ليس هناك أكثر بؤساً من اتهام زياد العليمي ورفافه بأنهم إخوان، سوى بيان ما يسمي "الحركة المدنية الديمقراطية" الذي يؤكد أنهم ليسوا من الإخوان!
فالاتهام بلغ حداً من الهزل؛ لا يجوز معه التعامل بجدية وينبغي تحويله إلى مادة خام للفكاهة، يتحول على إثره النظام الحاكم إلى أضحوكة في العالم، ليس افتعالاً ولكن بما خطت يداه، وبما وجّه من اتهام مسخرة، فالجنين في بطن أمه يعلم أن أعضاء حركة "الأمل" هم من اليساريين، الذين لم يكونوا يوماً من الإخوان، ولم يتحالفوا في أي مرحلة معهم!
وإذا صح ما نقلته زميلتنا "إكرام يوسف"، نقلاً عن دفاع ابنها "زياد"، فإنه يكون كاشفاً عن أن جهات التحقيق قد استشعرت حرجاً من القضية، لهذا فلم تتعرض لما نشر في الصحف عن وجود شركات قدرت بـ19 شركة، وأموال تقدر بربع مليار جنيها، جمعت بين الحركة والجماعة. فبحسب "إكرام يوسف"، اكتفت هذه الجهات بتوجيه الاتهام لابنها ورفاقه بـ"مشاركة جماعة إرهابية بتحقيق أهدافها"، فلما سأل عن اسم الجماعة وعن أهدافها، وشكل المشاركة في تحقيق هذه الأهداف، لم يتلق رداً!
يكون من العبث أن تصدر ما يسمى بـ"الحركة المدنية الديمقراطية"؛ بياناً يجتهد في الحصول على براءة المتهمين من الانضمام لجماعة الإخوان، ومن ثم تذهب بعيداً حد الشطط، في تأكيد البراءة العامة لهم تميزاً عن الإخوان
جزء من النظام:
والحال كذلك، فإنه يكون من العبث أن تصدر ما يسمى بـ"الحركة المدنية الديمقراطية"؛ بياناً يجتهد في الحصول على براءة المتهمين من الانضمام لجماعة الإخوان، ومن ثم تذهب بعيداً حد الشطط، في تأكيد البراءة العامة لهم تميزاً عن الإخوان، الذين هم يحاربون الدولة ويعملون على إسقاطها، في حين أنهم جزء من النظام ويعملون على استقراره، وهي ذات مهمة الحاج أحمد الصباحي عوض الله رئيس حزب الأمة، في زمن مبارك، رحم الله الجميع!
فالأحزاب الرسمية كان قد أعجبها أنها جزء من النظام، الذي تم اختزاله ليكون هو شخص الحاكم، ولا يجوز لحركة تدعي وصلاً بثورة يناير، أن تعتبر نفسها جزءاً من انقلاب عسكري، وإذ تمت خديعتهم فخرجوا في 30 حزيران/ يونيو يمثلون غطاء مدنيا للانقلاب، فلا يجوز لعاقل رشيد أن يستمر في خديعة نفسه، حد تصوره أنه جزء منه، وحد اعتقاده أن هذا النظام لا يعرف حقاً أن زياد العليمي وهشام فؤاد ورفاقهما ليسوا فعلا من الإخوان!
إننا أمام دفاع متهافت في مواجهة اتهام غير منظور، دفع بالقوم إلى حد تجاوز الموقع الذي يريدونه كجزء من النظام إلى وظيفة المخبر الذي يقوم بالإبلاغ في الآخرين، وبالإعلان عن أن الإخوان يعملون على قلب النظام، ثم يتصورن أن هذا الدفع سيمكنهم من البراءة!
مفهوم الديمقراطية:
فكيف لحركة تنتحل صفتين: "المدنية" و"الديمقراطية"، تلحق نفسها بالحكم العسكري العضوض، الذي وأد الديمقراطية في مهدها، وجعل من الدولة
المصرية مجرد معسكر كبير، تديره القوات المسلحة، ويحكمه جنرال بقوة السلاح، اللهم إلا إذا كانت هي مجرد أسماء سميتموها، مثل مسمى الحزب الحاكم الذي أنشأه السادات واستمر إلى عهد مبارك، إلى أن تم حله في بداية الثورة، حيث كان اسمه "الحزب الوطني الديمقراطي"، على نحو يلزم بإعادة تعريف مفهوم الديمقراطية بالنظرة إلى الواقع، الذي جعل من أحزاب الأقلية أن تنتحل صفة الديمقراطية بعد انتحالها صفة "المدنية"، ومع ذلك هي تؤيد الحكم العسكري، وترى أنها ضد الإخوان؛ لأنهم ضد هذا الحكم، فمن الأجدر بتمثيل الدولة المدنية؟!
