هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت قصيدة شعرية ألقتها مهندسة سورية في الولايات المتحدة عن قصة خلاف بين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأم المؤمنين عائشة جدلا في العالم العربي، واعتبرها بعضهم جزءا من حملات التشويه التي تشنها جهات معادية للإسلام على السيرة النبوية.
وانتشر في الأيام الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمهندسة سوريّة تُدعى (س.ح) وهي تقرأ قصيدة تتحدث عن خلاف وقع بين النبي (ص) وأمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها.
وأوضح الباحث الليبي في شؤون الفكر الإسلامي علي الصلابي في حديث مع "عربي21"، أن "القصيدة موضوع الحديث مبنية على قصة واقعية أوردتها كتب السيرة النبوية، عن أن أبا بكر كان مارا من أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع صوت أم المؤمنين عائشة مرتفعا، فدخل إليها غاضبا وكان يريد ضربها فحماها الرسول صلى الله عليه وسلم".
وأضاف: "هذه هي الحادثة وليس لها أي علاقة بخلاف أو تمنع أو غير ذلك، مما يجعل من القصيدة الشعرية، التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمهندسة سورية، عبارة عن وهم وخيال لا أصل تاريخي له".
وأكد الصلابي، أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها وضع قصص وأخبار لتشويه صورة الإسلام، وقال: "كل هذه الأخبار الزائفة ليس من ورائها طائل، ولا يمكنها أن تسيء للصورة الناصعة لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"، على حد تعبيره.
وفي الكويت، وصف الكاتب الكويتي الدكتور محمد السعيد القصيدة المتصلة بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة، بأنها "كذبة جديدة وافتراء فاحش".
وقال السعيد في مقال له اليوم بصحيفة "الوطن" الكويتية: "صاحب الفطرة السليمة والقلب الواعي والعقل الرشيد يدرك للوهلة الأولى عند سماعه هذه القصيدة مدى ما اشتملت عليه من أكاذيب وافتراءات ونيل من مقام صحابة رسول الله (ص) من الخلفاء الراشدين: عمر، وعثمان، وعليّ، رضي الله عنهم أجمعين".
وأضاف: "القصيدة التي بدأ مطلعها بالإشارة إلى مصدرها الذي اعتمدت عليه: (روى الإمام أحمد بن حنبل * * * في المسند الموثق المسلسل).. جرى فيها ناظمها وراء خياله.. وابتعد عمّا ورد في متن مسند الإمام أحمد، وهوى وراء نسج أوهامه، فنراه بكلّ جرأة يختلق الأكاذيب والأقوال المنكرة، مثل حديثه كذبًا عن إعراض أمّ المؤمنين عائشة كلما دعاها النبي (ص) باستعطاف، وطول هجرها له، فهل يليق هذا بمقام النبي (ص) وهل يقع هذا من ابنة الصدّيق أمّ المؤمنين؟!".
وأشار السعيد إلى أنه جرى "في القصيدة سرد ما لا يليق بصحابة النبي (ص) من الخلفاء الرّاشدين في معرض طرح النبي أسماءهم ليكون واحد منهم حكمًا بينه وبين عائشة في الخصام، فقد أورد الناظم على لسان أمّ المؤمنين ما لا يليق، مثل قولها في شأن عمر الفاروق: (معاذ الله..)، وفي عثمان: (وما يدريه ماذا كانا؟)، وفي علي : (أعوذ إن تكُ تقيّا)!!".
وذكر السعيد أن "الأمر في الفحش والكذب لا يقتصر على ذلك، بل يتعدّى إلى مقام النبيّ (ص)، وذلك في سرد صاحب القصيدة ردّ أمّ المؤمنين عائشة على النبي (ص) حين كان يحكي ما حدث لأبي بكر الصدّيق، ويورد أنَّها طلبت من النبي أن يُعرض عن اللّجاج، وأن يقول الصّواب، وأن يتّقي الخلاف لأنَّها تكره الشّقاق.. وغير ذلك ممّا لا يصحّ وقوعه من أمَّ المؤمنين ولا ممّا يجوز بالأحرى أن يكون موجّهًا للنبي الصادق الأمين (ص)".
وأكد السعيد، أنه "لا يمكن أبدًا أن يكون الردّ والدفاع عن هذه الافتراءات بأنّ القصيدة تضمنت تعنيف أبي بكر لابنته على كلامها؛ لأنّ الكلام أصلًا غير صحيح ولم تنطق به عائشة، كما هو في متن مسند الإمام أحمد، لأن "كلّ هذا نسج خيال وأوهام وأكاذيب".
ودعا السعيد المسلم إلى أن يتحرّى ويتوثّق مما يتم نسبته إلى النبي وآله وصحبه والسلف الصالح والتابعين قبل أن ينشره ويعممه على مواقع التواصل، وإلّا فسيكون مشتركًا في الإثم، كما قال.
وقد نشرت المهندسة السورية سيرين همشو توضيحا بشأن القصيدة التي ألقتها، على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، بشأن الكلمة التي ألقتها في مؤتمر مسلمي أمريكا الشمالية في شيكاغو العام الماضي، والتي تضمنت نظماً شعرياً مستلهماً من قصة للنبي مع عائشة ومستوحى من الأحاديث التي وردت في كثير من كتب السنة ومسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وغيرهما..
وقالت: "القصيدة التي ذكرتها هي واحدة من ثلاثين قصيدة تحكي مواقف تربوية مشابهة لنبينا الكريم مع زوجاته ومع الصحابة الكرام استُلهمت جميعها من هدي النبي، كنت قد قدّمتها في برنامجي التلفزيوني "لطائف الحبيب" عام 2009، أي من عشر سنوات، على قناة إقرأ الفضائية، وكانت قد مرّت على عشرات من الشيوخ الأفاضل وأهل العلم القائمين على تدقيق النصوص والمحتوى ومرّت كذلك على اللجنة الشرعية للقناة حينها وتم اعتمادها ونشرها جميعاً دون أي اشكال".
وأعربت همشو عن أسفها، لأن هناك من حذّر من القصيدة واتهمها بالكذب على رسول الله (ص)، وقالت: "هذه أرجوزات لا روايات! نُظِمت في مواقف ملهمة للنبي لتحُثّ على مكارم الأخلاق وتجعل القيم الاجتماعية الشريفة حبيبة قريبة إلى القلوب نحكيها بأسلوب قصصي كما نحكي قصة الحمامة والعنكبوت والهدهد وسليمان وقصص الحسن والحسين وحكايات الصحابة الكرام لأطفالنا دون أن نشغلهم بالسند المعنعن ونجّمد عقولهم بروى فلان عن فلان عن فلان. لكن عندما نروي لهم حديثاً عن النبي نلتزم الرواية وأدبها ونشير إلى الراوي ولا نزيد عليه ولا ننقص ولا خلاف في ذلك".
وأضافت: "أحاديث النبي وصلتنا لنستخلص منها الحِكَمَ مع الأحكام والعِبَر مع العبرات ولنستمد من روحها ونستلهم من ضيّها، لا لتبقى جامدة يتداولها فقط أهل الحديث وعلم الجرح والتعديل.. (ولا ننكر فضلهم ولا علمهم وجزاهم الله عنا خير الجزاء)".
وتابعت: "معاذ الله أن أكذب عن رسول الله وحاشاه أن أروي عنه ما لم يقله.. وليحسن الظن من كتب وليتقي الله من ينقل عنه ولا يتصيّد المواقف فينفّر الدين من أهله ليرضي نفسه"، وفق تعبيرها.