رأي الغارديان بمقتل البغدادي: غير كاف لتدمير "تنظيم الدولة"

قالت صحيفة الغارديان البريطانية، الاثنين، إن مقتل أبي بكر البغدادي ليس كافيا للقضاء على "تنظيم الدولة الإسلامية".

وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها، التي ترجمتها "عربي21"، إنه لا يمكن هزيمة منهج العنف الذي يتبناه تنظيم الدولة (داعش) إلا من خلال برنامج سياسي يتجاوز الخلافات الدينية والقومية والعرقية في المنطقة.

وفيما يلي الترجمة الكاملة للافتتاحية:

في أواخر شهر يونيو / حزيران من عام 2014، تم الإعلان عن تنصيب أبي بكر البغدادي خليفة لجميع المسلمين، وذلك ضمن بيان للناس لم يعلن عن قيام "خلافة" جديدة فحسب، وإنما حذر أيضا معشر من يعتنقون الإسلام بأن عليهم أن يبايعوا ويقدموا الدعم والمساندة. أكسب البغدادي، آخر زعماء ما يسمى الدولة الإسلامية، مجموعته صيتا بفضل عهد الرعب الإجرامي الذي وصل ذروته بسقوط الموصل الصاعق في يديه فقط قبل أسبوعين من ذلك.

بدأ عهده بالزعم بأنه سيهدم صنم الديمقراطية، وسيهزم عملاء الصليبيين والملاحدة وحراس اليهود، ثم ما لبث أن أتبع ذلك بشن حملة من الإبادة الجماعية والاسترقاق وممارسة أشد ألوان العنف، وضد المسلمين بشكل رئيسي. إلا أن مشروع إقامة امبراطورية بغداد ما لبث أن أصبح هباء منثورا بعد انهيار الخلافة في شهر مارس من هذا العام.

ثم ما لبث أخطر إرهابي في العالم أن أنهى حياته وهو هارب، حيث قرر أن يقتل نفسه بدل أن يستسلم للعدالة. كانت نهايته غاية في الذل والهوان، إذ يُروى أن قوات خاصة أمريكية حاصرته، فما كان منه إلا أن فجر نفسه في نفق داخل سوريا، وتسبب في قتل ثلاثة من أطفاله كانوا في معيته.

للأسف، لم يتمكن دونالد ترامب من مقاومة إغراء اللحظة المواتية، فعمد إلى إصدار سلسلة من التصريحات المثيرة للشك؛ بهدف الترويج لذاته. لم يكن لطيفا منه أن يقول إن البغدادي مات كالكلب. لم يكن ذلك ضروريا بتاتا، بل وقد يسبب مشاكل غير مقصودة للولايات المتحدة، ستتطلب المعالجة، خاصة أن الكلاب في العالم الإسلامي تعدّ نجسة.

بادئ ذي بدء، ثمة حاجة لتصحيح المعلومات بدلا من إحاطة الأمر بما يشبه "ضباب الحرب". عندما قتل أسامة بن لادن في عهد إدارة أوباما في عام 2011، توجب على الإدارة التقدم بعد أيام قليلة من الحدث بتقرير ناقض ما كان بدر عنها من تأكيدات سابقة. وثمة ما يدفع على الاعتقاد بأن إدارة ترامب قد تجد نفسها مضطرة خلال الأيام القادمة لتصحيح بعض الأساطير التي نُسجت بهدف تحقيق مكاسب ذاتية. فحقيقة أن البغدادي أقدم على قتل نفسه بنفسه تعني أن سياسة قتل أعضاء المجموعات الإرهابية كجزء من الحرب الأمريكية على الإرهاب مستمرة دون الجدل الضروري والمستمر منذ فترة طويلة بشأن مدى أخلاقية وشرعية الاغتيالات المستهدفة. 

تحتاج الولايات المتحدة إلى كل مساعدة يمكنها الحصول عليها في سبيل إلحاق الهزيمة بالإرهاب في الشرق الأوسط. ما من شك في أن موت البغدادي ضربة لتنظيم داعش، لكنه ليس ضربة قاضية. فبعد فقدانها لقلاعها تناثرت الجماعة وتحولت إلى سلسلة من المجموعات الإرهابية غير المرتبطة مركزيا، الأمر الذي يتيح الفرصة أمام أفرادها لتطبيق أيديولوجيتها العنيفة كل على حده.

لم يكن البغدادي مقاتلا، بل كان مفكرا أيديولوجيا، وكانت أجهزة داعش الأمنية والعسكرية في عهده تحت سيطرة ضباط سابقين في الجيش العراقي، كما يعتقد المحللون؛ ولذلك يتطلب إلحاق الهزيمة بداعش أن يقف المجتمع السني في منطقة الهلال الخصيب بالمرصاد للمنظمة ومن ينتسبون إليها، كما حصل في عام 2007 في العراق، عندما تشكلت الصحوات من قبل القبائل التي انقلبت على الإرهاب وحاربته.

لا شك أن الأمر بات أكثر صعوبة بسبب حالة الفوضى وانعدام الاستقرار في المنطقة، فمن الاحتجاجات في شوارع العراق ولبنان إلى الحروب في اليمن وليبيا، يبدو أن "الدولة الإسلامية" ونظامها السياسي يشهدان حالة من الاضمحلال البطيء في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط.

إلا أن ما يبعث على القلق أنه بدلا من الاحتفاظ بتحالف عالمي ضد التهديد الذي يشكله تنظيم داعش، يصاب العنصر الأهم في هذا التحالف -أي الولايات المتحدة- بحالة من الشلل؛ بسبب الطبيعة النزوية والمتقلبة لقائدها الأعلى.

يمكن الاستدلال على مدى قدرة هذه المجموعة على التوسع من خلال حقيقة أن ما يزيد على أربعين ألف مقاتل أجنبي يعتقد أنهم سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى الجماعات الإرهابية. ثم هناك حقيقة أن العنف الذي يتبناه تنظيم داعش تم تصديره إلى الخارج؛ بدليل موجة الهجمات الإرهابية التي اجتاحت العالم في العام الماضي.

بينما يعيش الشرق الأوسط في دائرة مغلقة من الأزمات، سوف تحل لعنة الإرهاب على العالم. ثمة حاجة ماسة إلى سعي جاد لتجاوز الانقسامات الدينية والقومية والعرقية في المنطقة. ولعل من الأمور التي قد تساعد في تخليصها من الأشباح التي تطاردها التحديث الاقتصادي والسياسي والتسامح والسلام. وهذا بالضبط ما يحتاج العالم لأن يعمل على تحقيقه.

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)