هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لأستاذة العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكينز، سابينا هيننبيرغ، تقول فيه إن ملايين الجزائريين انتصروا، حيث أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم الاثنين الاستقالة.
وتشير هيننبيرغ في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن هذا الإعلان جاء بعد أن تم تغيير 21 وزيرا من أصل 27، ودعا رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح المحكمة الدستورية للإعلان بأن بوتفليقة غير قادر على ممارسة مهماته الرئاسية.
وتفيد الكاتبة بأن المحتجين عارضوا ابتداء ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة في الانتخابات، المزمع إجراؤها في نيسان/ أبريل، وجمعوا زخما بعد أن ألغى الرئيس الانتخابات تماما، ووعد بعقد مؤتمر قومي بدلا من ذلك، لافتة إلى أن المحتجين عارضوا هذا المقترح؛ لأنه يعني تمديد غير منظور لولاية بوتفليقة الرابعة، وإعلان الجيش أيضا عنى أن الجيش رفض الخطة أيضا.
وترى هيننبيرغ أن "هذه التطورات تعد مكسبا لحركة الاحتجاج، لكن لا تزال أمامها تحديات مهمة، فأي خليفة محتمل سيواجه مباشرة تحديات اقتصادية واسعة، وغياب زعيم بديل واضح أو منصة سياسة موحدة قد يعيق الحركة الاحتجاجية، بالإضافة إلى أن روسيا، التي تعد أكبر حلفاء الجزائر، وأكبر موردي الأسلحة، تبدو أنها تؤيد تحولا بوساطة القوى القائمة".
وتعتقد الكاتبة أن "تحرك صالح يحمل أهمية كبيرة: فالجيش كان لاعبا مهما في السياسة الجزائرية منذ الاستقلال عام 1962، فخلال ثورة الاستقلال من 1954 – 1962، عندما خلصت الجزائر نفسها من الاستعمار الفرنسي، وكان جيش التحرير الوطني (الذي أصبح لاحقا جيشا حديثا باسم الجيش الوطني الشعبي الجزائري)، فعالا في هزيمة الفرنسيين".
وتبين هيننبيرغ أنه "بسبب هذا الدور التاريخي للجيش، كونه رمزا للهوية الوطنية، فإنه بقي مشاركا عن كثب في الشؤون المدنية، واختار كل رئيس منذ 1962، وصادق عليه، أو على عزله، وتدخل جنرالات الجيش لإلغاء انتخابات عام 1992، بعد انتصارات كاسحة للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات المحلية والبلدية، وأدى هذا التحرك إلى حرب أهلية دامت حوالي 10 سنوات، وذهب ضحيتها 150 ألفا إلى 200 ألف شخص، وذاكرة هذه الحرب هي التي جعلت هذه المظاهرات سلمية إلى الآن".
وتلفت الكاتبة إلى أن الجيش طالب قبل إعلان بوتفليقة بتطبيق المادة 102 من الدستور، التي ستكلف رئيس البرلمان الحالي بتسلم مهام الرئاسة من بوتفليقة لمدة 45 يوما على الأقل، و135 يوما على الأكثر، يتم خلالها إجراء انتخابات، ويتم تفعيل هذه المادة إن أكدت المحكمة الدستورية والبرلمان عدم تمكن "بوتفليقة" من ممارسة مهامه الرئاسية، مستدركة بأن الكثير من المعارضة رفضوا خارطة الطريق هذه، ودعوا إلى حكومة من أشخاص لم يكونوا مشاركين في السياسة لتنظيم انتخابات جديدة، بدلا من السماح للاعبين بفرض التحولات.
وتجد هيننبيرغ أن "إصرار آلاف المحتجين، الذين يسعون لتحقيق تمثيل حقيقي، وبقاء رد الحكومة سلميا (فقد دعت جمعيات حقوق الإنسان الأجهزة الأمنية للامتناع عن الاعتقال أو استخدام القوة المفرطة) يشيران إلى إصلاحات حقيقية في الحكومة الجزائرية، لكن بعض المعوقات طويلة الأمد ومخاطر قد تمنع حصول تغير حقيقي حتى لو لم يتدخل الجيش واستقال بوتفليقة كما وعد".
وتنوه الكاتبة إلى أن "المعوق الأول هو الوضع الاقتصادي السيئ، فثلث الناتج المحلي الإجمالي يأتي من الهيدروكربونات، ويشكل النفط والغاز 90% من صادرات الجزائر، وبالرغم من اعتراف السلطات في السنوات الأخيرة بالحاجة إلى التنويع، خاصة بعد تدهور أسعار النفط عام 2014، (الذي كان سببه جزئيا زيادة إنتاج النفط الأمريكي، الذي أدى إلى تخفيض أمريكا استيرادها للنفط الجزائري بشكل كبير)، إلا أن الجهود لتحقيق ذلك واجهت عدة عقبات".
اقرأ أيضا: نيويورك تايمز: إلى أين تسير الجزائر بعد بوتفليقة؟
وتستدرك هيننبيرغ بأنه "مع أن الحكومة حاولت تشجيع الاستثمارات الأجنبية، إلا أن البيئة التجارية لا تزال غير مشجعة للشركات الجديدة، ولا للعمال الأجانب، خاصة بعد هجوم مسلحين على حقل الغاز في عين أمناس، وقتلهم أكثر من 30 عاملا أجنبيا عام 2013، بالإضافة إلى أن مبادرات استخراج الغاز من تكسير الصخور ووجهت بالاحتجاجات، ما جعل هذا المشروع يتعثر".
