هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "لوبلوغ" مقالا للكاتب جوشوا تشو، يتحدث فيه عن تغطية وسائل الإعلام لموت زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي ومناقشة الحرب على الإرهاب.
ويبدأ تشو مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن "مقتل زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي في تشرين الأول/ أكتوبر خلال هجوم على مقره من القوات الخاصة الأمريكية في محافظة إدلب، كان يجب أن يكون فرصة مناسبة يقوم فيها الإعلام الأمريكي بتفحص (الحرب على الإرهاب) التي دامت 18 عاما، والسياسة الأمريكية بشكل عام في الشرق الأوسط، لكن التغطية المقتضبة لوفاة البغدادي مثلت تجنبا آخر لأي نقاش ناقد للسياسة الخارجية الإمبريالية".
ويشير الكاتب إلى أن مجلة "تايم" أعلنت في 27 تشرين الأول/ أكتوبر أن "وفاة البغدادي كانت انتصارا رمزيا مهما في المعركة ضد المجموعة الإرهابية المحاصرة، وانتصارا لإدارة ترامب"، لافتا إلى أن تقرير "أسوشيتد برس" في (28/10/19)، الذي كان تحت عنوان "المعلومات السرية، الهجوم، الكشف: إسقاط البغدادي"، كان يشبه نصا لأحد أفلام فيلم هوليود، حيث وصف مجريات تلك الليلة "والهجوم الجريء" و"تتويج سنوات من جمع المعلومات الاستخباراتية".
ويفيد تشو بأن صحيفة "نيويورك تايمز" احتفت في (27/10/ 19) مع ترامب بـ"هجوم الكوماندو الأمريكيين الجريء"، الذي نتج عنه "انتصار مهم" في "الحرب على الإرهاب"، وتحدثت عن كيف يمكن أن يكون موت البغدادي "لحظة إشارة في الحرب على الإرهابيين التي استمرت جيل،ا وكذلك في رئاسة ترامب"، وذلك لأنها "توجت" بالقضاء على "عدو لا يرحم"، مشيرا إلى المدى الذي كانت فيه الصحيفة ناقدة للعملية، ورددت صدى نقد الديمقراطيين لترامب بأنه لم يخبر قيادة الكونغرس، وشككت في دقة رواية ترامب للهجوم قبل موت البغدادي، أو انتقدته لعدم محافظته على الإتيكيت الرئاسي في مثل هذا الظرف "لاستخدامه لغة متبجحة على عكس اللهجة الأكثر اتزانا في مثل هذه الأوقات".
ويذكر الكاتب أنه "في اليوم ذاته نشرت صحيفة (التايمز) سيرة البغدادي في 3000 كلمة، تحدثت فيها عن حياته -بما في ذلك جرائمه الوحشية، وأهمية ادعائه بإعادة "الخلافة" من خلال تنظيم الدولة، وكيف يختلف تنظيمه عن تنظيم القاعدة الذي أنشأه أسامة بن لادن- وذلك دون توضيح لدور أمريكا في إنشاء تنظيم الدولة، أو الحديث عن المساعدات الأمريكية لمنافسي التنظيم من تنظيم القاعدة، كما أن تلك السيرة لم تذكر لماذا يسعى مئات الآلاف من المؤيدين في الشرق الأوسط لحمل السلاح ضد الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو ما يعني أن يتم تفحص السياسة الأمريكية وجرائم الحرب التي ترتكبها في الشرق الأوسط".
ويلفت تشو إلى أنه "تم توجيه انتقادات واسعة لسيرة البغدادي في (واشنطن بوست)، التي حملت عنوان (أبو بكر البغدادي، عالم الدين المتزمت الذي يرأس الدولة الإسلامية يموت عن 48 عاما)، لأنها كان يمكن أن تستخدم لوصف أكاديمي مات خلال نومه بدلا من وصف موت زعيم مجموعة مسلحة قتل نفسه وأطفاله الثلاثة، في الوقت الذي كان يلاحقه الجنود الأمريكيون".
