هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
طرحت ثماني فصائل فلسطينية مبادرة نحو تحقيق مصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح"، ومن ثم نحو تحقيق وحدة وطنية فلسطينية ترفع من درجة القوة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال. وقد رحب الشعب الفلسطيني بهذه المبادرة ورجا أن يتقبلها الجميع ويسعوا إلى تطبيقها. رحبت حركة "حماس" بالمبادرة، ويبدو أن حركة "فتح" متحفظة عليها، حيث إن ردود فعل بعض قادتها لم تعبر عن قبولهم لها. علما بأن مسألة المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية تحظى بإجماع فصائلي فلسطيني على شاشات التلفاز، ولا يوجد في الشارع الفلسطيني من يعترض على ذلك إلا إذا كان عميلا للاحتلال الصهيوني.
لم تعالج جذر المشكلة
لكن أنا أحد الناس الذين لا يرون فرصة جيدة أمام المبادرة للتطبيق على الرغم من أنني من المؤمنين بضرورة تحقيق الوحدة الوطنية لما فيها من جمع للكلمة ولمّ للشمل وتعزيز للقدرات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال. والسبب في قلة التفاؤل أن المبادرة لم تعالج جذر المشكلة الداخلية الفلسطينية وهو اتفاق أوسلو، وما تبعه من اتفاقيات وتداعيات.
خرج الموقعون على اتفاق أوسلو عن قاعدة فلسطينية كان يجب أن تكون راسخة وهي أنه لا يجوز ولا يحق لأي فلسطيني سواء كان شخصا أو فصيلا أو حزبا أن يتوصل مع أي جهة كانت إلى اتفاق يمس الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطينية ما لم يكن هناك إجماع فلسطيني وليس مجرد أغلبية أو أكثرية. خرجت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عن الإجماع الفلسطيني، ووقعت اتفاقا مفاجئا مع الصهاينة دون علم القوى الأخرى أو الشارع الفلسطيني، وبذلك نشرت بذور الفساد الداخلي ومهدت للاقتتال. وقد كنت أحد الذين توقعوا منذ البدء بأن اتفاق أوسلو سيؤدي إلى سفك الدم الفلسطيني بأيد فلسطينية. وكنت أول من أصيب برصاص أهل أوسلو في الضفة الغربية.
السبب في قلة التفاؤل أن المبادرة لم تعالج جذر المشكلة الداخلية الفلسطينية وهو اتفاق أوسلو، وما تبعه من اتفاقيات وتداعيات.
اتفاق أوسلو يعترف بالكيان الصهيوني، وينزع من أيدي الفلسطينيين أقوى ورقة يحملونها في مواجهة الغزو الصهيوني وهي ورقة الاعتراف. ونص على التنسيق الأمني الذي يعتبره القانون الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية خيانة عظمى يعاقب من يمارسه بالإعدام رميا بالرصاص. ونص الاتفاق على مسؤولية السلطة الفلسطينية في ملاحقة من سموهم بالإرهابيين، أي المقاومين الفلسطينيين، ومعاقبتهم. هذا فضلا عن التنسيق المدني والإلحاق الاقتصادي بالصهاينة وفق اتفاقية باريس الاقتصادية، الخ. هدم اتفاق أوسلو كل المحرمات الفلسطينية، وقبل العديد من الموبقات الوطنية. ولهذا كان من الأجدر لأصحاب المبادرة أن يعالجوا الجذور قبل أن يعالجوا الهيكل الخارجي. المنطق العلمي ينص ببساطة على أن معالجة الظاهر لا تجدي، وإنما لا بد من معالجة ما يؤدي إلى الظاهر من أجل أن تستقيم الأمور.
المجاملات ليست طريقا للوحدة
كما أن المبادرة لم تخل من المجاملات السياسية والكلام الديبلوماسي. القضايا الوطنية لا تحتمل المجاملات، ويجب أن تبتعد عن الالتفاف على الحقائق والممارسات اللاوطنية. وقد كان للمجاملات السياسية الضرر الأكبر على القضية الفلسطينية عبر سنوات عمل المقاومة ضد الاحتلال. هناك دائما مراعاة للعلاقات الفصائلية على حساب المصلحة الوطنية، واهتمام بمصالح الفصيل كلف الشعب الفلسطيني الكثير من الخسائر. العديد من الفصائل الفلسطينية لا تحاول إغضاب السلطة من أجل أن تحافظ على مداخلها لتوظيف عناصرها في السلك الرسمي الداخلي، ومن أجل أن تحافظ على ما تحصل عليه من دعم مالي من السلطة الفلسطينية. حتى أن المبادرة تحوي على مجاملة لمحمود عباس الرئيس غير الشرعي للسلطة الفلسطينية، وتدعوه لاجتماعات في القاهرة. علما أن الفتنة الداخلية الفلسطينية انفجرت إلى دماء في عهد عباس، ومنذ عام 2007 لم يقم عباس بأي جهد حقيقي لرأب الصدع، واستعادة اللحمة الفلسطينية. بل عمل دائما على تعميق الخلافات الداخلية وذلك من خلال الإجراءات التي اتخذها ضد الموظفين في غزة، وهو لا يترك مناسبة إلا تحدث ضد حركة "حماس". حتى أن هجاءه لـ "حماس" امتد إلى الأمم المتحدة التي من المفروض أن تسمع منه كلمات مسؤولة حول وحدة الشعب وكل قواه. وعباس لم يستهتر بالوحدة الوطنية الفلسطينية فقط، وإنما استهتر أيضا بوحدة حركة "فتح"، وأدت سياساته إلى تشكيل مراكز قوى متنافسة ومتنافرة داخل الحركة.
أغلب الفصائل تخلت عن برامجها التحررية، وركزت على مصالحها الفئوية على حساب المصالح العامة