نشرت صحيفة "أوبزيرفر" مقالا للكاتب سايمون تيسدال، تحت عنوان "
السودان،
الجزائر،
ليبيا:
الربيع العربي يتوقف حيث يحرف
ترامب نظره بعيدا"، يقول فيه إن الولايات كانت نموذجا يحتذى لغيرها من الأمم، لكن هذا لم يعد موجودا، ومضى عليه الوقت.
ويقول تيسدال في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إنه "في الأسبوع الماضي شهدنا همجية عالمية غير مبررة قامت بها إدارة دونالد ترامب، وجاءت على شكل بلطجة أو تنمر في مجال التجارة والأعمال ضد منافسيه، وتهديدات ضد إيران، و(خطة السلام) الغريبة لفلسطين المتحيزة، واستئناف بيع السلاح لتستخدمه السعودية في اليمن، والهجوم على حرية الصحافة الدولية".
ويجد الكاتب أن "الغضب والفزع من الطريقة التي تتحرك فيها كرة الدمار لدونالد ترامب يخفيان وراءهما الأسلوب الذي يمكن الولايات المتحدة من استخدام قوتها التي لا مثيل لها لخدمة الغير، إلا أنه يرفض القيام بهذا الأمر".
ويرى تيسدال أن "سياسة ترامب تعرف اليوم بغيابها، فالمدنيون السوريون يموتون من جديد على يد النظام وترامب يلتزم الصمت، ولم يفعل شيئا لوقف القتل، وفي الوقت الذي يتم فيه التحذير من أزمة المناخ والإعدامات الجماعية، فإن ترامب يفضل النظر بعيدا، والتركيز على الفرص الاقتصادية التي تأتي على حساب ذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي".
ويشير الكاتب إلى أن "أمريكا كانت في طليعة الدول التي تدعو إلى الديمقراطية والحكم والقيم الإنسانية العالية وحقوق الإنسان، ومع أن سجلها لم يكن كاملا إلا أنها على الأقل حاولت، وفي عهد دونالد ترامب لم يتم التسامح مع الديكتاتوريين من روسيا ومصر والبرازيل وكوريا الشمالية وميانمار والفلبين فحسب، بل تم تشجيعهم أيضا".
ويقول تيسدال: "يبدو هذا الوضع أكثر وضوحا الآن في السودان الذي بدأت فيه ثورة الشعب في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، وانتهت بالتخلص من حكم عمر حسن البشير، وهي ثورة تواجه خطر الفشل، ولا يحظى السودان رغم أهميته الاستراتيجية ومساحته إلا باهتمام قليل من الغرب، وعندما نأخذ في عين الاعتبار حرص الشعب الباحث على الديمقراطية، والصراع مع الإسلاميين، وإمكانية انفجار الوضع، وتحوله إلى حرب أهلية مثل سوريا وليبيا واليمن، فإن إهمال هذا البلد من الغرب يعبر عن قصر في النظر".
ويعلق الكاتب قائلا إن "سجل الولايات المتحدة في السودان متفاوت، فقام بيل كلينتون بضربه عام 1998 على خلفية علاقته مع تنظيم القاعدة، وساعدت الولايات المتحدة في ترتيب اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب عام 2005، التي قادت لاحقا لانفصال الجنوب، وفرضت الإدارة الأمريكية حتى وقت قريب نظاما من العقوبات على النظام، إلا أن خروج البشير من السلطة وعدم توازن الجيش يمنحان واشنطن فرصة نادرة لتوجيه السودان وبقوة نحو المعسكر الديمقراطي، لكن ما تعمله هو العكس، فتدفعه بعيدا عن الطريق الديمقراطي".