وتذكر الكاتبة أن شركة الطاقة التابعة للحكومة "سوناتراتش" عانت من أزمة شرعية؛ بسبب عدة فضائح فساد أدت إلى تقلبات في إدارتها، مشيرة إلى أنه بسبب الأزمة السياسية القائمة الآن فإن سن قانون يتعلق بالهيدروكربونات، كان سيتم اتخاذه كجزء من استراتيجية لتحسين الإنتاجية والاستثمار في القطاع، سيتأخر.
وتشير هيننبيرغ إلى أن صندوق النقد الدولي أعرب عن مخاوف اخرى حول الاقتصاد، فقد تراجع الاحتياطي الأجنبي، وزادت المديونية، وبقيت البطالة عالية، فيما هناك مؤشرات على فعالية متدنية للاستثمار العام، وفي الوقت ذاته عطلت سياسات النفقة العامة استثمارات القطاع الخاص، بالرغم من الوعود المستمرة بأن برامج محددة لن تمس، وأدى تخفيض الحكومة للنفقات إلى احتجاجات.
وبحسب الكاتبة، فإن تراجع الاقتصاد أدى إلى التأثير على بعض قطاعات السكان بشكل كبير، بالرغم من أن استثمار الحكومة الكبير في السكن العام والهجرة الكبيرة إلى المدن، "وجزء منها كان بسبب النزوح عن المناطق النائية بسبب الحرب الأهلية"، أدى إلى نقص في السكن، بالإضافة إلى أن قطاع الصحة والتعليم ينقصهما التمويل والإمكانات، ولهذا شارك الطلاب والأطباء في الاحتجاجات.
وترى هيننبيرغ أن "هناك خطرا آخر يهدد حركة الاحتجاج، وهو البقاء في حالة تشتت خلال فترة فراغ في السلطة، فيما هناك مؤشرات على خلافات داخل الحركة حول خريطة طريق لائقة للتحول، وعندما ظهرت مجموعة مظلية من الناشطين، أطلقوا على أنفسهم اسم (أرضية من أجل التغيير)، في أواخر شهر آذار/ مارس، فإنه تم التبرؤ منها من عدة موقعين، ورفضها بعض المحتجين، الذين تشككوا من أن الموقعين عليها لهم انتماءات إسلامية".
وتفيد الكاتبة بأن "الحركة تفتقر إلى زعيم، وقد تم تقديم الأخضر الإبراهيمي من الرئيس بوتفليقة لقيادة المؤتمر الوطني، لكنه يعد جزءا من عصبة الرئاسة، أما محامي حقوق الإنسان مصطفى بوشاشي، فإنه يتمتع بمصداقية لدى حراك الاحتجاج، لكنه يريد أن تأتي القيادة من الشباب".
وتقول هيننبيرغ إن "كون الحراك يفتقر إلى قيادة ليس بالضرورة أمرا سلبيا، فقد وصفت ثورة تونس عام 2011 بالوصف ذاته، لكن تحطم القيادة التقليدية، التي تعكسها الانشقاقات من رواد الأعمال وحزب الرئيس والمجموعات التي كانت يوما موالية، مثل أكبر اتحادات العمال في البلد، بالإضافة إلى عدم الاستقرار بين أحزاب المعارضة، الذي يجعل البلد عرضة للتنافس واختطاف السلطة ربما من الجيش، ومع أن العديد من قيادات الحراك دعت الجيش للامتناع عن التدخل في الأزمة، إلا أن بعضهم طلب من الجيش التدخل، خاصة مع الاحترام الكبير التي يتمتع به الجيش".
وترى الكاتبة أن "الخطر الآخر هو التدخل الأجنبي، فروسيا سعت إلى أداء دور أكبر في شمال أفريقيا، وسعت بالذات لتقوية علاقاتها الاقتصادية بالجزائر، بما في ذلك التعاون في قطاع الطاقة وشراء الأسلحة، وعادة ما يعني هذا الحرص إبقاء الوضع الراهن، وإبقاء بوتفليقة والجيش، لكن روسيا ردت بحذر على التطورات في الجزائر، ودعت إلى عدم تدخل الدول الأخرى، وفي الوقت ذاته ربطت المعارضة بالإسلاميين".
وتورد هيننبيرغ نقلا عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قوله في آذار/ مارس، بأنه قلق من المظاهرات في الجزائر، ومن محاولات زعزعة الاستقرار في البلد، فيما أيد خلال اجتماع مع نائب رئيس الوزراء الجديد رمطان لعمامرة، اقتراح بوتفليقة بتأجيل الانتخابات، لكن لعمامرة كان من بين الوزراء الذين أقيلوا يوم الاثنين، و"يستحق الأمر مراقبة رد فعل روسيا، في الوقت الذي تتحول فيه مراكز القوة في الجزائر".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول إنه "في الوقت ذاته فإن الجماعات المتطرفة، بينها تنظيم القاعدة في المغرب، والمجموعات الموالية لتنظيم الدولة، تستمر في العمل بالقرب من الحدود الجزائرية، ومع أن الجزائر رفعت من نفقاتها الدفاعية في السنوات الأخيرة، وشاركت في عدة أنشطة عسكرية لمحاربة هذا التهديد، إلا أن الغموض الذي يواجه دور القوات المسلحة في قيادة البلد قد يشجع المتطرفين".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)