أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشكل رسمي، اعترافه برئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية، خوان غوايدو، رئيسا مؤقتا لفنزويلا، بعد أن أظهر هذا الأخير استعداده لتولي رئاسة البلاد. وكتب ترامب في حسابه بموقع تويتر: "عانى مواطنو فنزويلا لفترة طويلة جدا على يد نظام مادورو غير الشرعي. اليوم، اعترفت رسميا برئيس الجمعية الوطنية الفنزويلية، خوان غوايدو، رئيسا مؤقتا لفنزويلا". وقال في بيان نشره البيت الأبيض: "مستمرون في تحميل نظام نيكولاس مادورو غير الشرعي المسؤولية المباشرة عن أي تهديد محتمل يضر بسلامة الشعب الفنزويلي".
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان سارع في الاتصال بنظيره الفنزويلي، معلنا دعم بلاده لرئاسته. وكتب المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، أن أردوغان اتصل بالرئيس الفنزويلي الذي خاطبه قائلا: "أخي مادورو"، وحثه على عدم الرضوخ للضغوط، معبرا عن مساندة تركيا له ورفضها للقرار الأمريكي.
أردوغان نفسه ذكر في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع رئيسة مالطا، ماري لويز كوليرو بريكا، في أنقرة، أن ما يجري في فنزويلا أمر غير مقبول، مشددا على ضرورة احترام الرئيس الفنزويلي المنتخب. وأشار إلى أن مادورو اتصل به مباشرة خلال تعرض تركيا لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016، في حين امتنعت دول الاتحاد الأوروبي عن ذلك.
تركيا ترفض اعتراف الولايات المتحدة بغوايدو رئيسا لفنزويلا لأسباب عديدة. ولعل السبب الأول أن هذا القرار يعد محاولة انقلاب على إرادة الشعب الفنزويلي، وتدخلا سافرا في شؤون فنزويلا الداخلية. وهذا موقف مبدئي، رأيناه أيضا في رفض أنقرة للانقلاب العسكري الذي قام به الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي.
العلاقات التركية الفنزويلية شهدت في الآونة الأخيرة تقاربا غير مسبوق بين أنقرة وكاراكاس
السبب الثاني يعود إلى العلاقات التركية الفنزويلية التي شهدت في الآونة الأخيرة تقاربا غير مسبوق بين أنقرة وكاراكاس. ومن المؤكد أن تعزيز العلاقات بين البلدين في إطار المصالح المتبادلة لصالح الطرفين، وأن مادورو له دور كبير في هذا التقارب، ما يعني أن إسقاطه قد يؤدي إلى تراجع العلاقات التركية الفنزويلية. إضافة إلى ذلك، يبدو أن أردوغان لم ينسَ اتصال مادورو به للتعبير عن رفضه لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي استهدفته، وها هو اليوم يرد الجميل فيعبر عن تضامنه مع الرئيس الفنزويلي.
السبب الثالث والأهم، هو الأسلوب الأمريكي في
محاولة إسقاط الرئيس الفنزويلي. وهذا الأسلوب الذي لا يحترم الأعراف والقوانين الدولية، ولا الاتفاقيات والمواثيق، أصبح ترامب يمارسه في ملفات هامة للغاية، وكأنه هو من يقود العالم وحده. وهو ذات الأسلوب الذي استخدمه الرئيس الأمريكي حين أعلن مدينة القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وأمر بنقل سفارة بلاده إليها من تل أبيب.
مخاوف من احتمال تحوِّل هذه المحاولة إلى نهج جديد لإسقاط الحكومات المنتخبة وقلب الأنظمة، إن نجحت في فنزويلا
أنقرة ترى أن الولايات المتحدة ليس من حقها أن تقوم بــ"تعيين رئيس" لأي بلد مستقل. وهناك مخاوف من احتمال تحوِّل هذه المحاولة إلى نهج جديد لإسقاط الحكومات المنتخبة وقلب الأنظمة، إن نجحت في فنزويلا. وأشار رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت باهتتشلي، إلى هذا الاحتمال، قائلا إن الولايات المتحدة قد تقول غدا إنها تعترف برئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، رئيسا مؤقتا لتركيا.
الطريف في الموقف التركي من محاولة الانقلاب التي تشهدها فنزويلا، أن التوجهات السياسية المتباينة في تركيا اتفقت على رفض تلك المحاولة التي تستهدف مادورو اليساري. وتدعم التيارات اليسارية الرئيس الفنزويلي لأسباب أيديولوجية، فيما يدعمه الإسلاميون والقوميون كي لا تنجح المحاولة فيُفتح الطريق أمام تكرارها في دول أخرى.
الأتراك يعرفون أن أوضاع
الديمقراطية وحقوق الإنسان في فنزويلا ليست على ما يرام، ولكنهم يرون أنها أفضل من أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر وغيرها من الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، وأن واشنطن تمارس ازدواجية وقحة. وبالتالي، يقولون إن كان هناك من يستحق الإسقاط بسبب الانتهاكات والانتخابات المشبوهة فعبد الفتاح السيسي يجب أن يأتي دوره قبل مادورو، كما يرون أن
الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بفنزويلا إن كان أحد أسبابها سوء إدارة البلاد ومواردها الطبيعية، فإن السبب الآخر هو ما تفرضه الولايات المتحدة على فنزويلا من عقوبات.