أراضي فلسطين هي الأساس التي تقف عليها المشاريع الصهيونية، لإحداث
التغيير الديموغرافي لصالح اليهود، وإن عملية امتلاك الأراضي الفلسطينية هي
العامود الفقري في استراتيجية الكيان الصهيوني السكانية والاقتصادية والسياسية. وقد
وضع لها أسسا منظمة ومؤسسات تنفيذية تعمل بدقة وبشتى الوسائل المتاحة، التي تصل
إلى حدود ارتكاب المجازر البشعة والإجلاء القسري والاستيلاء على الأرض.
وقد انطلقت سياسة تهويد الأرض من تحويل المُلكية العربية إلى ملكية
يهودية تسجل باسم الشعب اليهودي كملكية عامة، وعدم جواز نقل الملكية، حيث نص دستور
الوكالة اليهودية في مادته الثالثة على ما يلي: "تستملك الأراضي كملك لليهود
وتسجل باسم صندوق رأس المال القومي اليهودي، وتبقى مسجلة باسمه إلى الأبد، كما تظل
هذه الأملاك ملكاً للأمة اليهودية غير قابلة للانتقال". وتبعاً للنشاط الذي
قامت به المؤسسات الصهيونية، وفي مقدمتها الصندوق القومي اليهودي، استطاعت الحركة
الصهيونية استملاك 1425 ألف دونم حتى صدور قرار التقسيم في عام 1947. وبعد قيام
الكيان الصهيوني في أيار/ مايو 1948، استمرت الحكومات "الإسرائيلية"
المتعاقبة في مصادرة الأراضي التي بقيت بحوزة 151 ألف فلسطيني صمدوا في وطنهم.
وعلى الرغم من الأقلية العربية أصبح مجموعها نحو 1.5 مليون فلسطيني خلال العام 2019،
وتمثل نحو 20 في المئة من سكان "إسرائيل"، بيد أنها لا تملك سوى 2 في
المئة من إجمالي المساحة التي أنشئت عليها في عام 1948.
قبل 43 عاماً، وبالتحديد في 30 آذار/ مارس
1976، وبعد 28 عاماً في ظل أحكام حظر التجول والتنقل، وإجراءات القمع والإرهاب والتمييز
العنصري، والإفقار وعمليات اغتصاب الأراضي وهدم القرى، والحرمان من أي فرصة للتعبير
أو التنظيم، هبّ الشعب الفلسطيني في جميع المدن والقرى والتجمعات العربية في الأراضي
المحتلة عام 1948 ضد الاحتلال الصهيوني. وقد اتخذت الهبة شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية
عارمة، فيما أعملت خلالها قوات الاحتلال قتلاً وإرهاباً للفلسطينيين العزل إلا من
حب الوطن.
عملية امتلاك الأراضي الفلسطينية هي العامود الفقري في استراتيجية الكيان الصهيوني السكانية والاقتصادية والسياسية. وقد وضع لها أسسا منظمة ومؤسسات تنفيذية تعمل بدقة وبشتى الوسائل المتاحة،
شهداء يوم الأرض مشاعل نور
لقد أدى إطلاق النار من قبل جنود الاحتلال
إلى استشهاد ستة فلسطينيين، هم: الشهيدة خديجة شواهنة، والشهيد رجا أبو ريا، والشهيد
خضر خلايلة (من أهالي سخنين)، والشهيد خير أحمد ياسين (من قرية عرَّابة)، والشهيد محسن
طه (من قرية كفركنا)، والشهيد رأفت علي زهدي (من قرية نور شمس واستُشهد في قرية الطيبة)،
هذا إضافة لعشرات الجرحى والمصابين، فيما بلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيوني
أكثر من 300 فلسطينيي.
وكان السبب المباشر لهبّة يوم الأرض هو قيام
السلطات الصهيونية بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عرّابة وسخنين ودير حنّا وعرب
السواعد وغيرها، لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطّط تهويد الجليل. ويشار
هنا إلى أن السلطات الصهيونية قد صادرت خلال الأعوام ما بين 1948 و1972 أكثر من مليون
دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى
من الأراضي التي استولت عليها السلطات الصهيونية، بعد سلسلة المجازر المروّعة التي
ارتكبها جيش الاحتلال وعمليات الإبعاد القسّري التي مارسها بحق الفلسطينيين عام
1948.
فهبّة يوم الأرض ليست وليدة صدفة، بل كانت
ردة فعل طبيعية على مجمل الوضع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة جراء
سياسات الاحتلال
التهويدية منذ عام 1948. وقد شارك الشعب الفلسطيني في الضفة
والقطاع، وكذلك اللاجئون في أماكن تواجدهم، بحراكات عديدة لدعم هبة أهلهم في داخل
الخط الأخضر، ليصبح يوم الأرض بعد ذلك مناسبة وطنية فلسطينية وعربية، ورمزاً لوحدة
الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني والشتات.