ويلفت تيسدال إلى أن "الدبلوماسيين الأجانب يصفون السياسة الأمريكية تجاه السودان بالمرتبكة وغير الموجودة في أفضل الحالات، ونقلت مجلة (فورين بوليسي) عن أحد أفراد المعارضة السودانية، وصفه العلاقة بين تجمع المهنيين السودانيين والسفارة الأمريكية في الخرطوم بالمتوترة، وقال أحد المعارضين إن الحضور للسفارة كان (مضيعة للوقت)، وقد فشل اجتماع عقد بداية الشهر الحالي، حضرته الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، في تحديد مسار عمل مشترك".
ويقول الكاتب: "بدلا من اغتنام هذه الفرصة، فإن الولايات المتحدة، (وبشكل افتراضي بريطانيا، الدولة التي استعمرت السودان)، قامت بتحويل الملف إلى رجال ترامب في المنطقة، السعوديين والمصريين والإماراتيين، ودعمت هذه الدول الثلاث نظام البشير، وهي تدعم وتمول محاولات إحياء الوضع القائم قبل الانقلاب، وكان المحتجون في الخرطوم واضحين منذ البداية، بأنه ينبغي التغيير الشامل للنظام وليس مجرد رأس القيادة".
وينوه تيسدال إلى أن "المحور المحافظ جدا والقومي، الذي يزحف مع خطوات ترامب، يريد الدفع برجل السودان القوي الجديد، وهو محمد حمدان دقلو والمعروف بحميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي وقائد ما تعرف بقوات الدعم السريع، وهي مليشيا كبيرة خرجت من عباءة جماعات الجنجويد المسلحة، والمتورطة بعمليات الإبادة في دارفور، وألقي اللوم على قوات الدعم السريع بعمليات القتل والهجمات المتفرقة على المحتجين هذا الشهر".
ويقول تيسدال إن "دقلو تغلب وبسهولة على رئيس المجلس العسكري الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، وكان إصرار دقلو على تولي الجيش غالبية المقاعد في الحكومة المدنية المقترحة السبب في انهيار المحادثات مع المدنيين، وعندما دعا تجمع المهنيين السودانيين للإضراب العام، فإن دقلو كان هو من هدد بالانتقام، ومن غير المعلوم ما هو رد المعارضة المنقسمة حول خط العمل، ما يعني أن انزلاق البلاد إلى العنف بات حقيقيا وممكنا".
ويبين الكاتب أن "دقلو يزعم أنه لا يبحث عن السلطة، إلا أن طموحه واضح، وقال في الأسبوع الماضي إنه يشرف على الإجراءات القضائية ضد البشير و25 من رموز النظام الذين تم اعتقالهم منذ الانقلاب، ما يعني السيطرة على هذه العملية والتأكد من عدم تمثيلهم أي تهديد للنظام، وحصل شخصيا على ختم ملكي من حليف ترامب العربي، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في لقاء خاص عقد في مدينة جدة السعودية".
ويذهب تيسدال إلى أن "تحويل السياسة الأمريكية للرجال الأقوياء والقوى الإقليمية الصديقة الوكيلة أصبح اتجاها قائما، ففي ليبيا، التي عادت الحرب الأهلية فيها من جديد، دعم ترامب الجنرال خليفة حفتر، الذي يدعمه السعوديون والإماراتيون، واستقبل البيت الأبيض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو حاكم ديكتاتوري آخر قام باختطاف ثورة شعبية، وكما هو الحال في السودان، فإن آمال تغيير جذري في الجزائر، التي أجبر فيها الرئيس على الاستقالة، تتلاشى وسط مكائد الجيش وقلة اهتمام أمريكي وأوروبي".
ويعلق الكاتب قائلا: "ربما لا نخطئ لو قلنا إن الولايات المتحدة لم تعد تقود من خلال النموذج المحتذى، فهناك عدد كبير من قادة العالم يحاكون رؤية ترامب الرجعية، التي لا تخدم إلا الذات".
ويختم تيسدال مقاله بالقول إن "الرؤية التي قامت عليها أمريكا (المدينة التي تشع على التلة)، التي عبرت عن الحرية والعدالة، أصبحت في عهد ترامب مظلمة وملطخة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)