واضح لكل من له ذرة من عقل؛ أن ما يسمى بالمعارضة
المصرية في الداخل، والتي تطلق على نفسها "الحركة
المدنية الديمقراطية"، هي أشخاص معدودين ليس لهم أي حضور في المجتمع المصري ولا يمثلون إلا أنفسهم.
فليس لديهم أزمة مع استمرار السيسي، والحكم العسكري، طالما حافظوا على مكتسباتهم الخاصة.
ومشكلتهم الأساسية مع الإسلام السياسي الرافض للحكم العسكري والوصاية الخارجية، وهو ما جعل أزمتهم مع
الإخوان، وليس السيسي، رغم أن الذي قام بتهميشهم كان السيسي وليس الإخوان.
رموز هذه المعارضة شاركت بانقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، ودعمت الحل الدموي في فض اعتصام رابعة العدوية، طمعا بأن تكون الوريث الطبيعي لكل من الحزب الوطني والإخوان المسلمين.
والمعارضة المصرية في الداخل وجدت في بيان الإخوان، ومن قبل في مبادرة الدكتور أيمن نور (الوفاق الوطني) فرصة للمزايدة السياسية، واستخدامها فرصة للمزايدة على معارضي السيسي، وفي الوقت نفسه استخدامها فرصة للتقرب من السيسي، والظهور أمامه في دور الشرفاء الذين يرفضون طعنه من الخلف.
هذه المعارضة عارية تماما من أي شرف، وليس أدل على ذلك من موقفها من فض اعتصام رابعة العدوية، ثم الإعدامات التي جرت ضد معارضي السيسي أو التصفيات الجسدية، ثم موقفها من تزوير الانتخابات أو تقليص فرص المشاركة السياسية، أو اعتقال عدد من رموز المعارضة.
كل ذلك يمثل قضايا هامشية وليست أساسية بالنسبة لهؤلاء.
وكما أنها عارية من أي شرف، فهي كذلك عارية من أي دعم شعبي.
ثم إن تركيبة ما يسمى بالمعارضة في الداخل الآن، تجعلها أضعف من أن تقود الشارع المصري، في أي حراك جماهيري، بعد أن أصبحت عارية تماما؛ نتيجة سقوط غطاء الحشد الشعبي الذي كانت تقوم به جماعة الإخوان المسلمين، وهو الغطاء الذي صنع رمزية عدد كبير منهم خلال السنوات التي سبقت ثورة 25 يناير 2011.
فمكونات جبهة الإنقاذ التي قادت المعارضة خلال حكم الرئيس محمد مرسي، تحولت الآن لأحزاب على الورق، ثم شكلت ما تسمى بالحركة "المدنية الديمقراطية" والتي تضم ثمانية أحزاب كارتونية كاريكاتورية (الإصلاح والتنمية، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والدستور، والعدل، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، وتيار الكرامة، ومصر الحرية). إنها أحزاب ليس لها تمثيل في البرلمان أو حتى في الشارع.
باختصار شديد، فإن كاريكاتور المعارضة اليسارية والناصرية والعلمانية في مصر، ترى أن نار السيسي أفضل لها من جنة الإخوان، أو الإسلام السياسي؛ لأنها في الأساس معارضة خرجت من رحم الحكم العسكري المصري.
ولذلك يظنون أنهم الورثة الطبيعيون للإخوان، سواء في الحكم أو الشارع، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي سفينتهم الهشة، حيث رفضهم النظام العسكري نفسه، كما رفضهم الشعب أيضا.
المعارضة العلمانية واليسارية التي تتصدر المشهد الداخلي في مصر، لا جدوي منها؛ لأن مفهوم الدولة المدنية لديها هي الدولة ذات المرجعية الغربية المستوردة داخل حدود سايكس بيكو وتحت وصاية العسكر، في إطار ثلاثية "الفساد والاستبداد والتبعية".
وليست الدولة ذات هوية الأغلبية المجتمعية الإسلامية، والتي تتمتع بنظام سياسي نابع من هوية وثقافة المجتمع وبتوافق الأغلبية المجتمعية، ويحقق للدولة سيادتها وقدرتها على الرعاية والحماية.
السؤال الأهم هنا: كيف لحركة تنتحل صفتين: "المدنية" و"الديمقراطية"، أن تلحق نفسها بالحكم العسكري، بل ترى نفسها جزءا منه؟
هذا الحكم الذي وأد الديمقراطية في مهدها، وجعل من الدولة المصرية شبه دولة، ومجرد معسكر أو سجن كبير، تديره عصابات السيسي المسلحة، ويحكمه جنرال صهيوني بقوة السلاح.
إذن.. تسمية الحركة المدنية الديمقراطية بهذا الاسم كتسمية حزب مبارك بـ"الحرب الوطني الديمقراطي".
"ديمقراطية": الأحزاب الأقلية التي ترفض الأغلبية وتتآمر عليها، و"المدنية": التي تؤيد الحكم العسكري، وترى أنها ضد الإخوان؛ والإسلام السياسي الذي اختارته شعوب الربيع العربي ممثلا لها.
فمن الأحق بتمثيل الدولة المدنية؟! الأغلبية أم الأقلية؟
لذلك، فإن هذه القوى السياسي الفاشلة والفاشستية قد دعت للخروج على الحكم المدني المنتخب، وعملت على إسقاطه؛ لأنه يعمل على تأسيس الدولة المدنية. وسلمت الحكم المدني للسلطة العسكرية، وسلمت الثورة للثورة المضادة.
ما يسمى بـ"الحركة المدنية الديمقراطية"، تظن أن مشكلة النظام العسكري هي مع الإخوان وحدهم، وهذا غباء سياسي ليس له مثيل، فلا يرون أن الجميع يُتَخطف من حولهم إخوان أو غير إخوان.
فالحكم العسكري حدد خصومه، وهم كل من شارك في ثورة يناير. فهو لا يقف فقط في مواجهة من يريدون إسقاطه بالثورة، ولكن من يريدون الإصلاح من الداخل.
وبناء عليه، وبما أن الحوار له أهداف؛ منها تبادل الأفكار أو تعميق المفاهيم أو نقل التجارب والتراث، وهؤلاء لا فهم ولا فكر ولا تراث ولا تجربة، بل إنهم يعانون أصلا من مرض في التفكير وضعف في المفاهيم وسوء في التصرف، فلا جدوى من حوار محكوم عليه بالفشل مع عملاء العسكر.