الرابط الإسرائيلي ومحاولة سرطنة الديمقراطية التونسية

استغرق التونسيون في استقطابات الانتخابات الرئاسية، ولا يزالون، وتضاءل في المقابل الاهتمام بالتشريعية رغم أنها ستنتج برلمانا يتحكم (عبر الحكومة المنبثقة عنه وفقا للدستور) بأهم إحداثيات صناعة القرار في البلاد.

وقد أعطت استطلاعات الرأي لنوايا التصويت قبل أشهر؛ الموقع الأول لحزب نبيل القروي "قلب تونس" في الانتخابات التشريعية، ولو بفارق غير كبير عن منافسيه. وحصوله على المرتبة الثانية في الرئاسية أشر على تضاؤل وتقلص شعبية القروي الذي يقبع في السجن الآن بسبب اتهامات بالتهرب الضريبي. لكن هذه الاتهامات تبدو خفيفة أمام ما انكشف هذا الأسبوع، وتحيل على تواتر تواصل مع شبكة علاقات إسرائيلية.

قبل أيام قليلة من استحقاق التشريعيات يوم الأحد القادم، نشر موقع "المونيتور" الأمريكي، تحديدا في القسم الخاص بمتابعة أخبار "اللوبيات في الشرق الأوسط"، ما يمكن وصفه بـ"القنبلة" في خصوص عقد قام به ما يبدو أنه ممثل قانوني لنبيل القروي مع شركة "لوبيينغ" كندية يديرها أري بن ميناشي، وهو ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. العقد الذي تبلغ قيمته المليون دولار يغطي الفترة من شهر آب/ أغسطس إلى تشرين الأول/ أكتوبر، ويقتضي من المؤسسة المعنية تنظيم لقاءات مع قادة دول أهمها الولايات المتحدة الأمريكية والفيدرالية الروسية.

 

أهم فقرة في العقد تضمنتها الفقرة الأولى: "بشكل خاص، سنسعى جاهدين، من بين أهداف أخرى، إلى ممارسة الضغط داخل الولايات المتحدة الأمريكي وروسيا الاتحادية والأمم المتحدة

قانون 1938 الأمريكي يفرض على الشركات الأجنبية الناشطة في الولايات المتحدة الأمريكية تقديم مضمون عقودها، وقد وجد العقد طريقه للنشر مثلما يقتضيه القانون في موقع وزارة العدل الأمريكية، لتقطع بذلك الطريق عل كل من حاول الادعاء بأن الوثيقة مفبركة.

أهم فقرة في العقد تضمنتها الفقرة الأولى: "بشكل خاص، سنسعى جاهدين، من بين أهداف أخرى، إلى ممارسة الضغط داخل الولايات المتحدة الأمريكي وروسيا الاتحادية والأمم المتحدة، وأي دولة أخرى متفق عليها بشكل متبادل بيننا وبين منظمات دولية أو منظمات غير حكومية من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية التونسية، كما سنسعى جاهدين لترتيب لقاءات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وغيره من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل الانتخابات الرئاسية الأولية في 15 أيلول/ سبتمبر 2019، كما سنسعى جاهدين لترتيب لقاء مع رئيس وروسيا الاتحادية خلال هذه الفترة، كما سنسعى جاهدين خلال نفس الفترة للحصول على دعم مادي من أجل الدفع للفوز بالرئاسة".

لا يكفي أن قيمة العقد التي تصل بالدينار التونسي إلى 300 مليون دينار، بما يتجاوز سقف الإنفاق الانتخابي، خاصة إذا أضفنا إليه ما تم إنفاقه سابقا، لكن مضمونه أكثر إثارة للانتباه، إذ تأخذنا هذه العبارات، خاصة التي تتعلق بطلب التدخل الروسي في المسار الانتخابي وعبارة "الدعم المادي"، إلى سابقة الشبهات حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، لا سيما على مستوى اختراق الحسابات الالكترونية والحرب الرقمية التي ساعدت ترامب على الوصول إلى الرئاسة.

