هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "نيويوركر" مقالا للكاتب لورنس رايت، مؤلف الكتاب المهم عن هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 "ذا لومينغ تاور/ البرج المشرف"، يستذكر فيه ذكرياته مع الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وقد شارك الكاتب في مناسبة لتذكر خاشقجي، ومرور مئة يوم على اختفائه، التي قال إنها مناسبة لتذكر إنسانيته وشجاعته.
ويتذكر الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، معرفته بالصحافي الشاب، الذي كان نائبا لرئيس تحرير "أراب نيوز"، ويقول: "كنت مشرفا على الصحافيين الشباب في الصحيفة المنافسة والناطقة باللغة الإنجليزية (سعودي غازيت)، وكانت القواعد الصحافية المعمول بها تقضي بعدم كتابة اي شيء عن الحكومة أو الدين والعائلة المالكة، وهي لم تترك أي شيء على الصحن ليتناول الصحافي منه شيئا".
ويشير رايت إلى أن الصحف في السعودية مملوكة بشكل عام من العائلة المالكة، لافتا إلى أن "سعودي غازيت" كانت مرتبطة بالأمير نايف بن عبد العزيز وزيرالداخلية، "ولهذا كنت أدرس قسمي أشياء لا يستطيعون استخدامها".
ويصف الكاتب جمال بـ"الرجل الطويل، وصاحب الوجه المدور اللطيف والمرح، ويتحدث بصوت عميق، ويبدو شخصا وحيدا في عالم الصحافة السعودية المدجنة، وكونه صحافيا شابا غطى الجهاد الأفغاني في أثناء غزو الاتحاد السوفييتي له، والتقى هناك زعيم تنظيم القاعدة في المستقبل أسامة بن لادن، وفي تلك الفترة كان كل منهما عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، التي قال عنها خاشقجي: (كنا نأمل بإقامة الدولة الإسلامية)، وابتعدا فيما بعد عنها، أصبح ابن لادن راديكاليا، أما جمال فقد كان دائما مسلما ملتزما لكنه رفض توجه الحركة الإسلامية نحو العنف".
ويلفت رايت إلى أنه في عام 1995 أرسلت عائلة ابن لادن خاشقجي إلى السودان، حيث كانت مهمته إقناع ابن لادن، الذي كان يقيم هناك، بنبذ العنف، لكنه رفض، وعندما التقى الكاتب خاشقجي مرة ثانية عام 2003 كان قد هاجم 11/ 9 في مقال في صحيفة "أراب نيوز"، وحمل مسؤولية الفشل الثقافي للوهابية، التي تعد العقيدة السائدة في السعودية، وتحدث عن "ثقافة الإنكار رغم ما حدث"، وتحدث عن "التمسك بنظريات المؤامرة والتعامل مع الحقيقة بشك، والموضوع الرئيسي الآن هو التأكد من عدم تأثر أبنائنا بالأفكار المتطرفة، مثل الخمسة عشر سعوديا الذين ضللوا واختطفوا أربع طائرات، وقادوها ونحن معهم إلى فك الجحيم".
وكتب رايت مقالا عن تجربته في السعودية في 5 كانون الثاني/ يناير 2004، ونشره في "نيويوركر"، تحت عنوان "مملكة الصمت" بسبب اللهجة الحذرة التي قابلها في كل مكان زاره في السعودية، و"كان جمال شجاعا وقاطعا في كلامه، ولم يكن ليتحدث لولا الدعم الذي كان يحظى به من بعض الأمراء البارزين في ذلك الوقت".
وينوه الكاتب إلى أن جمال تحدث عن "انفصام الشخصية" التي يعيشها معظم السعوديين، الذي عنى بها التناقض بين السعودية "الحقيقية" و"الافتراضية"، وضرب مثالا عن اللاقطات الفضائية التي كانت ممنوعة في السعودية، "لكننا من أكبر المستهلكين للفضائيات في الشرق الأوسط".
وتذكر المجلة أنه بعد شهر من لقائه مع خاشقجي فإنه تم تعيين الأخير محررا لصحيفة "الوطن"، وزاره في مكتبه في مدينة أبها في جنوب السعودي، وكان ذلك في 7 نيسان/ أبريل 2003، حيث بدأت القوات الأمريكية والمتحالفة معها احتلالا لبغداد، وعلق قائلا: "إن هذا سيغير كل شيء.. سيتجه العالم العربي نحو وجهة جديدة"، وسأل رايت: "للأفضل أم الأسوأ؟" وأجاب خاشقجي: "للأفضل، فلا يمكن أن نتجه لأسوأ مما نحن فيه، والسيئ يعني بالنسبة لنا الصومال"، أي الفوضى.
ويقول رايت إن جمال كان الشخص الوحيد الذي قابله في السعودية يدعم الحرب على العراق، و"هذا نابع من إيمانه بالنموذج الأمريكي للديمقراطية، وقدرتها على نشر النموذج حول العالم، وكما ظهر فقد أساء تقدير نوايانا وقدراتنا"، مشيرا إلى أن العذر أنه كان يحلم بعالم عربي خال من الطغيان، وكان يعتقد بقدرة الأمريكيين على دعم العالم العربي بطريقة لم يدعموا فيها أنفسهم.
ويفيد الكاتب بأنه في تفكيره كان على توافق مع المحافظين الجدد في إدارة جورج بوش، وبعد أيام عندما بدأت الاحتفالات في بغداد، التي اختلطت بالنهب تحدث بجذل قائلا "إنها تحدث، وتحدث في النهاية"، لكنها لم تحدث "وعندما رجعت إلى جدة، توقع أحد المحررين في (سعودي غازيت) تعرض جمال للقتل؛ بسبب الغضب من مواقفه المؤيدة للحرب".
ويشير رايت إلى أن "جمال عزل من منصبه محررا لصحيفة (الوطن)، وكان ناقدا حادا للمتطرفين الدينيين، ونشر رسما كاريكاتيريا لرجل دين يرتدي الحزام الناسف، وبدلا من الديناميت كان يحمل الفتاوى، وكانت هذه المرة الأولى التي اضطر فيها جمال للعيش في منفى إجباري وهو في المملكة".
وتحدث الكاتب معا عن إمكانية تأمين موقع له للمحاضرة في جامعة أمريكية، وعبرت عدة جامعات عن اهتمامها، ومنها جامعة كولومبيا، لكنه عين مساعدا للأمير تركي الفيصل، الذي كان سفيرا للسعودية في بريطانيا.
والتقى لورنس رايت جمال كثيرا وهو يعد لكتابه "ذا لومينغ تاور/ البرج المشرف"، وبعد ذلك عين الأمير تركي سفيرا في واشنطن، وذهب معه جمال، و"يبدو أنه أحب المدينة التي جعلها يوما ما محل إقامته، ثم حدث تحول في بنية السلطة في العائلة المالكة، وعين جمال مرة ثانية محررا للوطن في عام 2007، وبقي فيها مدة 3 أعوام، وظل تقدميا وغير مستعد للالتزام بالخط العام، واختاره الأمير الوليد بن طلال، الملياردير السعودي ليشرف على إطلاق الفضائية (العرب)، التي لم تبق على الهواء سوى 12 ساعة قبل أن تغلقها السلطات البحرينية".
ويقول رايت: "في صيف عام 2017 اتصل بي جمال من المملكة لأول مرة، ولاحظت قلقا في صوته، فقد منعته الحكومة من النشر (كان يكتب في العربية) والظهور في التلفزيون (كان معلقا في الجزيرة وبي بي سي وغيرهما من القنوات الدولية)، وقال لي: لقد منعوني حتى من التغريد ويريدون إسكاتي بالمطلق".
ويذكر الكاتب أنه بحسب تقرير في صحيفة "إندبندنت"، فإن المنع جاء بسبب نقد خاشقجي لسياسة دونالد ترامب في الشرق الأوسط، التي وصفها بـ"المتناقضة" والقائمة على "الأماني"، وفي ذلك الوقت كان محمد بن سلمان، نائبا لولي العهد ووزيرا للدفاع، ويخوض حربا في اليمن، وشعر جمال أن مساحة الحرية بدأت تتلاشى في المملكة، وقاد ابن سلمان في حزيران/ يونيو انقلابا في العائلة، وأصبح وليا للعهد، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر احتجز مئات من رجال الأعمال والمسؤولين والأمراء في فندق ريتز كارلتون في الرياض، وأجبرهم للتخلي عن أموالهم مقابل حريتهم، وتعرض بعضهم لمعاملة سيئة، ولم تثر أي شجب بسبب الإجراءات الإصلاحية، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة، والحد من سلطة الشرطة الدينية، والسماح بفتح دور السينما، "وكنت واحدا من الذين دعموا هذه الإصلاحات دون الاحتجاج على الجانب المظلم لحكم ولي العهد الديكتاتوري".
ويقول رايت إن "جمال كان متأكدا في أنه سيعتقل، ولهذا قرر الذهاب للمنفى، وهذه المرة إلى الخارج، ولحسن الحظ فإنه وجد مؤسسة إعلامية وهي (واشنطن بوست) لنشر مقالاته، وكتب في أول عمود له نشر في شهر أيلول/ سبتمبر 2017".
ويضيف الكاتب: "آخر مرة شاهدت فيها جمال كانت في آذار/ مارس في مدينة أوستن حيث أعيش، ودعوته لمشاركتي في محاضرة عن التغطية الصحافية في الشرق الأوسط في جامعة تكساس، واختلفنا في بعض الأمور، فقد كان لا يزال يؤمن بأن يقدم الأمريكيون موقفا ثابتا في الشرق الأوسط، مع أن الخيبة أصابتني ومنذ وقت طويل حول الثبات الأمريكي، وبطريقة ما كان جمال يؤمن ببلدي أكثر مما كنت أؤمن فيها".
ويختم رايت مقاله قائلا: "كانت الحياة في المنفى صعبة له، وظل يحن للعودة إلى وطنه، لكنه كان حرا، فقال: (لقد تركت بيتي وعائلتي ووظيفتي وها أنا أرفع صوتي.. وأن أفعل غير هذا سيكون خيانة للقابعين في السجن، وأستطيع الحديث لكنهم غير قادرين)".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)