هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن مدى أهمية الإصلاحات الدستورية في السودان والجزائر خلال الفترة الحالية.
وكان المسؤولون الحكوميون والعسكريون قد وعدوا المحتجين بالاستجابة لمطالب الإصلاحات الاجتماعية والتغيير السياسي.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الاحتجاجات الضخمة المستمرة منذ عدة أشهر أجبرت الرئيسين الجزائري والسوداني على التنحي، في حين يطالب مواطنو البلدين بإحداث تغيير جذري، بما في ذلك الإصلاح الدستوري.
وأوضحت الصحيفة أنه في العديد من الديمقراطيات، يقوم الدستور على تحقيق جملة من الأهداف على غرار تنظيم العلاقة بين الفرد والدولة، وإقامة قواعد تفاعل مؤسسات الدولة الرئيسية مع بعضها البعض. مع ذلك، تعمل الدساتير في المنطقة العربية بشكل مختلف، حيث ينصب تركيزها على تنظيم العلاقة بين المؤسسات.
وأكدت الصحيفة أن الدساتير العربية تكرس جل اهتمامها لقضايا من قبيل تحديد المسؤول عن تشكيل الحكومات، والظروف التي يمكن حل البرلمان فيها، والمسؤول عن مراقبة المؤسسات الأمنية. أما فيما يتعلق بالدستور الجزائري، فهو يهتم بنسبة تفوق 50 بالمئة بالإجراءات البرلمانية أكثر من اهتمامه بحقوق المواطنين.
وأضافت الصحيفة أن الإصلاح الدستوري في بلدان مثل الجزائر والسودان يمثل فرصة لتعديل العديد من هذه القوانين لتحقيق عدد من التغييرات. ويمكن أن يشمل ذلك جعل تركيز السلطة في أيدي مؤسسات محددة أمرا أصعب بكثير، أو التوصل إلى المزيد من السبل لمحاسبة من يسيئون استخدام السلطة التنفيذية.
اقرأ أيضا: صحيفة: جهود أمريكية للتوصل لاتفاق بالسودان قبل 30 يونيو
وتطرقت الصحيفة إلى محاولات الإصلاح في السودان والجزائر، حيث يجادل المراقبون بأن المحتوى الفعلي للدساتير العربية لا أهمية له نظرا لأن من في السلطة يتجاهلونها. في المقابل، تظهر الأبحاث المستفيضة أن الحكومات الإقليمية تتبع فعليا القواعد الدستورية الخاصة بالحكم. فعلى سبيل المثال، تعمل السلطات الحاكمة على تعديل المدة الرئاسية بانتظام بدلا من انتهاكها علنا.
من جهتها، تجادل قوى المعارضة السودانية والجزائرية بأن الدساتير والنظم السياسية القائمة غير صالحة، كما تساهم في زعزعة الاستقرار في كلا البلدين. وردا على ذلك، أوضحت المؤسسة العسكرية وغيرها من مؤسسات الدولة أن معارضتها لأي تغييرات كبرى تعتبر ظاهرية لأنها تخشى انعدام الاستقرار الذي تعاني منه ليبيا واليمن وغيرها بعد فشل عمليات هذه البلدان الدستورية.
وأفادت الصحيفة بأنه في الجزائر، حاول كل من رئيس أركان الجيش والمجلس الدستوري والرئيس المؤقت، الإبقاء على نظام حكمهم من خلال تنظيم انتخابات رئاسية وفقا للدستور الحالي. لكن، فشلت هذه الجهود، حيث لم يقدم أي مرشح موثوق به أوراق اعتماده إلى السلطات المختصة بحلول الموعد النهائي القانوني، ولهذا السبب، تم تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى.
اقرأ أيضا: نقابات الجزائر تقاطع بدوي وتصف حكومته بـ"اللاشرعية"
أما في السودان، فقد سعى المجلس العسكري الانتقالي إلى الحفاظ على السيطرة العسكرية على الدولة من خلال العنف. مع ذلك، اتحد المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في إدانة أفعال السلطات الحاكمة. وقد أجبر ذلك المجلس العسكري الانتقالي على السعي إلى العودة إلى طاولة المفاوضات مع منظمات المجتمع المدني الرئيسية، التي كانت تقود الاحتجاجات العامة.
وتطرقت الصحيفة إلى أهمية الإصلاحات الدستورية، حيث أن التحدي يتمثل في مواجهة كلا البلدين لمعضلة رسم مسار سيحدد مدى الإصلاحات اللازمة لنيل رضا المحتجين. في الأثناء، ينبغي للمجموعات السياسية والمدنية أن تضع خرائط طريق من أجل إصلاحات بعينها. وبغض النظر عن الخطة المُتبعة، سيكون من الجيد الاستفادة من الدروس المستخلصة من تجارب بلدان من قبيل تونس ومصر واليمن وغيرها في أعقاب ثورات 2011.
ويظل السؤال المطروح في الوقت الحالي: ما الذي ينتظر السودان والجزائر؟ في الحقيقة، يتمثل أحد الحلول في هيكلة عمليات معقدة وعلى مستويات متعددة، التي تجمع بين المفاوضات حول المبادئ والانتخابات والحوار والعناصر الأخرى التي تسمح للهيئات المنتخبة والخبراء والمجتمع المدني بالعمل على نقاط مختلفة، من خلال عملية يتم الاتفاق عليها رسميا من قبل جميع الأطراف. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تتسم العمليتان في البلدين بالبراغماتية، حتى يتسنّى للآليات التكيف مع الظروف الحالية.
وفي الختام، بينت الصحيفة أن كلا من الجزائر والسودان يكافحان من أجل تهدئة الأوضاع عبر الموازنة بين الحاجة إلى الاستقرار والإصلاح. ويبدو أن كلا البلدين على قناعة اليوم بأنه لا يمكن تحقيق أحد هذين الهدفين دون الآخر، وهو ما يدعو إلى التفاؤل، حتى وإن كان الطريق ما يزال طويلا لضمان مستقبل أفضل لكليهما.