هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحافي بريت ستيفنز، يقول فيه إن انسحاب ترامب المفاجئ من سوريا أثار الازدراء على نطاق واسع من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
ويشير ستيفنز في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "هذا حدث لسبب مهم، وهو أن أمريكا تخلت عن حليف، وتنازلت عن النفوذ لشلة من المحتالين، بشار الأسد ورجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين وقاسم سليماني وغيرهم، مقابل كلام فارغ حول إنهاء الحروب التي لا نهاية لها".
ويستدرك الكاتب قائلا: "لكن يجب الاعتراف لترامب بفضل: فهو يحول عددا ملحوظا من ليبراليي السياسة الخارجية إلى محافظين جدد، وهذه مسألة تستحق التفكير، ففي الوقت الذي يقوم فيه الرئيس باتباع سياسة لو اتبعتها إدارة ديمقراطية كانت ستقابل بالتأييد من اليسار، فإن إخراج أمريكا من العديد من الساحات -فيتنام ونيكاراغوا والسلفادور والعراق وأفغانستان- كان على مدى عقود شعار التقدميين".
ويتساءل ستيفنز قائلا: "لماذا يجب الآن أن يكون التراجع من سوريا مختلفا؟ وإن كانت الحجة هي أن الأكراد وقفوا معنا، واعتمدوا علينا وساعدونا على شن الحرب فإن الآخرين فعلوا الشيء ذاته مثل سكان الجبال في فيتنام (المنتغنارد)، وإن كانت الحجة بأن تراجعنا من سوريا يخلق الظروف لوقوع كارثة إنسانية، يجب علينا السؤال: أين كان هذا الهم الإنساني عندما كان الكثير في اليسار ينادون بالانسحاب المباشر من العراق، في الوقت الذي تفجر فيه العنف الإرهابي والطائفي خلال عامي 2005 و2006؟".
ويقول الكاتب: "إن كانت الحجة هو أننا نرسل رسالة عجز للعدو والصديق في الوقت ذاته، فلماذا وافق الكثير من الليبراليين على موقف باراك أوباما عندما تجاوز نظام الأسد الخط الأحمر باستخدام الأسلحة الكيماوية عام 2013؟، وإن كانت الحجة هي أننا نخلي أراضي سيزدهر الإرهابيون بالتأكيد فيها، فلماذا يؤيد أهم المرشحين الرئاسيين الديمقراطيين الانسحاب من أفغانستان، الذي هو مضمون أنه لصالح حركة طالبان وحلفائها من الجهاديين العالميين؟".
ويجد ستيفنز أن "الفرق الحقيقي هو أن ممارسة التراجع العالية يقوم بها ترامب، صحيح أنه يمكن للشخص أن يختلف مع السرعة والطريقة التي تم بها الانسحاب، بالإضافة إلى الطريقة الغريبة والفارغة والقائمة على تضخيم الذات التي استخدمها الرئيس للدفاع عن فعله، ويمكن للشخص أيضا أن يحتج بأن وجودنا في سوريا، ليس مثل وجودنا في مكان آخر، أدى إلى مكاسب سياسية بتكلفة قليلة نسبيا".
ويبين الكاتب أنه "مع ذلك فإن أمريكا فقدت 14 جنديا في أفغانستان العام الماضي، في الوقت الذي كانت تحاول فيه منع حركة طالبان من السيطرة على البلد، وقد يغير المتنافسون الديمقراطيون رأيهم عندما يرون أن مواقف ترامب شبيهة بمواقفهم".
ويلفت ستيفنز إلى أنه "في الشأن الأفغاني فقط فإن تبني ترامب للسياسيات التي كانت أكثر شعبية في اليسار من اليمين كان له تأثير توضيحي غريب بخصوص آثار تلك السياسات".
وينوه الكاتب إلى أنه في الشأن الروسي، حاول أوباما (فتح صفحة جديدة) في العلاقات عام 2009، الذي رافقته حفاوة كبيرة بين الليبراليين، بالرغم من حقيقة أن بوتين غزا جورجيا في السنة التي سبقت ذلك، لكن محاولة ترامب الفاشلة في (فتح صفحة جديدة) مع الكرملين، بغض النظر عن مدى التشكك في الدوافع، يبدو أنها أيقظت لدى مؤيدي (فتح صفحة جديدة) فهما متأخرا بأن الروس في الواقع ليسوا أصدقاءنا".
ويفيد ستيفنز بأنه "في موضوع كوريا الشمالية، هاجم الليبراليون ترامب بشدة لخطابه (النار والغضب) حول كيم جونغ أون، والآن يسخرون منه، محقين، بسبب سذاجته بخصوص النوايا الشريرة لكوريا الشمالية".
ويقول الكاتب إنه "بالنسبة لأوكرانيا، عندما رفضت إدارة أوباما إمداد البلد بالقذائف المضادة للدبابات عندما كانت روسيا تقوم بتقطيع أوصالها، واجه جون ماكين ذلك بالذعر، لكن المعارضة الديمقراطية لذلك كانت أقل من صاخبة، إلا أن إمداد أوكرانيا بهذه الأسلحة الآن أصبح (بوليصة تأمين) ضرورية ضد احتمال عدوان روسي متجدد".
ويشير ستيفنز إلى أنه "في موضوع الاقتصاد بدأ الحزب الديمقراطي بالتحول بشكل كبير عن تبنيه القوي للتجارة الحرة، حيث عارض كل من بيرني ساندرز وهيلاري كلينتون إدارة أوباما حول اتفاقية شراكة عبر الباسيفيك عام 2016، وسحب ترامب أمريكا من تلك الشراكة، باعتبار ذلك واحدا من أول الأفعال التي قام بها بصفته رئيسا، والآن أصبحت التجارة الحرة رائجة مرة أخرى".
ويلفت الكاتب إلى أنه "في موضوع الدور العالمي لأمريكا، فإن الديمقراطيين كانوا يشيدون بأوباما لاتباعه سياسة (تخفيض النفقات) لصالح (بناء الأمة في الداخل)، وتبنى ترامب وعدا كاذبا شبيها تحت شعار (أمريكا أولا)، والفرق الآن هو أن هذه السياسة تشجب على أنها تخل عن المسؤولية العالمية لأمريكا".
ويرى ستيفنز أن "هذا كله يثير الاحتمال -الضئيل- بأنه في الوقت الذي يقوم فيه ترامب بتوجيه دفة اليمين نحو سياسة خارجية قائمة على التراجع، والترضية وعدم التدخل، فقد يكتشف الليبراليون ضالتهم الترومانية في فكرة الإمبراطورية الأمريكية، فالعالم يصبح غير آمن مع غياب القوة والإرادة الأمريكيتين، وفرص نجاح التنازل للديكتاتوريين هي ذاتها عندما جربت في ثلاثينيات القرن الماضي".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لن أبني آمالي بعد، لكن يجب أن تكون سياسات ترامب درسا للأمريكيين كلهم حول شكل العالم بعد أمريكا، وإلى الآن فإن النتيجة تبدو محاولة لجورج كوستانزا لفعل العكس".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)