هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتب كولام لينش، يقول فيه إن هذا العام شهد أكبر مظاهرات شعبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ الربيع العربي، متسببة بإسقاط ديكتاتور عسكري متهم بارتكاب جرائم حرب في السودان، ومتسببة باستقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، ومتحدية الحكام في الجزائر ومصر والأردن والعراق.
ويشير لينش في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "خلال هذا الوقت، كان رد فعل إدارة ترامب رسالة واحدة هي: لم تعد أمريكا تهتم، ما لم تكونوا تحتجون ضد إيران".
ويلفت الكاتب إلى أن وزارة الخارجية عبرت عن دعم محدود للمتظاهرين، ويقول الناقدون والمسؤولون الأمريكيون السابقون بأن البيت الأبيض بقي بشكل كبير غير مكترث، ما يشكك في التزام الإدارة بطموحات المتظاهرين.
ويفيد لينش بأنه "بالنسبة لبعض المراقبين فإن صمت الرئيس دونالد ترامب يمثل خيانة لدور أمريكا التقليدي بصفتها ملهمة للديمقراطية في الخارج، لكن آخرين يشعرون بأن من الأفضل أن يبقى البيت الأبيض بعيدا عن التدخل بشأن المتظاهرين، خاصة أن واشنطن فشلت بشكل فاضح في دعم الديمقراطية في العالم العربي، وتحديدا في العراق".
وتنقل المجلة عن وزير الخارجية الاردني السابق، مروان المعشر، قوله: "من الأفضل ألا يقولوا شيئا".
ويستدرك الكاتب بأن "ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك في الاتجاه الآخر، ووقف بشكل لا لبس فيه مع الحكام المستبدين، تاركا المسؤولين الصغار في البيروقراطية للتعبير عن دعم المتظاهرين، فعندما طلب منه هذا الخريف أن يعلق على أسوأ قمع في مصر للمتظاهرين منذ الربيع العربي، عبر ترامب عن دعمه غير المشروط للزعيم المصري عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه ذات مرة بأنه (ديكتاتوري المفضل)".
ويورد لينش نقلا عن ترامب، قوله بعد ان التقى بالسيسي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة: "لست مهتما بها، لدى مصر زعيم رائع، إنه يحظى باحترام كبير.. الكل لديه تظاهرات".
ويجد الكاتب أن "تجاهل ترامب الواضح للتوق للديمقراطية في الشرق الأوسط ليس مفاجئا من رئيس شكك في شرعية مؤسسات ديمقراطية أساسية تحدته في بلده، بما في ذلك المحاكم والإعلام والكونغرس".
وتنقل المجلة عن الخبير في الترويج للديمقراطية عالميا مع مركز كارنيغي للسلام الدولي، توماس كاروثرز، قوله: "لم يكن لدينا رئيس من قبل يرسل للعالم مجموعة مشاعر معادية للديمقراطية، وأفعالا تتماشى مع دليل الرجل القوي".
ويرى لينش أنه "مع ذلك فإن احتضانه العلني للمستبدين يمثل انحرافا حادا عن طريق أسلافه، الذين قد يكونون تعلموا أن يتعاملوا مجبرين مع الطغاة، لكن كانوا في العلن ينادون بالديمقراطية".
وتورد المجلة نقلا عن حسين ابيش من معهد الخليح العربي في واشنطن، قوله: "بعد لنكولن، هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها رئيسنا ليس فقط استبداديا، بل لديه ميول ديكتاتورية أيضا.. وتشابهه مع السيسي وأردوغان أكبر من تشابهه مع أسلافه".
ويؤكد الكاتب أن آراء ترامب في الترويج للديمقراطية في أماكن أخرى في العالم تختلف تماما مع آراء أسلافه، بمن فيهم الرئيس باراك أوباما، فقبل الربيع العربي عبر أوباما عن تعاطفه مع أولئك الذين يشتاقون للحرية السياسية في منطقة يسيطر عليها الطغاة، وفي 4 حزيران/ يونيو في خطابه في القاهرة ناشد الزعماء العرب مباشرة بقوله: "حافظوا على سلطتكم بالقبول لا بالإكراه".
