هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إعلان وزارة الخارجية الإسرائيلية عن زيارة عدد من الصحفيين العرب من السعودية والإمارات والعراق والأردن يأتي في سياق محاولات إسرائيل المتكررة اختراق جدار الرفض العربي للاحتلال الإسرائيلي.
فالمسألة برمتها تتجاوز الحاجة لاطلاع عدد من الصحفيين العرب على المؤسسات الإسرائيلية ومتحف الهولوكوست وتأتي كانحياز للمقاربة الإسرائيلية التي تصر على أن يقوم الجانب العربي بالتطبيع الكامل مع إسرائيل.
الجانب العربي الرسمي ربط التطبيع بانسحاب إسرائيل إلى خطوط الرابع من حزيران، وقد أجمعت الدول العربية على هذا الموقف في مبادرة السلام العربية للعام 2002. طبعا، لم يكتف شارون برده الرافض للخطة برمتها، بل قام باجتياح أجزاء كبيرة من أراضي الضفة الغربية فيما عرف إسرائيليا بعملية السور الواقي.
المتابع للجدل العام في إسرائيل يلاحظ أن أحد أهم النقاط المثارة هو الثمن الذي يمكن أن يدفعه الإسرائيليون لقاء تعنتهم ورفضهم لأي عملية سلام، والجواب عادة ما يكون أن إسرائيل لا تدفع ثمنا، وعلى العكس من ذلك يمكن اعتبار وصول ستة إعلاميين من دول عربية مكافأة لإسرائيل وسياستها التوسعية.
المفارقة أن هناك من بين الزوار العرب لإسرائيل من لا ترتبط دولهم بعلاقات رسمية مع إسرائيل. فمثلا، هناك سعودي تم الكشف عن اسمه وهذا يتناقض كليا مع المبادرة العربية للسلام التي جاءت استجابة لتوجه سعودي قاده ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز.
والحق أن التوجه السعودي آنذاك لم يكن حقيقيا وانما جاء في سياق محاولة السعودية تحسين صورتها التي عانت بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وبالفعل، لم تقم السعودية بأي خطوة دبلوماسية للترويج لمبادرة السلام العربية.
خطوة التطبيع هذه خطرة، فهي تسجل سابقة إضافية يمكن لإسرائيل الاستفادة منها، فيمكن لليمين الإسرائيلي (الذي لا يقيم وزنا لعملية السلام والذي لا ينوي التعاطي جديّا مع أي مبادرة سلام) أن يوظف هذه الزيارة كإثبات على مواقفه التاريخية الرافضة لأي انسحاب من أراضي الفلسطينيين حتى في سياق معاهدة سلام كاملة.
التطبيع المجاني سيغضب الفلسطينيين لكنه لن ينتقص من عدالة قضيتهم ولا مشروعية وشرعية مطالبهم بتقرير مصيرهم، فعدالة قضية فلسطين لا تقررها نخب
وبطبيعة الحال ستفسر القوى اليمينية هذه الزيارة على أنها تعبير عن موقف رسمي لعدد من الدول العربية، فلا يعقل أن يأتي ناشط إعلامي سعودي يدرس في جامعة سعودية إلى إسرائيل دون أن يحصل على إذن من السلطات السعودية، فهذا الناشط الإعلامي لم يكتف بالزيارة بل منح إذاعة إسرائيلية مقابلة عبر من خلالها عن شغفه وحبه لإسرائيل التي تشبهه وفقا لما قال.
مرة أخرى، ستمنح هذه الزيارة ذخيرة إضافية لقوى الاحتلال والاستيطان في صراعها السياسي مع القوى الأخرى على اعتبار أن الزيارة تثبت بأن بإمكان إسرائيل الاستمرار في سياسة قضم الأرض وبناء المستوطنات دون أن يكون هناك ثمن لقاء ذلك.
والمتابع للجدل العام في إسرائيل يلاحظ أن أحد أهم النقاط المثارة هو الثمن الذي يمكن أن يدفعه الإسرائيليون لقاء تعنتهم ورفضهم لأي عملية سلام، والجواب عادة ما يكون أن إسرائيل لا تدفع ثمنا، وعلى العكس من ذلك يمكن اعتبار وصول ستة إعلاميين من دول عربية مكافأة لإسرائيل وسياستها التوسعية.
لا أعرف فيما إذا كان هؤلاء الإعلاميون سيكتبون عن هذه التجربة، ولو كتبوا عن الهولوكوست فإنهم لن يضيفوا شيئا لما يعرفه بقية العرب ولن يمنح شرعية للاحتلال الإسرائيلي، فالهولوكوست والاضطهاد الذي عاني منه اليهود في أوروبا ومظاهر معاداة السامية كلها نتاج الحضارة الغربية لا علاقة للعرب بها.
فالقارئ العربي لا يشعر بعقدة الذنب تجاه اليهود كما هو الحال مع بعض الأوروبيين، فاليهود عاشوا مع العرب والمسلمين بسلام كما يذهب إلى ذلك الكاتب الإسرائيلي نسيم رجوان في كتاب باللغة الإنجليزية يتناول فيه مكان إسرائيل في الشرق الأوسط.
باختصار، هذا التطبيع المجاني سيغضب الفلسطينيين لكنه لن ينتقص من عدالة قضيتهم ولا مشروعية وشرعية مطالبهم بتقرير مصيرهم، فعدالة قضية فلسطين لا تقررها نخب تسعى بشكل بائس للتحالف مع نتنياهو لعل الأخير يدافع عنها في معاركها الدونكيشوتية.