هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فورين بوليسي" مقالا للباحث في جامعة أوكسفورد صموئيل رماني، يقول فيه إن تنافس الدول الخارجية على عقود الإعمار في ليبيا يعرقل وضع حد للصراع ونهاية الحرب فيها.
ويقول رماني في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "حملة قائد الجيش الوطني الليبي الجنرال خليفة حفتر، التي بدأت قبل أربعة أشهر للسيطرة على العاصمة طرابلس، تقترب من الانهيار، فقد تراجعت آمال حفتر بالسيطرة السريعة بسبب المقاومة الشديدة للمقاتلين الموالين لحكومة الوفاق الوطني التي تحظى باعتراف دولي".
ويشير الكاتب إلى أن "هذا حدث في وقت دخلت فيه قوى خارجية، تريد كل منها تأمين حصتها من هذا البلد الذي فرقته الحرب الأهلية منذ عام 2011، وتضم هذه الدول الصين وروسيا وفرنسا ودول الخليج، وأصبحت عاملا في إطالة أمد الحرب، ومع أن بعض اللاعبين في الحرب يتحدثون عن الحاجة لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين باتجاه أوروبا، أو أنهم يرون بتدخلهم في البلاد أنهم سيسهمون في استقرار البلاد، إلا أن كل طرف تدفعه الرغبة بالحصول على العقود المربحة في مجال إعادة إعمار البلاد".
ويفيد رماني بأن "مجال إعادة إعمار المنشآت النفطية يعد هو المجال الأكثر تنافسا، ويتوقع أن تتضاعف نسبة إنتاج النفط الليبي بحلول عام 2023، وبالتالي فإن عملية تأهيل الصناعة ومشاريع البنية التحتية ستؤدي إلى حصول الأطراف المتنافسة على أوراق نفوذ في ليبيا، فعلى سبيل المثال تتنافس الدول الأجنبية للحصول على حصة في حقلي الشرارة والفيل، الواقعين في جنوب البلاد، بالإضافة إلى الحصول على منفذ في كل من ميناء بنغازي وراس لانوف".
ويرى الباحث أن "مستوى القوة في ليبيا يتأثر بمن سيفوز بهذه العقود، فدعمت الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر وفرنسا الجيش الوطني الليبي، وتعتمد مصالح هذه الدول على انتصار حفتر وجيشه الوطني وسيطرتهم على طرابلس، وفي المقابل دعمت إيطاليا وتركيا وقطر حكومة الوفاق الوطني، وساعدتها على مقاومة الهجوم الذي شنه حفتر، فيما اتسم موقف كل من روسيا والصين بالحذر، ولم تراهنا على انتصار أي طرف في الحرب".
ويجد رماني أنه "في حال استمرت سيطرة حكومة الوفاق على العاصمة طرابلس ومحيطها، وسيطرة حفتر وجيشه الوطني على شرق ليبيا وجنوبها، فإن روسيا والصين ستستفيدان أكثر، ولهذا السبب اهتمت موسكو وبكين بالحفاظ على الوضع القائم، دون أن يبرز فيه منتصر حقيقي في النزاع، سواء حكومة الوفاق أو حفتر".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم النقد الذي وجه لروسيا؛ لأنها قامت بمنع قرار لمجلس الأمن يشجب هجوم حفتر على طرابلس، ونشر قوات خاصة للقتال مع قواته، بحسب زعم بعض التقارير، إلا أنها حافظت على علاقات مع حكومة الوفاق الوطني".
ويقول رماني: "يبدو أن سياسة روسيا المتوازنة مدفوعة بدوافع اقتصادية، فروسيا هي التي قامت بطباعة الدينار الليبي ليوزعه البنك المركزي، فيما وقعت شركة النفط العملاقة (روسنفط) عقدا لشراء النفط من الشركة الوطنية الليبية للنفط عام 2016".
ويرى الباحث أنه "في ضوء هذه المصالح الاقتصادية فإن السيناريو الأفضل لموسكو هو تسوية سياسية تنهي حظر تصدير السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة ضد ليبيا، وخلق منطقة مجمدة للنزاع، وكانت مصالح روسيا في مجال التبادل العسكري مع ليبيا قبل الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 تصل إلى 4 مليارات دولار، وحتى اليوم يعتمد الجيش الوطني الليبي لحفتر في الخبرات العسكرية على روسيا، ومن هنا ستستفيد روسيا من إلغاء حظر بيع السلاح إلى ليبيا".
ويلفت رماني إلى أن "قدرة روسيا على موازنة علاقاتها بين حفتر وحكومة الوفاق ستنعكس على العلاقات التجارية وعقود الإعمار التي يمكن لروسيا الحصول عليها، فالشركات الروسية مهتمة ببناء سكة حديد تربط ما بين بنغازي ومدينة سرت، بشكل سيعزز من اقتصاد روسيا وتأثيرها في منطقة البحر المتوسط، وتأمل موسكو بأن تتفوق مناقصتها بقيمة 2.5 مليون دولار على بقية العطاءات؛ نظرا لموقعها المهم في السياسة الليبية".
