لم يكن التقرير الذي أصدرته مقررة الإعدام خارج إطار القانون والاعتقال التعسفي في
الأمم المتحدة، حول وفاة الرئيس الشهيد محمد
مرسي أثناء محاكمته في حزيران/ يونيو الماضي؛ كاشفا بالنسبة لنا كمعارضة، لكنه في الوقت نفسه مهم لدرجة لا يمكن الالتفات عنه. لقد كانت كل الشواهد تؤكد أن الرئيس قد تم قتله.
لقد اشتكى الرئيس الشهيد للمحكمة أكثر من مرة من أن حياته مهددة، وقبلها اشتكى لمحاميه من أنه يخشى على حياته من الطعام المقدم إليه، ومن الإهمال الطبي المتعمد الذي يتعرض له من قبل إدارة السجن. وشواهد استشهاد الرئيس ورواية المشهد الأخير لحياته تصل بالعالمين في الطب إلى حد اليقين بأن الرجل تم قتله. فالرئيس لم يحصل على العناية اللازمة كمريض سكر وضغط، وفقد تدريجيا الرؤية بعينه اليسرى، وعانى من إغماءات متكررة في الفترة التي سبقت استشهاده، وهو ما يجعل الأطباء يخرجون هذه الشواهد إلى مرتبة الدليل على قتل النظام له.
هذا التقرير ورقة مهمة في ملاحقة النظام
المصري ورئيسه في المحاكم الدولية، لا سيما أن النظام استخدم سلاح القتل بالإهمال الطبي خلال السنوات التالية على الانقلاب للتخلص من المعارضين وتصفيتهم جسديا، ما يؤكد أن النظام يتخذ من الإهمال الطبي وسيلة ممنهجة في معتقلاته. ويكفي أن نعرف أن الرئيس بقي ممددا قرابة الساعة بعد أن فقد الوعي في غيبوبة السكري التي أصابته، إن كان ما تعرض له غيبوبة سكر، حيث أرى أن ما حدث للرئيس قد يكون أثر سم دُس له، وهو ما حذر منه الرئيس الراحل نفسه.
الآن ومع صدور هذه الورقة، فعلينا كمعارضة أن نتحرك في كل الاتجاهات ليس فقط لأخذ حق الرئيس الشهيد ومن قبله المئات من معتقلي الحرية، بل لوقف نزيف تصفية المعارضين داخل سلخانات النظام ومجازره، وعلى المجتمع الدولي أن يكون أكثر اتساقا مع مبادئه، ويتحرك بحسب المحددات الإنسانية التي تمليها عليه المواثيق والاتفاقيات الدولية للضغط على النظام، ليس فقط لوقف هذه الجريمة المستمرة التي لا تسقط بالتقادم، بل للتحرك نحو إطلاق سراح ما يقارب الـ70 ألف معتقل على خلفيات سياسية في معتقلات النظام المصري.
هذا على المستوى الحقوقي، أما على المستوى السياسي، فيجب العمل وبسرعة على النظم الدولية الحاكمة في الغرب وأمريكا، وكذا على الدولة التي انعتقت من نير الدكتاتوريات في أمريكا الجنوبية، ومن ثم طلب العون من الدول الحرة المساندة لقضايا الأحرار حول العالم، وأخيرا، الدول التي تتقاطع مصالحها مع نظام الانقلاب، لعرض قضيتنا العادلة أمام تلك الدول، وفي المحافل الدولة والمنظمات الإقليمية، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي، واتحاد دول أمريكا الجنوبية.
والعمل يجب ألا يكون فقط على الحكومات، بل على الأحزاب المعارضة في هذه الدول، حتى تصبح القضية المصرية ودعم تلك الحكومات للنظام الانقلابي القاتل؛ ورقة ضغط للمعارضة، وعامل إحراج للحكومات أمام شعوبها، وصولا لعزل النظام المصري من محيطه الإقليمي والدولي، ثم إنهاء هذا النظام الانقلابي المجرم، دعما لنضال الشعب المصري الساعي لإزاحة هذه العصابة الحاكمة، والعودة إلى الديمقراطية التي بدأت تتشكل بعد ثورة 25 يناير المجيدة، والتي أنتجت استحقاقات ديمقراطية شهد لها العالم، حيث شكلت برلمانا ولجنة دستورية ثم أوصلت أول رئيس إلى سدة الحكم في مصر بإرادة شعبية خالصة.
إن حالة الصمت المريب والواصل إلى حد الدعم المستتر في بعض الأحيان، والعلني في أحيان أخر، من الغرب لهذا النظام، يجب أن تتوقف فورا بعد هذه الشهادة الأممية على النظام الفاشي الجاثم على صدر الديمقراطية في مصر. وأرى أن حركة المعارضة في هذا التوقيت والمتزامن مع هذا التقرير، والذي يأتي بترتيب إلهي في الوقت الذي يعقد فيه مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة جلسته السنوية لاستعراض الملف المصري الشامل، يجب أن تتصاعد حتى لا نسمع مرة أخرى من رئيس أكبر دولة ترعى الديمقراطية عن قاتل.. "ديكتاتوري المفضل".