هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شهد عدد من المؤشرات الاقتصادية العالمية خلال الأسبوعين الماضيين تراجعا ملحوظا، الأمر الذي جعل صحفا عالمية تتوقع حدوث أزمة اقتصادية مشابهة لتلك التي ضربت الأسواق المالية في العام 2008م.
ومن بين أهم المؤشرات التي شهدت انخفاضا حادا تلك المتعلقة بسندات الخزانة الأمريكية، حيث انخفضت السندات لأجل عشرة أعوام إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات.
وأوضحت تقارير صحفية أن العائد على سندات الخزانة الأمريكية القياسية لأجل عشرة أعوام سجل أدنى مستوى في ثلاث سنوات عند 1.475 بالمئة، غير بعيد عن مستواه القياسي المنخفض البالغ 1.321 بالمئة الذي لامسه في أوائل يوليو/ تموز 2016.
كما هبط العائد على سندات الخزانة لأجل 30 عاما إلى مستوى قياسي منخفض عند 1.916 بالمئة. وتراجع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين إلى 1.467 بالمئة وهو أدنى مستوى في حوالي عامين.
ولفتت تقارير اقتصادية إلى أن "هذا الانقلاب في منحنى عائد سندات الخزانة الأمريكية حدث لآخر مرة في ديسمبر 2007، أي قبل وقوع الانهيار الاقتصادي عام 2008 بـ 12 شهرا".
وفي ذات السياق خفض صندوق النقد الدولي، نهاية تموز/يوليو الماضي توقعاته للنمو الاقتصاد العالمي لعامي 2019 و2020، مدفوعا بتخوفات تباطؤ اقتصادي عالمي، والتعريفات الجمركية المفروضة على سلع صينية من جانب الولايات المتحدة.
وقال الصندوق في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، إن النمو في 2019 سيتراجع بـ 0.1 بالمئة مقارنة مع توقعات نيسان/ أبريل الماضي، إلى 3.2 بالمئة، كما خفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي في 2020، بنسبة 0.1 بالمئة ، إلى 3.5 بالمئة.
وأمام هذه المعطيات ناقشت "عربي21" المخاوف الاقتصادية مع عدد من المختصين، وتناولت المؤشرات المصاحبة لهذه الأزمة، وأسباب هذا التباطؤ في الاقتصاد العالمي، ومدى تأثر اقتصادات دول المنطقة العربية بحدوثها.
اقرأ أيضا: ترامب يستبعد دخول بلاده في ركود اقتصادي
مؤشرات الأزمة
ويرى المدير التنفيذي في الشرق الأوسط لمركز آي سي إم المختص بتقديم الخدمات المالية، الحسن بكر أن أهم هذه المؤشرات، "وجود حالة نادرة تحدث في أسواق السندات، تمثلت في انعكاس منحى العائد على السندات، وهو ما يمثل الفرق بين العائد على السندات طويلة الأجل وقصيرة الأجل".
وأكد الخبير الاقتصادي في حديثه لـ"عربي21" أن سندات الخزينة الأمريكية "شهدت في حالة نادرة الحدوث ارتفاع العائد على السندات قصيرة الأجل بحيث أصبح أعلى من العائد على السندات طويلة الأجل، وهو عكس المعتاد، وما يطلق عليه "انعكاس منحنى العائد".
وأشار إلى أن "هذه الحالة حدثت لأربع مرات خلال التاريخ الاقتصادي الحديث، وتلاها دخول حالة من الركود كان آخرها في الأزمة العالمية الأخيرة.
وأضاف: "هذا المؤشر يدل على بحث المستثمرين عن الاستثمار الآمن والتخلي عن المخاطر، ويعكس نظرتهم السلبية للمستقبل" وكنتيجة لذلك يتجه المستثمرون للحصول على سندات المدى الطويل، والتي تعد أكثر أمانا بغض النظر عن عائدها القليل".
من جهته، يشير الباحث الاقتصادي محمد أبوعليان إلى وجود "تباطؤ في النمو لعدد من الدول الاقتصادية الكبيرة كأمريكا والصين وألمانيا"، وقال: "تباطأ النمو الاقتصادي في أمريكا إلى 2.1% في الربع الثاني من العام الحالي 2019، بعدما كان معدل النمو في الربع السابق له 3.1%".
وأكمل أبو عليان حديثه لـ"عربي21": "نمو الاقتصاد الصيني تباطأ في الربع الثاني لعام 2019 إلى 6.2% على أساس سنوي، مسجلا أدنى مستوياته في 27 عاما، بعدما كان في الربع الأول 6.4%".
