هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لكل من آنا فايفيلد وكريم فهيم، تحت عنوان "الصين تشن حملة قمع لا ترحم ضد المسلمين والسعودية تقوي وبهدوء علاقاتها مع بكين"، يتحدثان فيه عن الموقف السعودي الصامت تجاه ما يجري للمسلمين في الصين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن شهر رمضان في الصين يجلب معه معاناة جديدة للمسلمين الذين يعيشون ضغوطا مستمرة، فالسلطات الصينية تقوم بحملة تنمر وبلطجة ضد أقلية الإيغور المسلمة، وتجبر أفرادها على تناول الطعام والشراب قبل غياب الشمس، في خرق واضح لحرمة الصيام، ومن يفشل في إطاعة الأوامر فإنه يواجه عقوبات.
وينقل الكاتبان عن رئيس المجلس العالمي للإيغور، ومقره ميونيخ في ألمانيا، دولقون عيسى، قوله: "إن هذا أمر محزن وفيه إهانة لكرامتنا"، ووصف كيف أجبر أصحاب المطاعم المسلمين في منطقة تشنجيانغ في شمال غرب الصين على فتح مطاعمهم في أثناء النهار، وكيف أجبر العمال المسلمون على تناول الطعام والشراب في أثناء فترات الغذاء في أماكن العمل التي يديرها الصينيون غير المسلمين، وتساءل عيسى عن وضع المسلمين في هذه الأحوال، قائلا إنه "لا خيار أمامهم: كيف يمكنهم الرفض؟".
وتعلق الصحيفة قائلة إن الدول ذات الغالبية المسلمة التزمت الصمت تجاه ما يحدث للمسلمين في الصين؛ لتجنب إغضاب السلطات الصينية، رغم الشجب الواسع الذي أبدته الدول الغربية من عمليات محو الهوية الدينية والتراثية للمسلمين في شمال غرب الصين.
ويجد التقرير أن النبرة تجاه المسلمين في الصين تحددها السعودية، التي تحتفظ بقوة اقتصادية ونفوذ ديني، فملكها يحمل لقب "خادم الحرمين الشريفين" في مكة والمدينة، وتعد المملكة قوة اقتصادية حيوية في الشرق الأوسط، ويساعد نفطها في تغذية النمو الاقتصادي الصيني.
ويلفت الكاتبان إلى أنه بحسب وكالة الأنباء الصينية "تشينهو"، فإنه في مكالمة بين الملك سلمان بن عبد العزير والرئيس الصيني شي جينبنغ، عبر الملك عن استعداد المملكة "لتقوية التبادل مع الصين على المستويات كلها"، مشيرين إلى أن نجله ولي العهد بدا موافقا على معاملة السلطات الصينية للمسلمين الإيغور عندما زار الصين هذا العام، عندما قال: "نحترم وندعم حقوق الصين في اتخاذ إجراءات مكافحة الإرهاب والتخلص من التطرف لحماية الأمن القومي".
وتفيد الصحيفة بأن هذا كله جاء في وقت تم فيه وضع ما يقرب من 3 ملايين مسلم في معسكرات اعتقال، أقيمت في مناطق مختلفة من الإقليم، وذلك بحسب تقدير مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون".
وينوه التقرير إلى أن السلطات الصينية تزعم أن هذه المعسكرات هي مراكز تدريب مهني تهدف لاقتلاع الإرهاب، لكن أفراد عائلات المعتقلين والحكومات الغربية ومنظمات حقوق الإنسان تصفها بأنها عملية منظمة لمحو الإسلام من ذاكرة السكان، وتجريدهم من إرثهم الديني والثقافي، فقد أجبر الرجال على حلق لحاهم، والنساء على نزع الحجاب، ودمرت المساجد، وتم وضع مدن كاملة تحت رقابة دائمة، فيما زادت حالات انتهاك حرمة شهر رمضان هذا الشهر.
ويقول الكاتبان إن رضا السعودية عن ممارسات الصين أظهر نتائج الحملة التي تقوم بها الصين، ومنع أي نقد لها من دول الغالبية المسلمة، مشيرة إلى أن الصين ركزت في الأشهر الستة الماضية على أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، وكانت حملة مكثفة شارك فيها دبلوماسيون صينيون، وشملت على محفزات اقتصادية وتهديدات أيضا، وطلبت الصين من الأعضاء الـ57 في المنظمة التعامل مع سياساتها في الإقليم ذي الغالبية المسلمة على أنها مسألة داخلية تخص الأمن القومي، وهو ما كشف عنه مطلعون على جهود الضغط الصينية على دول المنظمة.
وتورد الصحيفة نقلا عن مطلعين على الحملة، قولهم إن الصين اعتمدت كثيرا على السعودية وحليفتها المهمة الإمارات العربية المتحدة، فخاطبتهما مباشرة، وراهنت على قدرتهما على التأثير على بقية الدول المسلمة.
ويذهب التقرير إلى أن موقف السعودية يظهر التغير الدرامي في سياسات المملكة في ظل ولي العهد، الذي حاول مواجهة سلطة المؤسسة الدينية في السعودية وتقليلها، لافتا إلى أن محمد بن سلمان يحاول تشكيل هوية سعودية تعتمد أكثر على البعد الوطني، وليس على المكون الديني، وهو ما أدى إلى تخلي المملكة عن سياسات تبنتها في السابق، مثل القيام بدور ريادي في شجب الإسلاموفوبيا والتمييز ضد الأقليات المسلمة حول العالم.
