هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يوشك رمضان على الرحيل خلال أيام قليلة، بعد أن أمضى معنا أياما باتت تتزايد سرعتها وقِصَرها عاما بعد آخر!
"رمضان يجمعنا"، صحيح، فمائدة الإفطار تجمع أفراد الأسرة حولها كما لا تفعل أيّ مائدة في أيّ شهر آخر، وهذه إحدى القيم الاجتماعية التي أصبحت تتقلص مع العالم المتسارع والناس المشغولة فيه دوماً، حتى يأتي شهر رمضان فينعش هذه القيمة الأسرية فيلتقي أفرادها في رمضان بما قد يعادل لقاءاتهم في بقية شهور العام كله.
لكنّ القيمة التربوية الأساسية لشهر رمضان صارت تخبو وتتضاءل أو تكاد تختفي من الصائم نفسه، وأعني بها "قمع" النفس البشرية عن الانفراط في الملذات والشهوات والرغائب. وتلك هي الرسالة التي خُلق شهر رمضان لأجلها.
رمضان "يقمعنا"، أو هكذا يجب أن يفعل، عن التبذير في الأكل والشرب وسائر الشهوات، فهل تجاوبت نفوسنا حقاً مع هذا "القمع" التربوي؟ أم أنها على العكس، جعلتْ رمضان شهر الموائد والإفراط في الأكل وزيادة الوزن. حتى بتنا لا نتعاطف في رمضان مع الجوعى والمحرومين، بل نتعاطف مع المتخمين والمصابين بالسمنة المفرطة!
رمضان "يقمعنا"، أو هكذا يجب، عن التسابق المحموم في التسوق والاستجابة لفخاخ الاستهلاك. حتى أصبح الباعة يعلنون دوما أن مبيعاتهم في شهر رمضان توازي كل مبيعاتهم في بقية الشهور، أو تكاد تفوقها.
رمضان "يقمعنا" عن الإفراط في الملهيات والانغماس في فسحة الترفيه التي يجب أن يزن الإنسان مقدارها من بين ساعات جدّيته في الحياة اليومية. لكن، على العكس تماما، جعلنا رمضان شهر الترفيه والمتعة والضحك، فكأننا حوّلنا شخصية رمضان في المخيال الإنساني من شخص رصين وقور مكتنز بالقيم والحِكم إلى شخص مراهق طائش، يريد أن يُمضي وقته في التسوق والأكل والترفيه والنوم.
رمضان يجمعنا على الخير، ويقمعنا عن الشر.
عن صحيفة الحياة اللندنية