تحدث مركز بحثي
إسرائيلي الثلاثاء، عن الأوضاع الملتهبة التي تجتاح دول شمال
أفريقيا، والتي من شأنها أن تضع أمام "إسرائيل" تحديات أمنية، تتيح لها فرصا لدرء "الآثار السلبية" عنها نتيجة حالة عدم الاستقرار هذه.
وأوضح "مركز بحوث الأمن القومي" التابع لجامعة "تل أبيب" العبرية، في تقدير استراتيجي أعدته؛ سارة بوير، أن "
احتجاجات 2011 التي اندلعت في دول شمال غرب أفريقيا أدت بكل الدول إلى اتجاه آخر؛ فتونس توجهت لمسيرة تحول ديمقراطي، وليبيا تدهورت وتفككت ولا تزال حتى اليوم دولة فاشلة".
وأضافت الباحثة الإسرائيلية أنه "في
الجزائر، أطلقت الدولة في 2011 يدها نحو جيوبها المليئة بأموال النفط، لتهدئة كل اضطراب محتمل، وفي
المغرب، التي خرج سكانها للمطالبة بالكرامة ووقف الفساد، وأطلقت الأسرة المالكة عملية إصلاح أدت لوضع دستور جديد، ولكن بالتوازي حرصت على إبطاء الأساسات السياسية والاقتصادية للمملكة".
ونوه المركز، في دراسته التي تأتي ضمن نشرة استراتيجية يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان: "نظرة عليا"، إلى أنه "حتى اندلاع موجة الاحتجاجات الواسعة الأخيرة في الجزائر، كان يخيل أن منطقة المغرب تستقر في جمود نسبي، رغم المشاكل المتعددة التي بقيت بلا حل، ولكن اندلاع المظاهرات في شوارع الجزائر، يدل على أن الردع تآكل".
وأما بالنسبة "لإسرائيل، فان عدم استقرار شمال أفريقيا يضع أمامها تحديات أمنية، ولكن هناك فرص محتملة لواضعي السياسة في إسرائيل، كي يكرسوا اهتماما خاصا لخمسة ميول قريبة قادمة".
اقرأ أيضا: بوتفليقة يوافق على تسليم السلطة لرئيس جزائري منتخب
وحول الميل الأول؛ "نقل السلطة في الجزائر"، نوه إلى أن "موجة الاحتجاجات الأكبر في الجزائر منذ نهاية الثمانينيات أشعلها بيان الحزب الحاكم بأن الرئيس المريض عبدالعزيز بوتفليقة، سيتنافس على ولاية خامسة في الانتخابات القريبة"، معتبرا أن التوجه (السابق) لترشح بوتفليقة "يدل على أن المنظومة الحاكمة في الجزائر وانعدام الشفافية لدى القادة العسكريين ورجال المخابرات ورجال الأعمال والنخب السياسية المسيطرة؛ لم تتوصل إلى توافقات حول الخليفة".
وقدر أن "الجزائر التي تطورت في السنوات الأخيرة لتصبح مركز استقرار إقليمي، من شأن الاضطرابات بها كنتيجة للأزمة السياسية أن تهز المنطقة بقدر كبير، كما يدل رد الفعل المعتدل من جانب النظام على المظاهرات، بأن الزعامة لم تبلور بعد خريطة طريق ناجعة للخروج من الطريق المسدود".
ويتعلق الميل الثاني بالضعف الاقتصادي، حيث لفت إلى أن "احتجاجات الجزائر، هي تذكير بأن البنية الاقتصادية (الضعيفة) لشمال أفريقيا بقيت تشبه جدا وضعها نهاية 2010 وبالتالي من المتوقع أن تبقى مصدرا للاضطرابات"، مشيرا إلى أن "عدم القدرة أو الرغبة في تنويع الاقتصاد أبقت دول النفط والغاز – الجزائر وليبيا - تحت رحمة حركات أسعار النفط التي لم تنتعش بعد من هبوط 2014".
وكانت النتيجة في الجزائر، "انخفاض بمعدل 50 بالمئة في أرصدة العملة الصعبة والتوجه إلى إجراءات تقشفية غير شعبية، في حين يعتبر التنافس في ليبيا على السيطرة على منشآت النفط ومداخيل الدولة، هو الدافع الرئيس للمواجهة المسلحة".
أما في المغرب وفي
تونس، وهما لا تعتمدان على النفط، فإن "معدل البطالة المرتفع وخيبة الأمل عقب عدم تحقق تغيير اقتصادي عميق بعد 2011، يشعلان نار الاستياء المتعاظم"، بحسب التقدير الإسرائيلي الذي رأى أن "الجواب على سؤال؛ إذا كانت هذه الظروف ستنضج لتصبح ثورة ثانية؟، منوط بقدر كبير بقدرة هذه الدول على الاحتمال وتنفيس الاستياء الشعبي".