ويذكر الكاتبان أن السعودية ليست الوحيدة التي تحاول التقليل من محنة المسلمين الإيغور أو تجاهلها، فالدول المسلمة الكبرى، التي تضم باكستان ومصر وإيران، أبدت صمتا حيال ما يحدث لهم، مستدركين بأن الصمت السعودي كان أوضح، إذا ما تم الأخذ في عين الاعتبار الدور القيادي لها في العالم الإسلامي.
وتنقل الصحيفة عن جون كالاربريس، من مشروع الشرق الأوسط وآسيا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، قوله: "أحد أركان الشرعية السعودية هو خدمة العائلة للحرمين الشريفين.. يتوقع منهم الآخرون اتخاذ موقف قيادي في هذا الأمر".
ويورد التقرير عن دبلوماسي في العاصمة بكين، قوله إن الحكومة الصينية حساسة تجاه ردة فعل الدول المسلمة، ويضيف الدبلوماسي: "يريدون الظهور بمظهر من لديه أصدقاء"، فيما قال دبلوماسي آخر في بكين إن "الكثير من الدول المسلمة قلقة من هذا الأمر، لكنها خائفة من أداء دور قيادي"؛ خشية من تأثر الاستثمارات الصينية التي تقدر بمليارات الدولارات.
ويشير الكاتبان إلى أن الصين أنفقت 200 مليار دولار في 60 دولة، من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي تقوم على إنشاء البنى التحتية وربط الدول مع بعضها، أسوة بطريق الحرير القديم، لافتين إلى أن الصين تقوم مثلا ببناء خط حديدي، وتطوير عقارات في ماليزيا، وقطار سريع في إيران وموانئ ومحطات طاقة في إندونيسيا، وقد عبر كل من العراق ومصر عن الحماس لمشروع الحزام والطريق.
وترى الصحيفة أن استراتيجية الحكومة الصينية في إسكات الدول المسلمة نجحت في معظمها، فقد زعم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مرتين أنه لا يعرف شيئا عن وضع المسلمين في الصين، فيما أعلنت الحكومة في إندونيسيا بوضوح أنها "لن تتدخل" في "شؤون الصين الداخلية".
ويلفت التقرير إلى أن تركيا أعلنت بعد سنوات من الصمت في شباط/ فبراير عن انتقادها الصريح "للتعذيب وعمليات غسيل الدماغ السياسي" في مراكز التثقيف، وطالبت الصين بإغلاقها، حيث ينتمي الإيغور للعرق التركي، وكان رد الصين على ذلك غاضبا، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي لا تحتاج فيه دول الخليج الصين لبناء الطرق ومراكز الاجتماعات، إلا أن هناك الكثير ما يربط بينها وبين الصين.
وينقل الكاتبان عن البروفيسورة في شؤون الأمن الدولة في كلية سلاح الجو دون ميرفي، قولها إن "الهدف الأول للسعودية هو اقتصادي"، و"بيع النفط"، مشيرين إلى أن الصين تعد أكبر مستورد للنفط السعودي، حيث تفوقت على أمريكا في عام 2009.
وتفيد الصحيفة بأن الصين اشترت منتجات من السعودية بقيمة 46 مليار دولار في عام 2018، وهو العام الذي زادت فيه العلاقات الثنائية بنسبة 33%، وإلى 63 مليار دولار، مشيرة إلى أن السعودية تظل سوقا مهمة للمنتجات الصينية، فهي أكبر سوق للبضائع الصينية وعقود الخدمات مثل البناء، وتقوم الصين بالتفاوض على صفقة تجارية مع مجلس التعاون الخليجي، الذي تعد فيه السعودية العضو الأكبر.
وينوه التقرير إلى أنه منذ وصول شي إلى الحكم عام 2013، فإن العلاقات أصبحت متعددة الوجوه، ففي عام 2016 وقع البلدان اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، مشيرا إلى أن خطة شي الحزام والطريق تتناسب مع رؤية محمد بن سلمان 2030، لكن الصين معروفة تقليديا بسياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ويقول الكاتبان إن علاقة السعودية أصبحت على المحك بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي، التي قالت تركيا وغيرها إن القيادة السعودية ضالعة فيه، ومن هنا فإن علاقة قوية مع الصين تساعد على فك العزلة الدولية عن السعودية، وتعيد تأهل صورة المملكة بعد ذبح خاشقجي، بحسب الزميل في معهد الدراسات الأفريقية وغرب آسيا في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية هي وينبنغ، لافتين إلى أن الرياض ثمنت صمت الصين على مقتل خاشقجي، خاصة بعد الضجة التي ثارت في الدول حول العالم.
وتنقل الصحيفة عن المحلل في شؤون الخليج في "غالف ستيس أنالتيكس" جورجيو كافيرو، قوله: "كانت بكين واضحة بأنها لا تهتم بمقتل خاشقجي، وفرشت البساط الأحمر لـ(أم بي أس) عندما زار الصين"،
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول كافيرو، إن السعودية تقوم الآن برد الجميل من خلال الصمت على ما يجري في إقليم تشنجيانغ، "وكلاهما حساستان للنقد المتعلق بسياساتهما الدولية.. والصين والسعودية لديهما سجل صارخ في حقوق الإنسان، ولا تريدان تركيز الضوء عليه".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)