذهب إنتاجها إلى التصدير، وزاد استيراد الأسماك بعده بما يزيد عن 23 في المئة.

كل تلك المشروعات والأسماء تعبر بدقة عن حالة الضجيج التي يحاول النظام التغطية بها على الكوارث التي ارتكبها بحق الاقتصاد المصري، وفشله في تحديد الأولويات، ورسوبه في مجال التميز، بل لقد تحولت بعض المشروعات إلى حماقات تهدف إلى تلميع رأس النظام، على حساب مقدرات الشعب الذي يئن تحت وطأة إجراءات جائرة، وتنكيل أمني غير مسبوق، حتى كأني أسمع نفرا من الشعب يقولون: كفاية إنجازات.
التعليقات (0)