لم تتأخر عملية الاستمزاج لتبادل السفراء بين عمّان والدوحة؛ إذ لم يمض أسبوع على عملية الاستمزاج لتصدر الإرادة الملكية في الأردن بتعيين زيد اللوزي، أمين عام وزارة الخارجية الأردنية، سفيرا لدى دولة
قطر برتبة وزير مفوض (الدرجة الأرفع في السلك الدبلوماسي)، عالية التمثيل والتوصيل.
لن يمضي في المقابل الكثير من الوقت لنشهد استلام الملك عبد الله الثاني أوراق اعتماد السفير القطري المرشح، الشيخ سعود آل ثاني، في العاصمة عمّان، لينهي الفصل الأكثر اضطرابا في
العلاقات الأردنية القطرية، الذي امتد عامين من عمر الأزمة الخليجية المترتبة على حصار قطر؛ الذي أعلنته دول الرباعية (السعودية والإمارات العربية والبحرين ومصر)، وأفضى إلى تخفيض الأردن لمستوى التمثيل الدبلوماسي لقطر استجابة للضغوط الخليجية.
عودة السفراء تمثل بذلك نهاية لفصل مضطرب، وبداية لفصل جديد في العلاقات القطرية الأردنية واعدة جد؛ إذ من المتوقع أن يطلق العنان لمرحلة جديدة من العلاقات؛ تتضمن تعاونا على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية. فاستعادة العلاقات جاء بعد انتفاء كل المبررات والعوائق الممكنة لاستمرار القطيعة
الدبلوماسية، والمحاذير السياسية والاقتصادية.
فإصدار الإرادة الملكية جاء بعد زيارة تميم آل ثاني، أمير قطر للولايات المتحدة الأمريكية في 8 تموز/ يوليو الحالي بدعوة من مارك إيسبر، وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة لحشد "الدول متقاربة الأفكار" جهودها، بحسب قول الوزير و"بما يخدم منع الاستفزازات في الخليج".
وتضمنت الزيارة لقاءات مع عدد من المسؤولين الأمريكان، على رأسهم الرئيس دونالد ترمب؛ الذي عبّر عن سعادته بتوسيع قاعدة "العديد الجوية" في قطر، وعقد صفقات بأكثر من 180 مليار دولار؛ تشغل عشرات الآلاف من الأمريكان، غير أن اللقاء الأبرز والأكثر أهمية لقاء وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين الذي أقام مأدبة كبيرة على شرف الأمير، في متحف المال والعملات في وزارة الخزانة الأمريكية؛ التي تعد من أهم الوزارات في الولايات المتحدة الأمريكية. إذ تراقب النشاطات المالية للدول والجماعات، وتتحمل مسؤولية مراقبة وتطبيق العقوبات الأمريكية في كل أنحاء العالم.
احتفاء منوشين، له معنى ومغزى كبير. فقطر التي اتهمها خصومها من دول الحصار بأنها داعمة للإرهاب ومصدر للاضطراب في منطقة الخليج العربي؛ لم تعد متهمة، ويحتفى بأميرها في وزارة الخزانة الأمريكية، ما يفند التهم والمبررات كافة المرتبطة بالحصار والعوائق التي تحول دون رفعه عن الدوحة، بل ويشيد بدورها بطريقة غير مباشرة في العديد من الملفات.
فالخطوة الأردنية لم تكن قفزة في الهواء، بل جاءت نتاج تحولات ومؤشرات مهمة على الصعيد الإقليمي والدولي. فالدور القطري تكرس في كل من قطاع غزة والضفة الغربية التي تربط الأردن بها
مصالح حيوية، خصوصا أن الدور القطري لا يتعارض مع المصالح الأردنية ولا ينافسها على الولاية على المقدسات أو الدور السياسي، بل إن قطر تسهم في تعزيز الدور الأردني من خلال تدعيم الاستقرار بتثبيت الهدن وتخفيف المعاناة في الضفة والقطاع. إذ أسهمت مؤخرا في رفد خزينة السلطة الفلسطينية في رام الله بأكثر من 250 مليون دولار، فضلا عن أدائها دور الوسيط إلى جانب مصر لحل مشكلة أموال المقاصة مع الكيان الإسرائيلي، وتقديمها للأموال لقطاع غزة؛ ما يمنع من انهيارات خطيرة وشاملة.
الجهود القطرية باتت محط اهتمام الولايات المتحدة ووزير الدفاع الأمريكي المرشح (اسبر)، فهي مدعمة للاستقرار، وهي أيضا جهود مقبولة أردنيا، وتزداد فاعلية من خلال التعاون مع المملكة الأردنية. فقطر توفر موارد اقتصادية تسمح بإدارة واحد من أخطر وأكثر الملفات حيوية بالنسبة للأردن، في ظل توقف الدعم العربي التقليدي الذي ربطه الكثيرون بضغوط على المملكة الأردنية؛ تمارسها بعض الجهات العربية لانتزاع أدوار تقليدية من المملكة تأخذ بعدا سياسيا ودينيا. فالتعاون الأردني القطري سيوفر لعمّان موارد اقتصادية يفتقدها، ويوفر في المقابل موارد سياسية تزيد من فاعلية الدور القطري في إطار من التعاون لا التصارع.
آفاق كبيرة متوقعة للعلاقات القطرية الأردنية المتجددة تحقق مصالح مشتركة ومتبادلة للبلدين، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية، بل في العديد من الملفات السياسية الساخنة في الإقليم؛ يسعى الأردن إلى تبريدها؛ كملف العلاقة مع العراق وإيران وملف العلاقة مع تركيا. فالأردن معني بالمردود الاقتصادي لموارد سياسية متولدة عن تطوير العلاقة مع العراق وتركيا، خصوصا بعد توقيع اتفاقات تجارية مع بغداد مؤخرا؛ أو استقبال تجار ورجال أعمال أتراك يوم الأربعاء 17 تموز/ يوليو في مقر رئاسة الوزراء الأردنية اتخذ طابع الاحتفاء، كاشفا عن بوصلة اقتصادية وسياسية أردنية جديدة؛ تتعاظم وتزداد فاعلية من خلال التعاون مع الشريك القطري.
ختاما، رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مؤشر قوي على طبيعة العلاقة المتطورة في المستقبل القريب، التي سيكون لها تداعيات مباشرة على الاقتصاد الأردني الذي ينتظر فتح السوق القطري للعمال والمنتجات الأردنية؛ لتضاف إلى منافع سياسية وإقليمية متبادلة بين البلدين في إطار من التعاون لا التنافس، والأهم منحه مظلة سياسية وأمنية واسعة تشمل القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، متجاوزة بذلك عقدة الحصار والتحفظات الخليجية لكل من الرياض وأبو ظبي والقاهرة والمنامة.