ويلحظ المتابع أن منطقة الجليل الفلسطيني حافظت
رغم كافة السياسات الصهيونية (إلى حد ما) على أغلبيتها العربية، مع أنها المكان الذي
أمعنت فيه دولة الاحتلال في تطبيق سياسة التهويد لمحاولة فرض يهوديتها، فأعلنت السلطات
الصهيونية في أوائل عام 1975 خطة لتهويد الجليل تحت عنوان: مشروع "تطوير الجليل
عام 2020"، وهي الخطة التي تعتبر من أخطر ما خططت له حكومة "إسرائيل"؛
إذ اشتملت على تشييد ثماني مدن صناعية في الجليل، مما يتطلب مصادرة 20 ألف دونم من
الأراضي العربية، ذلك أن نظرية
الاستيطان والتوسع توصي بألا تُقام مظاهر التطوير فوق
الأراضي المطورة، وإنما فوق الأراضي البور والمهملة، وهي التسميات التي تُطلق على الأراضي
التي يملكها العرب. وفي هذا السياق، طبقت السلطات الصهيونية عدة قوانين لعزل الأقلية
العربية عن محيطها العربي، كما سيطرت السلطات الصهيونية على القسم الأكبر من أراضي
العرب في داخل الخط الأخضر.
طبقت السلطات الصهيونية عدة قوانين لعزل الأقلية العربية عن محيطها العربي، كما سيطرت السلطات الصهيونية على القسم الأكبر من أراضي العرب في داخل الخط الأخضر
الأرض محور الصراع
في حين يشكل العرب 20 في المئة من سكان
"إسرائيل" أي نحو مليون ونصف المليون عربي فلسطيني، فإنهم لا يستحوذون إلا
على 2 في المئة من المساحة التي أنشئت عليها "إسرائيل". وقد شكّلت عملية
تهويد الجليل، ولا تزال، هدفاً من أهداف الحركة الصهيونية. فقد حدد بن غوريون هذا الهدف
بقوله: "الاستيطان نفسه هو الذي يُقرر ما إذا كان علينا أن نُدافع عن الجليل أم
لا". وتبعا لذلك، احتلت "إسرائيل" عام 1948 أراضي واسعة من منطقة الجليل،
وتمت إقامة 350 مستوطنة فيها. وبرر الصهاينة عملية الاستيلاء على الأراضي بأنها أراضٍ
للغائبين، لكن لم تقتصر عملية التهويد على أراضي الغائبين، وإنما تمت السيطرة المباشرة
على "أملاك" حكومة الانتداب البريطاني، وتقدر هذه الأراضي بحوالي مليونين
إلى ثلاثة ملايين دونم. لكن "إسرائيل" لم تكتفِ بتلك الأراضي، وإنما
امتدت يدها إلى أراضي الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم. وكان العرب يملكون حتى عام
1948 حوالي 13 مليون دونم من أصل 27 مليون دونم، بينما سيطرت الحركة الصهيونية على
1.5 مليون دونم.
وستبقى أراضي فلسطين محور صراع مفتوح؛ لأنها
الركيزة الأهم
لإقامة المستوطنات والقيام بعملية الإحلال الديموغرافي والتهويد في
نهاية المطاف.
قوننة احتلال الأرض
أصدرت السلطات الصهيونية منذ عام 1948 قوانين
متعددة من أجل شرعنة السيطرة على الأرض الفلسطينية، ومنها: قانون الغائب، وقانون الأراضي
البور، والمناطق المغلقة. وبهذا تمكنت السلطات الصهيونية من السيطرة على حوالي مليون
دونم من أخصب الأراضي العربية. ومنذ تولي نتنياهو سدة الحكم في "إسرائيل"،
تم إصدار عدة قوانين للحد من التواصل الديمغرافي العربي بين المناطق الفلسطينية المحتلة
عام 1948 والمحتلة عام 1967، واعتمدت المؤسسة الإسرائيلية عدة سياسات لمحاولة فرض يهودية
الدولة، حيث تمت عملية مبرمجة لتهويد الأماكن التاريخية العربية، ناهيك عن تهويد المقدسات،
وفي المقدمة منها المساجد والكنائس، وتركزت عملية التهويد في منطقتيْ الجليل والنقب
في شمال وجنوب فلسطين المحتلة، بغرض فرض يهودية الدولة على أكبر المناطق مساحة ضمن
حدود فلسطين التاريخية.
لقد أصبح "يوم الأرض" يوماً وطنياً
فلسطينياً بامتياز، حيث يحيي الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية (27,009
كيلومتر مربع) وفي الشتات؛ تلك الذكرى. فهبة "يوم الأرض" في 30 آذار/ مارس
عام 1976 كانت بمثابة منحى جديد لتكريس وحدة الشعب الفلسطيني من أجل الدفاع عن أرض
أجداده، والعمل لعودة اللاجئين الفلسطينيين وطنهم الوحيد فلسطين.