الأهم من ذلك هو شبكة العلاقات التي يستنجد بها القروي وتحديدا التعاقد مع الإسرائيلي ضابط الاستخبارت السابق المتخصص، حسبما ينقله موقع وزارة العدل الأمريكية في عقود مع سياسيين يحاولون التأثير الخارجي للوصول إلى السلطة في الكونغو، أو الضغط لمصلحة حكومة السودان العسكرية للحصول على السلاح، ما دفع إحدى الصحف الكندية باعتباره "مركز لوبي الديكتاتوريين".

 

شبهة الرابط الإسرائيلي مع القروي ظهرت أيضا في حالة أخرى منذ أشهر قليلة، حيث قامت شركة إسرائيلية يديرها شخص آخر مرتبط بالأجهزة الاستخباراتية بمحاولة التأثير على الانتخابات التونسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي

شبهة الرابط الإسرائيلي مع القروي ظهرت أيضا في حالة أخرى منذ أشهر قليلة، حيث قامت شركة إسرائيلية يديرها شخص آخر مرتبط بالأجهزة الاستخباراتية بمحاولة التأثير على الانتخابات التونسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتشير المؤشرات إلى أن حملتها استهدفت الجميع باستثناء مرشح وحيد للرئاسية. ونقل موقع "انكيفادا" التونسي في شهر أيار/ مايو الماضي؛ تفاصيل مثيرة عن إغلاق فيسبوك أكثر من 200 صفحة تواصل اجتماعي تستهدف التأثير على الانتخابات في عدد من الدول، منها تونس. ويذكر الموقع: "إجمالا، تم رصد إحدى عشرة صفحة تونسية. جل تلك الصفحات استهدفت مباشرة العديد من الشخصيات التونسية، لكن شخصا واحدا بقي خارج دائرة النقد، بل استفاد من مضامين إيجابية، فيما يمكن أن يشبه مقدمة لحملة انتخابية معلنة".

ويستخلص مقال "انكيفادا" التالي: "يُبيّن تحليل مضمون الصفحات التونسية الـ11 المحذوفة من قبل فيسبوك، والمتهمة بأنها مرتبطة بشركات إسرائيلية، أن هذه الصفحات تُؤيّد بوضوح أحد المرشحين. فهي تنتقد بشكل مباشر العديد من الشخصيات السياسية باستثناء نبيل القروي، علاوة على أن خمس صفحات نشرت مضامين تُلمّع صورته بشكل مباشر، أو بتسليط الضوء على قناة نسمة أو جمعيته خليل تونس".

 

ليس مفاجئا أن يلتقي، كالذباب، مستثمرون إسرائيليون من خلفية استخباراتية على المساعدة على تعفين الأجواء الانتخابية وسرطنة الديمقراطية والمسارات السياسية. في الحالة التونسية تحديدا، لم يكن هناك ارتياح البتة لموجات الحرية

حول شركة "ارخيمادس" الإسرائيلية يذكر موقع انكيفادا" تفاصيل أخرى: "ووفقا لعدة مصادر، من بينها اللوبي الأمريكي القوي الداعم لإسرائيل ( AIPAC)، فقد تم تعيين إليناداف هايمان رئيسا مديرا عاما لمجموعة " Archimedes Group". لكن من الصعب اليوم تتبع سيرته الذاتية على الإنترنت، فقد تم حذفها من العديد من المواقع التي تذكرها، بعد أن تفطنت إدارة فيسبوك لأساليب الشركة. أحد تلك المواقع هو "negociations.ch" والذي يقدم المدير على أنه ضابط سابق في استخبارات سلاح الجو الإسرائيلي".

ليس مفاجئا أن يلتقي، كالذباب، مستثمرون إسرائيليون من خلفية استخباراتية على المساعدة على تعفين الأجواء الانتخابية وسرطنة الديمقراطية والمسارات السياسية. في الحالة التونسية تحديدا، لم يكن هناك ارتياح البتة لموجات الحرية، إذ ترتاح تل أبيب بشكل خاص للأجواء الاستبدادية، وتعتبر عموما أن شعوب المنطقة أقل إنسانية من أن تستحق أن تحكم نفسها بنفسها. في كل الحالات هناك في تونس مقومات حمائية سياسية وقضائية تسمح بالحد من التعفين الراهن.