ويستدرك لينش بأن "ردة فعله على الثورات الشعبية التي اجتاحت المنطقة بعد عام ونصف كانت حذرة، ودعم حركة الاحتجاج علنا في تونس، حيث المصالح الأمريكية لا تكاد تذكر، لكنه تردد في حالة مصر، مبقيا دعمه ابتداء للرئيس حسني مبارك، إلا أنه أدار ظهره له عندما زاد العنف، وبدا المحتجون أنهم يكسبون المعركة، ومع ذلك اعتبر تخلي أوباما عن حليف مثل مبارك، مع جهوده للتوصل الى اتفاق نووي مع إيران، خيانة من بعض الحلفاء الإقليميين، خاصة السعودية التي بدأت تتشكك في التزامات أمريكا تجاه حلفائها القدماء".
وينوه الكاتب إلى أنه تم انتقاد أوباما لبقائه صامتا بشكل كبير في الأيام الأولى للاحتجاجات ضد الحكومة الإيرانية عام 2009، التي شكلت فترة حرجة بالنسبة للحكومة الإيرانية، وقال خصومه الجمهوريون إن صمته منح شرعية للنظام الإيراني، وتسبب في فشل الانتفاضة.
ويذكر لينش أن ترامب تحرك بعد انتخابه بسرعة لإعادة العلاقات الطبيعية مع السعودية ومصر، التي قام فيها انقلاب ضد الرئيس المنتخب مرسي من رئيس المخابرات العسكرية سابقا، وأزال ترامب أي تظاهر بأن أمريكا تتوقع من أصدقائها المستبدين أن يتبنوا الديمقراطية، مشيرا إلى أن المنتقدين يقولون إن البيت الأبيض تحت رئاسة ترامب حاول قطع اي تمويل للمبادرات الديمقراطية الأجنبية، وقلل من درجة المكاتب التي تتعامل مع الحكم الديمقراطي في أنحاء العالم أو أهملها تماما.
ويبين الكاتب أنه "بعد أن أصبح ترامب رئيسا فإن البيت الأبيض تخلص من دائرة الديمقراطية والتنمية والمساعدات الإنسانية التابعة لمجلس الأمن القومي، ما ترك ثغرة في تنسيق البيت الأبيض مع الوكالات الفيدرالية المسؤولة عن الترويج للديمقراطية، ويقول مسؤولون سابقون بأن ذلك يعكس كون هذه القضايا ليست من أولويات الإدارة، كما كانت بالنسبة للإدارات السابقة، لكن آخرين يعارضون هذا النقد، ويقولون إنه لا يزال هناك عاملون في مجلس الأمن القومي متخصصين بالديمقراطية والحكم، لكن تم إلغاء القسم كجزء من عملية ترشيد".
ويشير لينش إلى أن المسؤولين في مجلس الأمن القومي بدأوا في تطوير استراتيجية عابرة للوكالات تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم، لكن تعثرت تلك الاستراتيجية في ربيع وصيف عام 2018، بحسب مسؤولين سابقين، وسط تغيرات في المسؤولين على مستوى عال في البيت الأبيض، عندما استقال أتش آر ماكماستر بصفته مستشارا للأمن القومي، وتم استبداله بجون بولتون.
ويستدرك الكاتب بأن مسؤولا مطلعا على هذه القضية عارض ذلك، وقال إن الاستراتيجية درست على أعلى المستويات، مشيرا إلى أن الوثيقة موجودة، وتعتمد عليها وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأمريكية، حتى إن لم يكن تم نشرها رسميا.
وينقل لينش عن مديرة الديمقراطية في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما فرانسيس براون، قولها إن مركز مساعد وزير الخارجية لمكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية بقي شاغرا لمدة عامين ونصف، وهو ما "يشير بوضوح إلى أنهم لا يرون في الأمر أولوية".
ويشير الكاتب إلى أن أستاذ القانون والمحامي المتخصص في حقوق الإنسان، روبرت ديسترو، عين في هذه الوظيفة بعد أن تم تأكيد تعيينه من مجلس الشيوخ في أيلول/ سبتمبر.
ويقول لينش إن "هناك الجانب المالي من القضية، ففي السنة المالية 2018 و2019 اقترح البيت الأبيض تخفيض التمويل للبرامج التي تروج للديمقراطية بنسبة 40%، لكن الكونغرس عارض تلك الجهود".
