هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حتى عام 1914 ميلادية، لم يكن الدولار عملة مؤثرة في النظام المالي الدولي، وكانت العملة المهيمنة حينها هي الجنيه الإسترليني الذي دعمته المصارف اللندنية بما تملكه من خبرات وفروع منتشرة حول العالم. وعلى الرغم من كون الولايات المتحدة -آنذاك- أكبر دولة في العالم من ناحية حجم التبادلات التجارية، فإن هذه القدرة التجارية لم تشفع للدولار ليكون العملة الأهم في العالم. حينها كانت غالبية التبادلات التجارية بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم تتم عن طريق مصارف لندن التي أدت دور الوسيط في هذه التبادلات.
وفي عام 1913، أصدرت الولايات المتحدة نظاما جديدا أعطى كثيرا من الحرية لمصارفها، مكّنها من فتح فروع خارج الولايات المتحدة، لتزيد بعد ذلك سطوة البنوك الأمريكية، ومن ثم أهمية الدولار الأمريكي. وأثر هذا القرار إيجابيا على الدولار، فخلال العقد التالي بدأ الدولار باكتساب أهمية أكبر، ليصبح العملة الأهم في العالم بحلول منتصف العشرينيات الميلادية.
ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، ما زال الدولار هو العملة الأهم في العالم، حتى مع ازدياد قوة كثير من العملات، مثل الفرنك الفرنسي والمارك الألماني سابقا، واليورو حاليا، وحتى مع زيادة حجم التبادل التجاري باليوان الصيني. ومع كثير من التشكيكات حول الدولار، التي تصدرها دول مثل الصين وروسيا؛ خصوصا بعد تأثر العالم من الأزمة المالية في العقد الماضي، فإن الدولار ما زال متمسكا بمكانته. وتشير كثير من الدراسات إلى أن الدولار – حتى مع ازدياد قوة العملات الأخرى – لن يفقد أهميته بهذه السهولة.
إلا أن متغيرا جديدا طرأ على هذه المعادلة، وهو العملات الإلكترونية التي فرضتها التقنيات الجديدة.
والصين تسعى بشكل جدي لدعم عملتها، حتى تصبح في يوم من الأيام بأهمية الدولار. ولأنها تدرك أن التغيير يبدأ من التشريعات، فقد أعلن الرئيس الصيني الشهر الماضي دعمه لتقنية «البلوك تشين»، وهي حجر الأساس للعملات الإلكترونية. وحث الرئيس الصيني الشركات على البحث والابتكار في هذه التقنية، وهذا يعني أن الصين بدأت فعليا البحث في صياغة التشريعات المتعلقة بإصدار عملتها الإلكترونية الرسمية؛ لا سيما أن البرلمان الصيني قد أصدر تنظيما جديدا يُعنى بالتشفير يبدأ تطبيقه بعد أقل من شهرين، يهدف إلى وضع قوانين تنظيمية تساعد الشركات في البحث والابتكار في تقنية «البلوك تشين».
والبنك المركزي الصيني يبحث إصدار عملة إلكترونية منذ عام 2014، إلا أن الحاجة حينها لم تكن تستدعي ذلك. ومع بزوغ نجم العملات الإلكترونية، بدأت الصين في أخذ الأمر على محمل الجد؛ خصوصا مع تسرب السيولة من الصين إلى الخارج عن طريق عملة «بيتكوين». إضافة إلى ذلك، فقد زادت التعاملات المالية المشبوهة التي استدعت وجود عملة رسمية تسهل حوكمتها.
وبينما تسعى الحكومة الصينية حثيثا إلى إصدار عملتها الرسمية خلال 18 شهرا، تبقى عملة «ليبرا» من شركة «فيسبوك» أكثر مشروع جدي في الولايات المتحدة. وما زال هذا المشروع يعاني من عدة نواحٍ، فبسبب عدة خلافات، انسحبت شركات عدة من دعم هذا المشروع مثل «ماستركارد» و«فيزا» و«باي بال» وهم عمالقة القطاع المالي في الولايات المتحدة.
كما لم يوضح مالك ومؤسس «فيسبوك» مارك زوكربيرغ عما إذا كانت هذه العملة تستند إلى نظام نقدي جديد، أم أنها تستند إلى سلة عملات حالية، مثل الدولار واليورو وغيرها. كما قوبل زوكربيرغ بتشكك لم يخفَ على أحد، خلال جلسة استماع مع الكونغرس الشهر الماضي، وصف خلالها أنه يسعى لمساعدة تجار المخدرات بإصدار عملة «ليبرا»، وهو يعني أن هذه العملة ما زال أمامها الكثير حتى ترى النور. ولا شك أن دعم الحكومة الصينية لعملتها يعطيها أفضلية على «ليبرا» المدعومة من شركة خاصة، دعم يعطيها أفضلية في مراقبة هذه العملة الإلكترونية مما توصم به «ليبرا» من مساعدة للعملات المالية المشبوهة والتهرب الضريبي. وحاول زوكربيرغ تدعيم عملته بقوله إن الصين على مدى أشهر من إصدار عملتها، التي قد تعطيها ميزة على الولايات المتحدة، إلا أن نقاشه قوبل بتشكك كما قوبلت عملته.
وكأن الزمان يعيد نفسه، فكما سعت الولايات المتحدة إلى أن تكون عملتها الأقوى في العالم قبل قرن من الزمان، ها هي الصين تفعل المثل، والبداية دائما من التشريعات، ولا شك أن إصدار العملة الإلكترونية الصينية قد يعني بداية عصر جديد لليوان الصيني، الذي تسعى الحكومة الصينية لجعله عملة دولية بشكل معلن. والصين قد تكون أول مصدِّر للعملة الإلكترونية بشكل رسمي عن طريق بنكها المركزي، وهي خطوة تقدمت فيها الصين على دول العالم؛ خصوصا مع طموحها في أن تكون عملتها الأقوى في العالم مدعومة بحجم تبادل تجاري ضخم، ومتسلحة بتفوق علمي وابتكاري.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية