هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما شهدناه خلال الأيام السابقة من تجلي الروح الوطنية الجزائرية يكشف عن أهم ثروة في البلاد وهي عماد أي مشروع مستقبلي للنهضة؛ إنها الروح الوطنية الغيورة.. ففي اللحظة المناسبة تناسى كل الناس خصوصياتهم السياسية والفكرية والحزبية والجهوية وهتفوا جميعا “تحيا الجزائر” واختلطت الدموع بالضحكات والقلوب بالعقول لتقر حقيقة واحدة: أن الجزائر فوق الجميع والانحياز لها قبل أي انحياز..
أجل، إنَّ ما شهدناه لم يكن من باب التشجيع الرياضي والتمتع بمتابعة مباراة كرة قدم، إنما كان بكل وضوح تعبيرا قويا عن وطنية مجيدة تمتد بلا تردد إلى تلك التي حرّكت شهداء الجزائر لتفجير الثورة والمسير بشعلتها حتى النصر على الحلف الأطلسي وطرد الاستعمار الفرنسي.. وهذه الوطنية وعيٌ سياسي وموقف يقظ يضع خطا أحمر أمام الطامعين الاستعماريين كما ينبه أهل البلاد إلى أن الجامع لهم أقوى من كل عوامل التخريب الداخلي.
ويأتي هذا الانتصار المعنوي الكبير للروح الوطنية المجيدة في مرحلة تنفض الجزائر عنها كل دواعي الإرباك والفوضى ليشرق وجهُها من جديد بكل يقينها وقوتها لتكون كما هو قدرها دوما قاطرة النهضة والتحرير والمقاومة في بلاد العرب والإسلام والعالم أجمع.. من هنا تتجلى قيمة الانتصار؛ إنه انتصارٌ للروح الوطنية اليقظة التي يجب أن يُبنى عليها بمشاريع حقيقية ثقافية وسياسية وتنموية.
ولأنها ليست لعبة كرة قدم عادية، كانت أيام المباريات تضجّ بالمعاني السياسية الكبيرة لشعبٍ لديه من الحساسية السياسية والشفافية ما يجعله بالسليقة قادرا على التمييز بين الظالم والمظلوم والانحياز كاملا إلى جانب المظلوم “المحقور” لتعطي الجزائر دوما مواقفها الإنسانية النبيلة في الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب المظلومة فكانت فلسطين بكل جلالها وجمالها على ألسنة الجزائريين أينما كانوا في ساحات الملاعب في مصر أو في ميادين باريس وشوارعها أو في البلاد الحرة الجزائر العزيزة.
أجل، إن السياسي والمثقف والمفكر مدعوٌّ للوقوف أمام هذه الظاهرة المتميزة ليؤسس عليها منظومته ورؤيته وخطته، فهنا في الجزائر الأمر مختلف تماما عنه في أي مكان آخر.. إنه هنا تعبيرٌ عن كل الموروث الثقافي والنضالي والوطني جملة.. وأي محاولة للتقليل من هذه المعاني تفضي بنا إلى اللهو واللعب فاقدين قاعدة انطلاقنا نحو الإصلاح والبناء والنهضة وتحرير اقتصادنا وسياستنا وثقافتنا من كل محاولات الاختراق أو الإرباك..
إن الجزائر جديرةٌ بالانتصار ومؤهَّلة للنهضة ولتكون هي قاطرة الأمة في تشييد مجد لابد من أن يعود للإسهام بحق في رِفعة الإنسانية ونصرة المظلوم.. هذا هو قدر الجزائر وهذا ما تنتخبه لها الجغرافيا والتاريخ والإنسان والرسالة.. وما النصر إلا من عند الله.
عن صحيفة الشروق الجزائرية