هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "الإنترسبت" الأمريكي تقريرا تحدّث فيه عن حقيقة الناشط الإيراني، حشمت علاوي، الذي كان ينشر العديد من المقالات الناقدة المتعلّقة بإيران.
وقد اكتُشف لاحقا أن هذه الشخصيّة غير حقيقيّة بل هي عبارة عن مجموعة من الأفراد الذين يحاولون نشر ما يمليه عليهم قادتهم تحت اسم مستعار.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الرئيس دونالد ترامب كان يسعى سنة 2018 للتخلي عن الصفقة النووية التاريخية التي وقعها سلفه مع إيران سنة 2015، وكان يبحث عن سبل من أجل استمالة المصادر الصحفيّة التي تنقد هذه الصفقة. وردا على ذلك، نشر البيت الأبيض مقالا على مجلة "فوربس" تحت اسم كاتب يدعى حشمت علاوي.
في المقابل، أفاد مصدران للإنترسبت أن حشمت علاوي شخصيّة غير حقيقيّة على الأغلب، فقد ابتُكر في سياق عملية دعائية تديرها حركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة.
وقال المنشق عن مجاهدي خلق، حسن حيراني، الذي أشار إلى أنه على علم مباشر بالعملية: "حشمت علاوي شخصية يديرها فريق من الناس من الجناح السياسي لحركة مجاهدي خلق، ويكتبون كل ما يمليه عليهم قادتهم ويستخدمون هذا الاسم لنشر المقالات في الصحافة".
وأضاف الموقع أن موقع مجلة "فوربس" يعرّف علاوي، على أنه "ناشط إيراني لديه شغف بملف المساواة في الحقوق"، نشر العديد من المقالات حول إيران على مدار السنوات القليلة الماضية في "ذا هيل" و"فوربس" و"العربيّة"، التابعة للسعوديّة، في نسختها الإنجليزية.
اقرا أيضا : الغارديان: هل يمكن لمجاهدي خلق قلب النظام الإيراني؟
في المقابل، لم يستجب علاوي للدعوات التي وجهها الإنترسبت عبر رسائل تويتر المباشرة أو على عنوان البريد الإلكتروني الذي كان يستخدمه لمراسلات الأخبار، من أجل التعليق على هذا الموضوع.
وصبّت المقالات المنشورة تحت اسم علاوي في مصلحة حركة مجاهدي خلق، وهي مجموعة معارضة لا تحظى بشعبية كبيرة في إيران وتشتهر بأساليبها الدعائية المتطورة، خاصة بعدما حولت الحركة انتباهها على مدار العقد الماضي إلى جماهير اللغة الإنجليزية، خاصة في دول على غرار الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة.
علاوة على ذلك، يقال إن شخصيّة علاوي يديرها ثلاثة أعضاء من مجاهدي خلق. وكشف حيراني، الذي ساعد في وقت ما على تنسيق عمليات الحركة عبر الإنترنت، عن أسماء بعض الأفراد فضلا قائد الجناح السياسي للحركة الذين كانوا مسؤولين عن كتابة مقالات وتغريدات باللغة الإنجليزية باسم حشمت علاوي، كما تبادَل صورهم وأسماءهم مع الانترسبت.
اقرأ أيضا : فورين بوليسي: هل تدرك أمريكا مصادر القوة الإيرانية الخفية؟
من جهة أخرى، أوضح حيراني أن "زعيم المنظمة لا يسمح لأي شخص باستخدام اسمه الحقيقي، باعتبار أن القائد هو الرجل الأهم في الحركة، ويجب أن يكون كل شيء تحت سيطرته".
كما أكّد العضو السابق في منظمة مجاهدي خلق الذي يعيش في كندا، رضا صادقي، أن الثلاثي الذي أشار إليهم حيراني كانوا متورطين في العمليات التي تديرها المجموعة على مواقع الإنترنت.
وتجدر الإشارة إلى صادقي كان عضوا في منظمة مجاهدي خلق إلى غاية سنة 2008، وشارك في أنشطة الضغط في الولايات المتحدة، وفي العمليات في قاعدة مجاهدي خلق السابقة في معسكر أشرف في العراق.
ونقل الموقع عن صادقي: "كنا نشارك دائما في نشر أخبار كاذبة لنشرها في الصحافة الأجنبية وفي إيران. وفي معسكر أشرف، كانت هناك أجهزة كمبيوتر مخصّصة لإنجاز العمليات عبر الإنترنت.