وبشأن ميل "الإسلام السياسي"، وهو العنصر الثالث، فإنه "رغم فشل الإخوان المسلمين في مصر والقمع المستمر للحركات المتماثلة معها في المنطقة، تدل التطورات في شمال أفريقيا أنه من السابق لأوانه تأبين الإسلام السياسي، مع العلم أن الاحزاب المتماثلة مع الإخوان تعمل كهيئات مؤطرة في المغرب وتونس؛ التي من المتوقع أن تحقق حركة النهضة الانتخابات البرلمانية القادمة القريبة نجاحا"، وفق تعبير التقدير الإسرائيلي.
اقرأ أيضا: معارض جزائري يتهم الحكومة بالاستقواء بالخارج على الشعب
وأكد المركز أن "نجاح حركة النهضة في الانتخابات القادمة، سيؤشر إلى مؤيدي ومعارضي الإسلام السياسي في المنطقة"، مبنيا أنه "في الدول الأقل تسامحا تجاه صيغ الإخوان المسلمين، تراكم الحركات السلفية زخما وتحظى بالتأييد من جانب محافل رسمية متحمسة لتوازن قوة الإخوان".
ونبه أن "الدولة في الجزائر شجعت السلفية (غير السياسية)، لمنع الارتباطات بين الجهات الكفاحية، وفي ليبيا تسللت ألوية سلفية مسلحة، مرتبطة بالزعيم العسكري العلماني ظاهرا، خليفة حفتر، إلى المجالات السياسية والأمنية"، مضيفا أن "صعود السلفيين في ليبيا يدل على أن الاسلام السياسي سيبقى عاملا مؤثرا في النظام الإقليمي الناشئ".
وأما الميل الرابع فهو "النشاط الجهادي"، فقد ذكر أن "الحركات الجهادية ستبقى تهديدا في كل شمال أفريقيا"، زاعما أن "داعش وعناصر تتماثل مع القاعدة، وجدوا لهم ملجأ في جنوب ليبيا، ويواصلون تنفيذ العمليات ضد الجيش التونسي، وفي المغرب تعلن محافل رسمية عن كشف وإحباط مؤامرات".
وحول الميل الخامس، فهو "اتساع النفوذ الروسي"، وقال التقدير إن "روسيا تواصل توسيع تواجدها في أرجاء شمال أفريقيا، حيث تحركها جملة من المصالح الجغرافية– الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية"، لافتا إلى أن "منطقة المغرب تعرض على موسكو موطئ قدم متعاظم في البحر المتوسط تشمل؛ عقود ربحية في فروع الطاقة والبنى التحتية وفرصة لتثبيت نفسها كوسيط في النزاعات السياسية".
وأشار إلى أن "الجزائر هي الزبون الثالث في حجمه لروسيا من حيث العتاد العسكري، وقوات حفتر في ليبيا تتمتع بالمساعدة الروسية، والأعمال التجارية الروسية تواصل تثبيت نفوذها، وفي المغرب تونس، سلسلة طويلة من الاتفاقات الاقتصادية التي وقعت في السنوات الأخيرة، وهو ما يدل على أن موسكو تستغل إمكانية تخفيض التواجد الأمريكي في المنطقة وترى فيها بوابة للأسواق الأفريقية".
وفيما يخص آثار واقع المغرب العربي سابق الذكر على "إسرائيل"، فقد أفاد التقدير الاستراتيجي أن "مصادر التخوف الأكثر فورية بالنسبة لإسرائيل؛ هي احتمال تعاظم الاحتجاجات الأخيرة في الجزائر لتصل إلى وضع يتضعضع فيه الاستقرار على مستوى أوسع".
كما أن "عدم الاستقرار في شمال أفريقيا، هو خلفية لانتقال المسلحين والسلاح إلى شبه سيناء"، بحسب المركز الذي شدد على ضرورة أن "تفحص إسرائيل فرص تحسين التعاون الأمني مع دول المنطقة، حيث يمكن أن يتسع التعاون الإسرائيلي– المصري، ويضم تعاونا في جمع المعلومات الاستخبارية لضمان الحدود الغربية لمصر".
وكشف أن "الاختراق السياسي الذي تحقق مؤخرا بين إسرائيل وتشاد، نبع ضمن أمور اخرى من رغبة تشاد في مساعدة إسرائيل لها من أجل منع تسلل العنف من ليبيا"، معتبرا أن "إسرائيل ستفعل الصواب إذا ما استغلت بهدوء، فرصا مشابهة في أماكن أخرى في المنطقة".
وفي نهاية التقدير، ذكر أن الميول الخمسة سابقة الذكر "كلها شروط يتميز بها اليوم معظم الشرق الأوسط، وفي ضوء ذلك، فإن لتل لأبيب مصلحة في تنمية تفاهم أشمل لانعكاس التطورات الإقليمية في شمال أفريقيا وتأثيرها على الدول المختلفة بما فيها تلك القريبة منها"، متوقعا أن "إسرائيل ستصبح لاعبا أكثر فاعلية بكثير" في الفترة المقبلة.