ويورد الكاتب نقلا عن كاروثرز، قوله بأن "الحكومة الأمريكية لا تزال تدعم الديمقراطية على مستوى السياسة، وذلك لم يتغير"، وأضاف أن تلك الجهود تواجه "حرمانا من الأوكسجين من المستوى الأعلى".
وتنقل المجلة عن مساعد السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي للشؤون الخارجية، تيم ريزر، قوله: "كانت مقاربة البيت الأبيض للترويج للديمقراطية بشكل عام هي تخفيض التمويل لتلك البرامج بشكل كبير"، وأضاف أنه في مصر مثلا "كانت الرسالة الوحيدة التي سمعناها من هذه الإدارة هي أن السيسي زعيم عظيم، ولم يجعلوا الديمقراطية أو حقوق الإنسان أولوية، وبحسب ما نعلم فإنهم لم يعبروا عن تأييدهم للمتظاهرين المصريين المطالبين بالديمقراطية"، ومع أن هناك أشخاصا في وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأمريكية يريدون "التعامل مع المجتمع المدني وتشجيع الديمقراطية، لكنهم يقيدهم البيت الأبيض الذي لديه أولويات أخرى".
ويعلق لينش قائلا إن "هذا كله يمثل بحرا من التغيير في سياسة أمريكا بعد الغزو الأمريكي الكارثي للعراق عام 2003، وفشل الحركات الديمقراطية السابقة في العالم العربي، وقد كانت الديمقراطية جزءا من السياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عندما ساعدت أمريكا على تبني حكومتين ديمقراطيتين في كل من ألمانيا واليابان".
ويلفت الكاتب إلى أن "كلا من الرئيس جيمي كارتر، ورونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلنتون وجورج بوش الابن قاموا بتبني هدف تشجيع الديمقراطية في الخارج، مع أن ذلك كان لأسباب مختلفة ومتضاربة، مثلا لتشجيع حقوق الإنسان، ولمحاربة الشيوعية، ولبسط النفوذ الأمريكي، ولمكافحة الإرهاب".
ويذكر لينتش أن الكونغرس قام بإنفاق أكثر من ملياري دولار كل عام على مدى العقد الماضي لتقوية المؤسسات الديمقراطية، بما في ذلك المؤسسات القانونية والانتخابية، بالإضافة لحقوق الإنسان والحكم الديمقراطي.
ويقول الكاتب أن "سجل أمريكا باعتباره منارة للديمقراطية في العالم لا يزال سجلا مختلطا، فخلال الحرب الباردة قامت أمريكا بإسقاط حكومات منتخبة ديمقراطيا في تشيلي وغواتيمالا وإيران، وكانت دائما مستعدة أن تصمت أمام انتهاكات الحكومات الصديقة".
ويفيد لينش بأن "أمريكا لطالما كانت مسوقة مترددة للديمقراطية في العالم العربي، حيث تدفع برفق حكام المنطقة لحكم أكثر انفتاحا، لكنها في الوقت ذاته مستفيدة من العلاقات الدبلوماسية القابلة للتنبؤ مع المستبدين والملوك في هذه المنطقة الحيوية استراتيجيا".
ويرى الكاتب أن "أسباب الاحتجاجات ضد السيسي وغيره من الحكام في المنطقة هي ذاتها أسباب الربيع العربي، من غلاء للأسعار وبطالة واستياء من حكام مترسخين وفاسدين، مع أن الاحتجاجات في كل بلد لها سياقات سياسية وتاريخية فريدة".
وينوه لينش إلى أن مسؤولا كبيرا في الإدارة الأمريكية يصر على أن أمريكا "كانت دائما ثابتة في دعم أمن واستقرار وسيادة شركائنا في الشرق الأوسط.. نحن نرفض العنف، وندعم حق المواطنين في الاحتجاج السلمي.. وقمنا بدعوة زعماء المنطقة في السر وفي العلن بالتجاوب مع احتياجات مواطنيهم".
ويستدرك الكاتب بأن البيت الأبيض فوض البيروقراطية بشكل كبير بالرد، خاصة وزارة الخارجية، ففي تعليقات للإعلام أعرب نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، عن قلقه بشأن حقوق الإنسان في مصر، قائلا إنه "أثار -وسيستمر في التأكيد على مستويات عليا- الأهمية البالغة لاحترام حقوق الإنسان والحريات العامة والحاجة لمجتمع مدني قوي"، إلا أن شينكر لم ينتقد الحكومة المصرية.
