هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لمراسلتها من تل أبيب دينا كرافت، تقول فيه إن شعار "أمريكا أولا" ليس بالضبط شعارا لطيفا، مشيرة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا مدركين لتوجه الرئيس دونالد ترامب الانعزالي.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه على مدى عقود كانت سياسة إسرائيل الخارجية تقوم بشكل شبه تام على افتراض علاقات فولاذية مع أمريكا، مشيرا إلى أنه في ظل حكم بنيامين نتنياهو، الذي ارتبطت حظوظه السياسية بقوة هذه العلاقات، كان يعني هذا علاقة ثقة مع الرئيس ترامب.
وتستدرك كرافت بأن قرار الرئيس ترامب المتسرع بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا ترك إسرائيل تترنح من تلك التداعيات، التي قد تضعها في خطر متزايد.
وتقول المجلة إن "خلف هذا الخوف كله، بل إن بعض المحللين يقولون إنه شيء من الهلع، هو السؤال الآتي: هل يمكن لحليف قوي لأمريكا، مثل إسرائيل، أن تهجر في لحظة عصيبة كما حصل مع أكراد سوريا، الذين كانوا أفضل أسلحة أمريكا في الحرب على تنظيم الدولة؟".
ويفيد التقرير أنه في القدس يعني ذلك المسارعة لإعادة التفكير والتجهيز لما يمكن أن يتكشف في الشرق الأوسط لاحقا، الآن حيث الوجود الأمريكي القوي الذي دام عقودا بدأ بالتراجع، مشيرا إلى أن هذا هو التحول في السريع في العقلية الإسرائيلية الذي ينتظر وزير الخارجية، مايك بومبيو، المتوقع وصوله إلى إسرائيل يوم الجمعة للقاء نتنياهو؛ لمناقشة الشؤون الأمنية الإقليمية، وأهمها إيران.
وتلفت الكاتبة إلى التحدي الذي يواجهه واضح في عنوانين لمقالين في "يديعوت أحرنوت"، وهما: "الخيانة القادمة" و"سكين في ظهرنا"، مشيرة إلى أن المحرر المؤسس لـ"مصدر"، وهو موقع إخباري إسرائيلي باللغة العربية، شمريت مئير، كتب في "يديعوت أحرنوت" يقول: "حان الوقت لمعظم مؤيدي ترامب المخلصين في المنطقة وخارجها لأن يعتادوا على حقيقة أنه لا يمكن بعد الاعتماد على أمريكا، في وقت تستمر فيه بالدوران الخارج عن السيطرة".
وتنوه المجلة إلى أن الإسرائيليين اعتادوا على مدى السنتين الماضيتين على رؤية صورة الرئيس ترامب مع رئيس الوزراء نتنياهو بصفتهما شريكين، ولذلك فإن لسعة تخلي أمريكا أكثر إيلاما بالرغم من وجود مؤشرات تحذيرية.
وينقل التقرير عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار إيلان والباحث في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، جوناثان رينولد، قوله: "اعتماد نتنياهو عليه، كان هذا دائما سيتحول إلى إشكالية، ترامب يعطي إسرائيل ويعطي نتنياهو أشياء لمساعدته سياسيا، وهي رمزية جدا، مثل القدس ومرتفعات الجولان"، لكنه يضيف أن قرارات ترامب التاريخية للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وسيادة إسرائيل على الجولان "لا تغير شيئا.. فأهم دور أمريكي لإسرائيل هو أنها توفر توازن قوى لصالح إسرائيل.. وهذا التحرك هو رسالة رهيبة لإسرائيل".
ثم يقول: "لن يتم ذبحنا أو طردنا من البلد.. لكن ذلك يعني أن أعداء إسرائيل وأعداء القوى المعتدلة في المنطقة سيصبحون أقوى".
وتؤكد كرافت أن "قائمة التداعيات المحتملة واسعة، وفي حالة الأكراد الذين يضعفون، شوهد ما حصل الأرض، فقد قتل مئات الأكراد في الغارات التركية، وفر الآلاف، وفي خضم الفوضى تحرر عدد غير معروف من المحتجزين من تنظيم الدولة الذين كان يحرسهم الأكراد، ويرى المحللون بأن تنظيم الدولة يمكنه أن يعيد بناء نفسه ويقوم بحملة إرهاب جديدة".
وتفيد المجلة بأنه لحاجة الأكراد الماسة للحماية، فإنهم دخلوا في حلف مع الحكومة السورية، معززين بذلك قبضتها، في الوقت الذي تحاول فيه استعادة الأراضي التي خسرتها خلال الحرب الأهلية، مشيرة إلى أن المزيد من الأخبار السيئة لإسرائيل هو أن روسيا، راعية سوريا والمتقلبة في تعاملها مع إسرائيل، ستكون هي القوة العظمى الرئيسية في المنطقة.
ويذكر التقرير أن روسيا تغض الطرف، ولفترة طويلة، عن جهود إيران في تكريس وجودها على الأرض في سوريا، لافتا إلى أنه مع خروج أمريكا من الصورة فإن هناك القليل لردع إيران عن إقامة ما تسميه "جسر بري" إلى لبنان، من خلال العراق وسوريا، وذلك سيسهل تحرك جنودها وصواريخها، وهذا السيناريو يثير مخاوف إسرائيل منذ فترة طويلة.
وتورد الكاتبة نقلا عن عضو الكنيست عن حزب أزرق وأبيض، عوفر شيلاح، قوله للمراسلين: "إنها كارثة دبلوماسية مفزعة، ثمنها قد يكون وجود قوات إيرانية في مرتفعات الجولان، و(محور شر) يحاصر إسرائيل من الشمال.. وطريقنا للتعامل معها ستكون بالقوة".