وأفاد أن "دول منطقة اليورو شهدت تباطؤا في النمو كذلك، مستشهدا بالتراجع الذي أصاب النمو في الاقتصاد الألماني خلال الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 0.1 بالمائة عن نسبة النمو في الربع الأول".
وعلى غرار التباطؤ في الاقتصاديات الأوروبية تراجعت صادرات اليابان للشهر الثامن على التوالي بنسبة 1.6% على أساس سنوي بينما تراجعت الواردات 1.2%.
بدوره، يلفت الأكاديمي الاقتصادي جواد البكري إلى أن "أخطر مؤشرات الأزمة الاقتصادية هو تجاوز الدين الأمريكي العام حد الخطر للدين وهو 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مشير إلى أن "الدين الأمريكي تجاوز أكثر من 100 في المئة من ناتجها المحلي، ليقارب منطقة ال107 في المئة".
ونبه إلى وجود ارتفاع في أسعار الأسهم الأمريكية، قائلا: "هذه الفقاعة معرضة للانفجار بما يسبب أزمة اقتصادية في العالم".
اقرأ أيضا: صحيفة: هل العالم مقبل على كساد اقتصادي كبير؟
أسباب الأزمة
وحول أسباب التباطؤ الاقتصادي عالميا يقول الخبير الحسن بكر إن "أحد الأسباب الرئيسية لأي أزمة اقتصادية قادمة هو الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض جمارك على البضائع الصينية، والتي دخل جزء منها قيد التنفيذ وجزء آخر تم تأجيل تنفيذه إلى شهر كانون أول/ديسمبر القادم"، بما جعل العالم "أمام حرب تجارية بين أكبر اقتصاديين في العالم، كلاهما يؤثر على باقي اقتصادات العالم".
وتابع: "تحدثت النظريات الاقتصادية على أهمية السوق الحر الذي تتحرك فيه البضائع دون قيود، وكان هناك العديد من الاتفاقيات التي شجعت على وجود أسواق حرة"، مشيرا إلى أن "هذا النمط من الحرية في الأسواق بدأ بالتراجع في الفترة الأخيرة في ظل توجهات ترامب بفرض الجمارك على الصين، وفي ظل التفسخ الحادث في الاتحاد الأوروبي، وتوقعات انسحاب بريطانيا منه".
وشدد على أن هذه التطورات السياسية "تنعكس على الاقتصاد العالمي وتوقعات نموه، ما يجعله عرضة للدخول في ركود وأزمة كبيرة".
ومن جانبه أيد الأكاديمي الاقتصادي جواد البكري طرح الحسن بكر بقوله: "السياسات الأمريكية اليوم وخاصة السياسات المتطرفة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أدت إلى هذا الجنوح الاقتصادي".
ولفت إلى أن ترامب "ينطلق من منطلق رجال الأعمال وليس رجل دولة"، حيث إن "البنك الفيدرالي الأمريكي يفكر بمصلحة الأمة الأمريكية أما عقلية ترامب فهي عقلية رجل أعمال، وهو يفكر فقط باتجاه الأرباح التي تعود على المجمع الصناعي الأمريكي، والتي من ممكن أن تؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد الأمريكي".
خفض الفائدة
أما الباحث محمد أبو عليان، فيشير إلى أن عددا من الدول ذات الاقتصادات الكبرى لجأت إلى تخفيض الفائدة على عملاتها متخذة سياسية نقدية تيسيرية لتحفيز الاقتصاد المحلي لها، وبالتالي تلافي الوقوع في أزمة اقتصادية وتجنب الركود.
وأوضح أن خفض الفائدة على العملات يؤدي إلى تحفيز المستثمرين، مستغلين خفض الفائدة كفرصة جيدة لهم من أجل الاقتراض وتوسعة مشاريعهم الاستثمارية، ما يقود إلى حدوث نمو اقتصادي في تلك الدول.
وأكد أن الصين تتجه لخفض معدلات الفائدة على القروض لمدة عام لتصبح بنسبة 4.25%، وقروض فوق خمس سنوات لتصبح بنسبة 4.85%، منوها إلى أن معدل الفائدة في الصين تخطى خلال في الفترة الماضية حاجز 7%.
وكذلك أشار الخبير الاقتصادي الحسن بكر إلى "خطوة خفض البنك الفيدرالي الأمريكي نسبة الفائدة على الدولار 25 نقطة أساس، كسياسة نقدية تيسيرية من أجل تشجيع الشركات للحصول على قروض والتوسع في أعمالها وإعادة الحياة في الدورة الاقتصادية، أو على الأقل تقصير مدة تباطؤ النمو الاقتصادي إلى الحد الأدنى".