دفاع متهافت في مواجهة اتهام غير منظور، دفع بالقوم إلى حد تجاوز الموقع الذي يريدونه كجزء من النظام إلى وظيفة المخبر الذي يقوم بالإبلاغ في الآخرين، وبالإعلان عن أن الإخوان يعملون على قلب النظام
لقد دعت قوى الفشل السياسي للخروج على الحكم المنتخب، والعمل على إسقاطه، لأنه يعمل على تأسيس الدولة المدنية، وإن كانت لا تُرى بالعين المجردة، أخذاً بالأحوط، لكنها سلمت الحكم بغباء منقطع النظير للسلطة العسكرية، وسلمت الثورة للثورة المضادة، ثم تأتي لتقدم هذا الدفاع الخائب في قضية غير موجودة!
من الغباء أن تظل ما يسمى بـ"الحركة المدنية الديمقراطية"؛ ترى أن مشكلة النظام العسكري هي في الإخوان وحدهم، رغم أن يده امتدت لتلقي القبض على الفريق سامي عنان، والسفير معصوم مرزوق، والدكتور جمال عبد الفتاح، والمستشار هشام جنينة، والمهندس يحيي حسين عبد الهادي، وغيرهم.. ومن علاء عبد الفتاح إلى أحمد دومة، مع أنهم ليسوا من الإخوان؛ لأن الحكم العسكري حدد خصومه، وهم كل من شارك في ثورة يناير، في حين أن قوى الكفاح الفاشل لا تزال عند لحظة 3 تموز/ يوليو 2013، تظن أن مشكلة عبد الفتاح السيسي هي في الإخوان وحدهم، لذا كان هذا الدفع الذي لا يقوم به محام مبتدئ!
من الغباء أن تظل ما يسمى بـ"الحركة المدنية الديمقراطية"؛ ترى أن مشكلة النظام العسكري هي في الإخوان وحدهم
ولا تعلم ما يسمى بالقوى المدنية أن الحكم العسكري، وقد فرغ من الإخوان، أو كاد، فقد التفت إليهم، بما يمثلونه من خطر عليه، ولو من باب تجفيف المنابع، فهو يدرك أن أهداف حركة الأمل هي خوض الانتخابات البرلمانية القادمة، على ذات قواعده التي وضعها، لكنه لن يسمح بهذا أبداً، فهو لا يقف فقط في مواجهة من يريدون إسقاطه بالثورة، ولكن من يريدون الإصلاح من الداخل، وعن طريق صندوق الانتخابات ضعف الطالب والمطلوب!
اللعب على أرض النظام:
وفي ظل وقف الحراك الجماهيري، فإن تخوفه أكثر بالتخطيط لخوض الانتخابات من ثورة محتملة، يرى أنه يملك القدرة على منعها، فتعد أزمته هي مع الذين يريدون ملاعبته على أرضه، وإن كان قد وصفهم بأنهم إخوان، فليس جاداً في الوصف، ولكنه يمارس الابتذال لا أكثر، فلا يجوز تصديقه والاستغراق في التأكيد على أنهم ليسوا إخوانا، فها هو يوجه الاتهام مبتوراً للمتهمين ونصه: "مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها"، فمن قال لكم إنه يقصد الإخوان؟ وحسناً أن "زياد العليمي" ليس غبياً مثلهم، فيندفع مؤكدا أنه ليس من الإخوان، ولكنه سأل عن اسم هذه الجماعة في انتظار أن يتلقى الإجابة!
لقد تصرفت الحركة المدنية الديمقراطية على طريقة أبطال فيلم "احنا بتوع الأتوبيس" الذين ذهبوا لقسم الشرطة في مشاجرة، فوجدوا أنفسهم متهمين في قضية سياسية، وكانوا يصرخون تحت سياط الجلاد "إحنا بتوع الأتوبيس" دون جدوى.. لقد كان يعلمون أنهم "بتوع الأتوبيس"!
كل هذه الحوادث الجسام ولم ينضج القوم ويرتقوا إلى مستوى الأزمة.