ويقول الكاتب: "مثل صحيفة (نيويورك تايمز)، فإن (واشنطن بوست) لم تبرز دور السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في خلق العداوة لأمريكا؛ بل قالت إن غزو العراق وفر لتنظيم الدولة (أهم ما يحتاجه: قضية جديدة ومصدر جديد ولا محدود للمجندين والأسلحة)، لكنها لم توضح لماذا يتسبب التدخل الأمريكي -الذي تصوره صحيفة (واشنطن بوست) بأن مبعثه الخير والإيثار- برد فعل كهذا، بالإضافة إلى أنها عزت نجاح تنظيم الدولة في السيطرة على أراض شكلت الأراضي التي أقام عليها التنظيم (الخلافة) إلى (براغماتية البغدادي الذكية.. (التي سمحت له) بخلط.. مجموعة غير متجانسة من المتطرفين الإسلاميين مع بعثيين عراقيين سابقين)".
ويتساءل تشو قائلا: "لماذا يريد إسلاميون متطرفون أن يهاجموا أمريكا بدلا من بلدان مثل كوستاريكا أو سويسرا؟ وكيف يمكن لبعثيين سابقين لم يكونوا متعاطفين مع أي شكل من أشكال الإسلاموية -بالرغم من السرديات الشائعة التي تسعى لتبرئة أمريكا من دورها في قيام تنظيم الدولة، بناء على حملة الإيمان لصدام حسين عام 1993- الرغبة بالانضمام إلى متعصبين مثل تنظيم الدولة؟ هل يمكن أن يكون لقرار إدارة بوش حل الجيش العراقي، ما جعل 500 ألف عسكري مسلحين جيدا ومدربين جيدا عاطلين عن العمل بين ليلة وضحاها، دور في جعل كثير من البعثيين السابقين قادة عسكريين في تنظيم الدولة؟ لم تجب صحيفة (واشنطن بوست) عن مثل هذا السؤال الحساس".
وينوه الكاتب إلى أن "تقرير (وول ستريت جورنال) في 27/10/19 وصف موت البغدادي بالانتصار، وقال إنه (حقق هدفا أمريكيا طال انتظاره، ويشكل أكبر انتكاسة للجماعة المتطرفة منذ خسارتها لآخر مساحة تسيطر عليها الخلافة في وقت سابق من هذا العام)، بالإضافة إلى أن السيرة التي نشرتها الصحيفة لم تبرز الدور الأمريكي في قيام تنظيم الدولة، فتجنبت مثلا القرار الأمريكي بحل الجيش العراقي، وعتمت على المساعدات الأمريكية لمقاتلي تنظيم القاعدة الذين يعارضون الحكومة السورية -الذين يشار إليهم على أنهم (المعتدلون) أو (الثوار) في إعلام الشركات- عندما ذكرت كيف ساعد البغدادي (في إنشاء جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة في 2012)، وبعدها استطاع أن يغري (معظم مقاتلي النصرة الأجانب بالانضمام لتنظيم الدولة)، دون ذكر هذه الحقيقة المهمة".
ويقول تشو إن "(فوكس نيوز) مثلت بوضوح تفاهة الصحافة المبالغة في الحزبية بالتركيز مباشرة على المنافع التي يعود بها موت البغدادي على إدارة ترامب في وقت بدأت فيها عملية مساءلة الرئيس، وبدلا من نقل حقائق حول العملية، أو طرح الأسئلة حول الحرب المستمرة على الإرهاب، وكيف ساعدت أمريكا على قيام البغدادي وتنظيم الدولة، قامت (فوكس نيوز) بالمقارنة بين تغطية (واشنطن بوست) لمقتل أسامة بن لادن ومقتل البغدادي، بالإضافة إلى الحديث عن إشادة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والديمقراطيين بالرئيس أوباما بعد اغتياله لابن لادن (في الوقت الذي تجنبوا فيه الإشادة بالرئيس (ترامب) بأي شكل)، بعد مقتل البغدادي، فهل أصبح مستوى الاحتفاء بالرئيس على قتله قيادات أجنبية هو أهم القضايا التي يناقشها الإعلام؟".