وقال: "لا يزال أمامنا مجموعة من الاجتماعات خلال الأشهر الثلاثة المتبقية من العام" وأنه من المتوقع خلال هذه الاجتماعات "أن يكون هناك قرار من الفيدرالي الأمريكي بالخفض السريع للفائدة، لتحاول كبح جماح أي هبوط ممكن أن يشهده الاقتصاد، وتحاول إعادة الحياة للاقتصاد الأمريكي".
وأضاف: "هذه ليس الحالة الأمريكية فقط، حيث اتجهت عدة دول نحو خفض فوائدها، منها استراليا ونيوزلندا والاتحاد الأوروبي الذي يتوجه إلى السياسات التيسيرية بشكل أكبر".
وأكد أن الفوائد في منطقة أوروبا متمركزة في المنطقة السالبة، ومن المتوقع أن يستمر خفض الفوائد إلى معدلات أقل من ذلك، حيث يجبر المستثمر في أوروبا على دفع فوائد على الأموال التي يقوم بإيداعها في البنك.
وتوقع أن يزيد المبلغ الذي على المستثمر دفعه، "وهذا يدلل على أن البنك المركزي الأوروبي لا يزال يسعى إلى إعادة الحياة إلى الاقتصاد الأوروبي، خاصة في ظل نية بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وكذلك في ظل الحرب التجارية بين أمريكا والصين".
أما الأكاديمي البكري فيرى أن "حدوث تراجع في قوة الدولار الأمريكي شيئا فشيئا، خاصة أمام مطالبات عالمية من روسيا الاتحادية والصين واليابان وبعض دول أوروبا التحول جزئيا من الدولار إلى سلة من العملات".
اقرأ أيضا: ركود الاقتصاد البريطاني للمرة الأولى منذ 7 سنوات
تأثر المنطقة العربية
وحول تأثيرات الأزمة الاقتصادية على المنطقة العربية، أكد الحسن بكر أن المنطقة العربية ليست بعيدة عن الاقتصاد العالمي وهي مرتبطة به في ظل نظام العولمة.
وقال إن "منطقة الشرق الأوسط تعد من الدول المصدرة للنفط، وبالتالي أي تباطؤ على أسعار النفط نتيجة تراجع الطلب العالمي وتباطؤ النمو الاقتصادي، سيقلل من إيرادات دول الخليج بشكل خاص، ويمكن أن يسبب تباطؤا في اقتصادها".
وأشار إلى وجود "انكماش في أسواق الأسهم في بعض الدول العربية، وأنه "على الرغم من وجود بعض التحسنات إلا أن النظرة الكلية تشير إلى إمكانية وجود تراجعات خلال الفترة المقبلة".
وقال: "شهدنا توجها كبيرا لدى المستثمرين نحو الآمان المتمثل في الملاذات الآمنة مثل الذهب، والذي ارتفع بشكل كبير جدا خلال الفترات الماضية إلى أعلى من 1500 دولار للأونصة، وهي مستويات لم يصلها من العام 2013م".
وأكد أن ذلك يدلل على أن المستثمرين يتوقعون إمكانية الدخول في أزمة، بغض النظر كانت أزمة عابرة أم ركودا، لكن "بشكل عام توجهوا نحو النفور من المخاطرة واقتناء الملاذات الآمنة مثل الذهب على الاستثمارات ذات العائد المرتفع مثل الأسهم".
وهو ما أيده الأكاديمي البكري بقوله: " المنطقة العربية منذ زمن بعيد هي منطقة تابعة اقتصاديا، عدا عن بعض الدول العربية التي لها إيرادات نفطية كبيرة، لكنها في مجالات أخرى هي تابعة في التجارة الخارجية للدول الكبرى، والتي كانت أزمة الرهن العقاري دليلا لتأثرها بالتغييرات العالمية، خاصة الإمارات والكويت ودول الخليج بشكل عام".
وأضاف أن الدول العربية تنقسم لقسمين: دول لها علاقة قوية بسوق الأوراق العالمية والقسم الآخر يرتبط بعلاقات ضعيفة بهذه الأسواق"، لافتا إلى أن "أكثر من سيتأثر بأي أزمة اقتصادية عالمية هو دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبار أن لها علاقات قوية جدا بأسواق الأسهم الأمريكية".
وأشار إلى أن العراق بدأت تستثمر في أسواق الأسهم الأمريكية، مما سيكون له تأثيرات سلبية على اقتصاد العراق في حال حدوث ازمة عالميةوقال: "بعض الدول التي لها استثمارات بسيطة جدا في الأسواق الأمريكية سيكون تأثرها بأي أزمة اقتصادية أقل حدة".
اقرأ أيضا: لماذا تتخوف شركات النفط من حرب العملة؟