ويذكر لينش أن شينكر انتقد قمع الحكومة العراقية للتغطية الإعلامية للمظاهرات، وقال: "حرية الصحافة حرية متأصلة في الإصلاحات الديمقراطية، ونحن قلقون جدا من الإغلاق القسري لوسائل إعلامية، والضغط لفرض رقابة على تغطية المظاهرات".
وأخيرا حث شينكر الزعماء السياسيين في لبنان، حيث أعلن رئيس الوزراء الحريري استقالته بعد المظاهرات ضد الفساد في الحكومة، لإجابة "مطالب الشعب اللبناني القديمة لإصلاحات اقتصادية، وإنهاء الفساد المستشري"، لكن إدارة ترامب قلقة من النفوذ السياسي لحزب الله بعد استقالة الحريري.
ويفيد الكاتب بأن "المسؤولين في إدارة ترامب قاموا في مناطق أخرى بتقديم الدعم المحسوب للمحتجين، إلا أنه لا يمكن اعتبار ذلك سياسة متسقة، ففي السودان حيث كانت المظاهرات ضد ديكتاتوري عسكري استضاف في فترة ما مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، غرد بومبيو وبولتون حينها دعما للمتظاهرين الذين أطاحوا به".
وتنقل المجلة عن كاميرون هدسون، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية عمل لعقود في السياسة المتعلقة بالسودان، قوله إن البيت الأبيض، عدا التغريدات، لم يعقد مطلقا أي اجتماع لتحديد سياسة الرد الأمريكية في هذا الشأن، وفي الوقت الذي كانت فيه مقاربة أوباما في مثل تلك الظروف هي إدارة الأزمة كانت مقاربة البيت الأبيض في السودان "لننتظر ونرى".
ويستدرك هدسون قائلا: "ربما كانت مقاربة عدم التدخل أفضل؛ لأن التدخل الأمريكي أحيانا يعكر صفو التحرك"، وقال: "هناك حالات يمكن للتدخل الأمريكي القوي أن يعطي لونا للاحتجاجات.. وأعتقد أن قيمة الاحتجاجات في السودان هي أنها كانت ناتجا محليا.. ولم يظهر فيها أي تدخل أجنبي، وهو ما قوى مصداقية الحركة الاحتجاجية".
وأضاف: "يمكنك المحاججة بأنه لو تدخلت أمريكا بشكل أكثر نشاطا في محاولة تشكيل النتيجة كان يمكن أن نقوض هذه اللحظة.. لكني لن أعزو فضل ذلك لحسابات استراتيجية قامت بها إدارة ترامب".
ويقول لينش: "يبدو أنه في الشرق الأوسط، فإن إيران وليست أمريكا هي الملتزمة بتشكيل النتيجة من الحركات الاحتجاجية، ففي الوقت الذي اشتعلت فيه تلك الاحتجاجات لأسباب ومظالم محلية، إلا أن إيران ووكيلها الرئيسي في المنطقة، حزب الله، يتهمان أمريكا وحلفائها الغربيين بإثارة الاحتجاجات، وهو ما يهدد موقعهما في المنطقة".
ويشير الكاتب إلى أن الزعيم الروحي لإيران، آية الله علي خامنئي، ادعى بأن أمريكا ووكالات الاستخبارات الغربية تقوم "بخلق فوضى" في لبنان والعراق، حيث عبر المتظاهرون عن غضبهم من مدى النفوذ الإيراني، ورد مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية بأن طهران مسؤولة جزئيا، حيث قال: "إن المظاهرات الحديثة في المنطقة ناتجة عن نقص الفرص الاقتصادية والفساد المستشري، بالإضافة إلى المجموعات الإرهابية المدعومة من إيران في كل من العراق ولبنان".
ويختم لينش مقاله قائلا: "سواء كان ذلك صحيحا أم لا فإنه من الواضح أن إيران تؤدي دورا في محاولة قمع المظاهرات، فبحسب تقرير لـ(أسوشييتد برس) فإن قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، هو من يوجه قمع المظاهرات في العراق".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)