ويبين الكاتب أنه "بالنسبة للصين، التي التزمت في علاقاتها مع ليبيا بسياسة الحياد، فإن الحفاظ على الوضع القائم قد يساعد بكين على تأمين عقود في مجال إعادة الإعمار، ففي السنوات الماضية اتخذت الصين خطوات لتقوية موقعها في مجال النفط والإنشاءات الليبية، وكلاهما تسيطر عليه الوفاق وحفتر".
وينوه رماني إلى أنه "بعد سنوات من الركود، فإن صادرات ليبيا إلى الصين تضاعفت في عام 2017، فيما أكد مدير شركة النفط الليبية مصطفى صنع الله أهمية التعاون مع الصين في قطاع الطاقة، وتعهد رئيس وزراء حكومة الوفاق فائز السراج بتوسيع حضور الشركات الصينية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومته؛ وذلك لضمان مشاركة ليبيا في مبادرة الحزام والطريق التي تعمل عليها الصين".
ويقول الباحث إن "منطقة شمال أفريقيا تظل صغيرة لكنها مهمة بشكل متزايد للمستثمرين الصينيين، وتتعامل بكين معها على أنها نقطة ضرورية في مشروعها لإظهار حضورها الإقليمي".
ويجد رماني أنه "في الوقت الذي ستستفيد فيه الشركات الصينية والروسية من إمكانية الفرص، سواء مع حكومة الوفاق أو حفتر، ورغم أن هدف الأخير للسيطرة على طرابلس بات حلما بعيدا، إلا أن الأطراف الداعمة له، وهي فرنسا ومصر، تأملان بسيطرته على مناطق كافية لتمنحه الشرعية الدولية، وفي الوقت ذاته يحاول حلفاء حكومة الوفاق الوطني، تركيا وإيطاليا تحديدا، مساعدتها على وقف هجومه، واستعادة السيطرة على حقول النفط في الجنوب، وأدى فشل الطرفين في تحقيق نصر حاسم إلى إيقاف جهود التوصل للحل السلمي، وزاد من التنافسات بين فرنسا وإيطاليا، وتركيا ومصر، ودول الخليج الأخرى المتنافسة على ليبيا".
ويبين الكاتب أن "كلا من فرنسا وإيطاليا في حالة تنافس على التأثير منذ سيطرة حفتر على مدينة بنغازي في عام 2017، وفي البداية كانت لإيطاليا اليد العليا، حيث كانت لشركة النفط الإيطالية (إيني) قدرة على الوصول إلى المصادر النفطية الليبية في الجنوب، ووقع السفير الإيطالي في ليبيا في حينه غويسبي بيرون صفقة مع حكومة الوفاق الوطني، لتقوم روما بإعادة بناء قاعة المسافرين في ميناء طرابلس الدولي، إلا أن سيطرة حفتر على الحقول الجنوبية حرمت الشركة الإيطالية من المنافع، وأصبحت الشركة الفرنسية (توتال) في وضع أفضل للاستفادة من هذه المصادر النفطية، وتعد المواجهات الأخيرة في مرزوق نقطة ساخنة في التنافس الفرنسي الإيطالي، وذلك لأن البلدين يعدان مصير هذه البلدة ضروريا لتحديد مستوى القوة المستقبلي في ليبيا".
ويشير رماني إلى أنه "في الوقت الذي برز فيه التنافس التركي المصري على التنافس الجيوسياسي، من خلال الدعم العسكري لطرفي النزاع، إلا أن المصالح الاقتصادية واضحة، ووصف رئيس جمعية رجال الأعمال المصرية الليبية تركيا بالمنافس لمصر في جهودها لدخول السوق الليبية، ومن بين المنافسة بين الدول على إعادة إعمار ليبيا والحصول على عقود، فإن التنافس التركي المصري ليس مهما اقتصاديا، فتركيا ممنوعة من الاستثمار في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني، وهي بحاجة للاستثمار لدفع اقتصادها، وهناك قلق بشأن استمرار مصر في الوقوف إلى جانب حفتر، ولهذا فإن البلدين سيواصلان دعم طرفي الحرب عسكريا؛ أملا في كسر الجمود وحرف مسار الحرب لصالح طرف على آخر".
ويعتقد الباحث أنه "في الوقت ذاته، فإن التنافس الخليجي أدى دورا في عسكرة عقود إعادة إعمار ليبيا، ومع أن قطر عبرت عن حذر من الاستثمار في مناطق الحرب، إلا أن الإمارات والسعودية تخشيان من تدفق المال القطري في حال انحرف ميزان القوة لصالح حكومة الوفاق الوطني، ولمنع هذا السيناريو تواصل السعودية والإمارات تمويل عمليات حفتر العسكرية، وتحضر لاستثمار انتصاراته في المستقبل".
ويختم رماني مقاله بالقول إن "عقود إعادة إعمار البلاد ظلت خارج العناوين الرئيسية للأخبار، إلا أنها تعد مساهم رئيسي في استمرار الحرب في ليبيا، وقد تتوقف حرب الاستنزاف بين حكومة الوفاق الوطني وحفتر، إلا أن التنافس الجيو اقتصادي سيؤثر على إعادة الإعمار وبناء الدولة، بشكل يقضي على آمال بناء مستقبل زاهر ومشرق".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)