وتجد المجلة أن من بين الرابحين المحتملين في هذا الواقع المتطور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي كان شوكة في خاصرة إسرائيل لمدة طويلة، والذي يدعم حركة حماس التي تحكم غزة.
ويشير التقرير بأن معاناة الأكراد تحمل صفة شخصية بالنسبة لإسرائيل؛ لأن الشعبين يشتركان بتعاون سياسي حميم وحتى عسكري، كما يرى الإسرائيليون في الأكراد صورة من أنفسهم قبل إقامة دولتهم؛ أناس مشتتون يحاربون للاستقلال، لافتا إلى أن عددا من الجنود الإسرائيليين الاحتياط قاموا بتداول عريضة يتوسلون فيها للمسؤولين الإسرائيليين بالتدخل لمساعدة الأكراد في هذه الأزمة.
وتبين كرافت أن من التداعيات غير المقصودة لقرار ترامب سحب قواته من سوريا هو تشجيع إيران، العدو رقم 1 بالنسبة لإسرائيل، مشيرة إلى أن إسرائيل لطالما حذرت من أن إيران ستشكل قريبا خطرا نوويا لا يهدد إسرائيل وحدها بل المنطقة والعالم كله، فيما كانت لسنوات تطفئ نيران الحرب وتشتبك أحيانا مع حلفاء إيران في الشمال، حزب الله وفي الجنوب حركة حماس.
وتنقل المجلة عن نائب مستشار الأمن القومي في إسرائيل سابقا والزميل في مدرسة الدراسات الحكومية في هارفارد، تشاك فريليتش، قوله إن سياسات نتنياهو "تتهاوى في الاتجاهات كلها لأنها قامت على افتراض وجود صديق قوي في البيت الأبيض، وألا تعيد أمريكا تموضعها" في الشرق الأوسط.
ويضيف فريليتش أنه عندما تتقدم إيران في خطة "الجسر البري"، فإن التحدي الحقيقي سيكون تجنب تهديد الصواريخ الدقيقة التي سيمكنها زرعها بالقرب من إسرائيل، وستهدد الصواريخ منشآت الطاقة وبالتالي الاقتصاد، وإن حصلت إيران على الأراضي التي ستحولها إلى قاعدة كبيرة للصواريخ، سيكون من الصعب إيجاد وتدمير كل شيء".
ويورد التقرير نقلا عن الزميل في معهد الأمن القومي والمستشار السابق لمكافحة الإرهاب في مكتب رئيس الوزراء، يورام شيويتزر، قوله إنه من المهم ألا نبالغ في التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل، التي يتطور كثير منها ببطء، وأضاف: "إن اسرائيل لا تعتمد بأي شكل على أمريكا للدفاع عنها، لكن حقيقة أن وضع أمريكا ضعف تجاه إيران، خصم إسرائيل الرئيسي، تؤثر على موقف إسرائيل الرادع.. يجب أن نكون مدركين لما نواجهه، وأن نكون في حالة تأهب طيلة الوقت".
وتقول الكاتبة إن هجمات إيران ضد أهداف سعودية أثارت قلقا لدى المسؤولين الإسرائيليين، مشيرة إلى أن المسؤول السابق عن عمليات الموساد هائيم تومر، ردد تعليقات آخرين عندما كتب في "هآرتس": "من ناحية الردع، أثبتت إيران في عمليتها ضد السعودية مقدرة على الضرب بدقة، في الوقت الذي تخفي فيه مسؤوليتها، وهذا يعني أن بإمكانها القيام بعملية مماثلة ضد إسرائيل".
وكتب تومر أيضا أن سياسة الرئيس ترامب الحالية للشرق الأوسط "تشكل معضلة معقدة، وتقريبا غير مسبوقة، لإسرائيل في فترة انتقال الحكومة".
وتلفت المجلة إلى أن نتنياهو أدار حملتيه الانتخابيتين السابقتين بشكل كبير بناء على صداقته مع ترامب، فنشر لافتات ضخمة تحمل صورته مع ترامب يتصافحان ويبتسمان في أنحاء البلد كله، لكنه فشل منذ الانتخابات الماضية في تشكيل حكومة، مشيرة إلى أنه لم ينتقد الرئيس الأمريكي بأي شكل بعد انسحابه من سوريا، وبدلا من ذلك كرر شعار إسرائيل في الدفاع، وهو: "إسرائيل ستحمي نفسها بنفسها ضد أي تهديد".
وينقل التقرير عن الحليف المقرب من نتنياهو، يوفال ستينتز، قوله لتلفزيون "واي نت": "أعتقد أن في مقاربة أمريكا الانعزالية إشكالية للعالم أجمع ولمنطقتنا أيضا".
وتورد كرافت نقلا عن الجنرال المتقاعد وعضو الكنيست عن حزب التحالف الديمقراطي اليساري، يائير غولان، قوله إن إسرائيل تحتاج إلى أصدقاء أقوياء وتحتاج إلى تحويل مسارها".
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى قول غولان: "تحتاج إسرائيل إلى سياسة خارجية أكثر تعقيدا وأكثر دقة، سياسة يتم السعي فيها للتنسيق على نطاق أوسع من المصادر لأجل تعاون أفضل مع الدول السنية المعتدلة وروسيا واليونان وقبرص، وقد تكون هناك إحباطات أكثر في هذا الطريق، لكن لا نستطيع تحديد السياسة الأمريكية، وعلى إسرائيل التعامل مع الواقع الجديد".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)