وعلى مر السنوات، أصبح هذا النشاط أكثر كثافة مع ظهور منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر".
ومن هذا المنطلق، تعدّ حركة مجاهدي خلق من بين أكثر المجموعات إثارة للجدل التي تسعى لإسقاط الحكومة الإيرانية.
وعلى الرغم من أنها تشارك اليوم بشكل أساسي في النشاط السياسي وحشد التأييد، إلا أن المجموعة لديها تاريخ حافل بالعنف.
ومنذ سنة 1997 إلى حدود سنة 2012، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية حركة مجاهدي خلق على أنها منظمة إرهابية أجنبية، قبل ان تلغي هذه التسمية كجزء من صفقة دبلوماسية أبرمتها إدارة أوباما.
وفي هذا السياق، كانت السنوات التي عقبت الغزو الأمريكي للعراق مروعة بالنسبة لحركة مجاهدي خلق، كما زادها إدراجها ضمن القائمة الإرهابية تعقيدا.
وعندما سحب الأمريكيون قواتهم العسكرية، سلموا مسؤولية الحفاظ على الأمن في قاعدة مجاهدي خلق العراقية إلى الحكومة العراقية.
فضلا عن ذلك، سهّلت صفقة 2012 لحذف "مجاهدي خلق" من قائمة المنظمات الإرهابيّة، انتقال الآلاف من أعضاء مجاهدي خلق من العراق إلى ألبانيا، إلى مجمع سري جديد، قيل إن أعضاء مجاهدي خلق يديرون فيه شخصية علاوي.
وأوضح الموقع أن مقالات علاوي تميل إلى دمج الإدانات القاسية للحكومة الإيرانية بمقترحات شبه خفية حول إمكانية استبدال الحكومة بحركة مجاهدي خلق وزعيمتها مريم رجوي.
كما حاول الإنترسبت التواصل مع المحررين في الصحف التي نشرت مقالات علاوي على مدار السنوات القليلة الماضية، لكن لم تتمكن أي من هذه الأطراف تأكيد تحدّثها مع علاوي أو لقائها به.
وعلى الرغم من أن علاوي نشر مقالات عن إيران في العديد من الصحف ذات الميول اليمينية، إلا أن أكبر ناشر لمقالاته هي مجلّة "فوربس"، التي نشرت له 61 مقالة في غضون سنة، بين نيسان/أبريل سنة 2017 ونيسان/أبريل سنة 2018.
وبالإضافة إلى مقالاته العديدة التي نشرتها مجلة فوربس ومواقع أخرى، يبدو أن علاوي يدير مدونة تسمى "التعليق الإيراني"، التي تركز على "القضايا المتعلقة بإيران والشرق الأوسط".
ومن جهته، صرّح متحدّث باسم "فوربس" للإنترسبت قائلا: "لقد قطعنا علاقتنا مع حشمت علاوي في أوائل سنة 2018، علما وأن جميع المساهمين في موقع "فوربس" يوقّعون على عقد يتطلب منهم الكشف عن أي تضارب محتمل في المصالح.
وفي حال اكتشفنا انتهاك أحد المساهمين لهذه الشروط، فإننا نحقق في القضية بشكل كامل وننهي علاقتنا معه إذا ما تطلب الأمر ذلك".
وذكر الموقع أنه إلى حدود سنة 2012، كانت هذه الحركة تسعى جاهدة لكي يُحذف اسمها من قائمة المنظمات الإرهابية التي وضعتها الولايات المتحدة.
وخلال السنوات التي تلت ذلك، ركزت هذه المنظمة جهودها للنيل من العلاقات الدبلوماسية المتعلقة بالاتفاق النووي الذي يجمع بين إيران والولايات المتحدة.
ومنذ سنة 2015، حرصت الحركة على مهاجمة الاتفاق، وشدّدت رسائل حركة مجاهدي خلق على تغيير النظام، وحاولت أن تكون بديلا ممكنا يحلّ محلّ القيادة الحالية للجمهورية الإسلامية، وتقديم مريم رجوي كشخصية سياسية محتملة لقيادة البلاد.
غالبا ما كانت مقالات علاوي ترصد هذه الأهداف عن كثب حيث تضمّنت تقديم إشارات إيجابية حول رجوي، بالإضافة إلى ذكر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الجناح السياسي لحركة مجاهدي خلق.
وعلى سبيل المثال، في مقال نُشر في مجلة فوربس، دعا علاوي إلى ضرورة توفر دعم دولي لتغيير النظام في إيران.
علاوة على ذلك، كان علاوي يدعم بشكل صريح موقف المنظمة تجاه الاتفاق النووي الإيراني. وفي أيار/مايو سنة 2018، أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق بعد مرور شهر واحد من نشر مقال علاوي في مجلة "فوربس".
وأشار الموقع إلى أن المقال الذي نشره علاوي، والذي قدّمه البيت الأبيض إلى صحيفة واشنطن بوست الأمريكية سنة 2018 لتبرير انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي ذكر أن حكومة روحاني قد زادت من الإنفاق العسكري وفقا لما أوردته مصادر حكومية إيرانية شبه رسمية.
واختتم هذا المقال بخطاب بلاغي يتوافق مع أسلوب علاوي، مشيدا بجهود إدارة ترامب لإنهاء سياسات "التهدئة" تجاه إيران ومعاقبة أوروبا "لوقوفها إلى جانب نظام الملا الوحشي الذي يتعارض مع إرادة الشعب الإيراني".
في الواقع، يبدو أن ممارسة الضغط على الخطاب السياسي في الولايات المتحدة بدلا من إيران هو جزء من الاستراتيجية التي تتبعها حركة مجاهدي خلق.
وفضلا عن الاستراتيجية المتبعة على مواقع التواصل الاجتماعي والمقالات التي تنشرها بشكل دوري، تنخرط هذه المنظمة في حملات إعلامية تنطوي على العديد من المخاطر.
ففي سنة 2002، ساعدت هذه المنظمة في الكشف عن وجود منشأة نووية إيرانية سرية بالقرب من مدينة نطنز.
ولكن وفقا لخبراء في مجال مراقبة الأسلحة، فقد كانت المعلومات المهمة التي كشفتها غير صحيحة. فضلا عن ذلك، أشار تقرير نُشر سنة 2006 في مجلة نيويوركر إلى احتمال أن تكون المخابرات الإسرائيلية قد أبلغت المنظمة بهذه المعلومات، مما يثير الشكوك حول إدارتها لشبكة تجسس قوية داخل إيران.
وأورد الموقع أن حركة مجاهدي خلق نجحت في التأثير على النقاش الدائر حول سياسة إيران على مواقع الإنترنت من خلال نشاطها المكثّف على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بالإمكان لعشرات مؤيدي هذه المنظمة استخدام موقع تويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي لإبداء رأيهم حول كل من الحركة والسياسة الإيرانية.
وفي سياق متصل، درس الخبير في التلاعب بمواقع التواصل الإجتماعي، جيف غولبرغ، حساب علاوي على موقع تويتر.
ويبدو أنه وقع الترويج لهذا الحساب من خلال استخدام حسابات أخرى مؤيدة لحركة مجاهدي خلق، إلى جانب مجموعة من الداعمين لسياسة المواجهة التي تتبعها المنظمة تجاه إيران.
ونوّه الموقع بأن هناك العديد من الأدلة الدامغة التي تشير إلى أن علاوي هي شخصية وهمية ومبتكرة، لا سيما في ظل الاستخدام الشائع للهويات المزيفة لإجراء حملات دعاية سياسية خلال السنوات الأخيرة.
ولعلّ أفضل مثال على ذلك، الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016 التي سجّلت استخدام عدد كبير من بوتات الانترنت والحسابات المزيفة لنشر المعلومات الخاطئة وإثارة مشاعر الريبة بين صفوف الناخبين.
وأضاف الموقع أن تحقيقا أجرته" بي بي سي نيوز" كشف عن وجود حساب آخر على موقع التويتر يحمل اسم "سارة عبد الله"، يُرجّح أنها شخصية وهمية.
وتجدر الإشارة إلى أنها تعارض مواقف علاوي، فهي من أشد المؤيدين لحكومة بشار الأسد، الحليف الإيراني المقرب.
وعلى الرغم من أن تحقيق "بي بي سي" أثار مخاوف جدية بشأن تأثير الحسابات الإلكترونية الغامضة التي يتابعها مئات الصحفيين الحقيقيين، إلا أنه لم ينجح في تحديد ما إذا كانت هذه الشخصية وهمية وتديرها إحدى المنظمات.
وعلى الرغم من نفوذها، لم تتمكن عبد الله من تحقيق نجاح علاوي، الذي نُشرت مقالاته في وسائل إعلام أمريكية ووصل صداها إلى البيت الأبيض.