ويفيد الكاتب بأن "مات طيبي وصف في مجلة (رولنغ ستون) في 28/10/19 المشكلة في إعلامنا الذي يعاني من النظر النفقي، الذي يركز على المنافع السياسية للحزبين الرئيسيين على حساب الاعتبارات الأخرى:
كان يجب أن تكون هذه لحظة تفكر فيما حصل على مدى العشرين عاما الماضية، وإن كانت سياسات إدارات متعاقبة هي السياسات الصحيحة، هل كنا حتى سنطلق عمليات ضد مثل هذا الشخص لو لم نقم بغزو العراق قبل هذه السنوات كلها؟ ما هي النتيجة المرجوة؟ وماذا يفكر الناس في تلك المنطقة؟"
ويشير تشو إلى أن "من بين الأسئلة القليلة التي طرحها الإعلام حول الهجوم، هو انتقاد إدارة ترامب للانسحاب الشكلي من سوريا تأكيدا لمفهوم أن حق أمريكا -بل واجبها- هو غزو واحتلال دول الشرق الأوسط، وبالرغم من أن الإعلام تحدث عن سجن القوات الأمريكية للبغدادي في معسكر بوكا، إلا أن إعلام الشركات ذلك لم يذكر أنه قضى ثمانية أشهر من العشرة التي قضاها سجينا لدى الأمريكيين في سجن أبي غريب سيئ الذكر، وكلا السجنين كان سيئا، واشتهر عنهما أنهما كانا مكانين للتعذيب الوحشي وأنهما (جامعتان للجهاديين). وأقام البغدادي علاقات مع الجهاديين والمسؤولين العسكريين العراقيين السابقين، وهم من شكلوا قيادة تنظيم الدولة لاحقا، ومع ذلك فلم تستخدم هذه التفاصيل المهمة من حياة البغدادي للتساؤل عن سبب استمرار الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط".
ويستدرك الكاتب بأنه "بالرغم من كذب مهندسي حرب العراق بادعائهم أنهم (فوجئوا) بالتمرد العنيف الطويل في العراق بعد الغزو، فإن التقديرات الصادرة من وكالة الاستخبارات المركزية ولجنة المخابرات القومية قبل الحرب حذرت إدارة بوش من أن الغزو سيتسبب بمجتمع عراقي منقسم وقابل للصراع العنيف، وتزايد التعاطف مع الأهداف الإرهابية، وقد سمحت زعزعة الاستقرار والفراغ في السلطة، اللذان تبعا الغزو، لتنظيم الدولة بالنشوء، ما يجعل التنظيم عملا أمريكيا غير مباشر وتحقيقا لأهداف أسامة بن لادن من هجمات 11/9".
ويقول تشو إن "تقريرا قام به فريق عمل للجنة ديفنس ساينس عام 2004 توصل إلى أن (المسلمين لا يكرهون حريتنا، لكنهم يكرهون سياساتنا)، وفي الواقع فإن المسؤولين الأمريكيين يعرفون منذ نصف قرن أن سياسة أمريكا في الشرق الأوسط تولد الكراهية نحوها، واستمروا فيها بوعي على أي حال، وقد أشار دوايت آيزينهاور عام 1958 لموظفيه بأن هناك (حملة كراهية ضدنا، ليس من الحكومات، لكن من الناس)، وأشار مجلس الأمن القومي في إدارته في وقت لاحق إلى أن (غالبية العرب) -الذين يصنفون على أنهم (قوميون عرب)- يعتقدون أن أمريكا (تسعى لحماية مصالحها في نفط الشرق الأدنى بدعم الوضع القائم ومعارضة التقدم السياسي والاقتصادي)".
ويفيد الكاتب بأن "تقرير المجلس أشار بوضوح إلى أنه ليس بإمكان أمريكا (استيعاب) مطالب (القوميين العرب) بسبب (الاختلاف يبن مصالحنا)، ووجد التقرير أن هناك (ضرورة محتملة لاستمرار نشر القوات في الشرق الأدنى، مع احتمال وقوع حوادث كبير، وما يحمل ذلك من مخاطر قيام حرب)".
ويلفت تشو إلى أن "أمريكا قامت برعاية أسامة بن لادن والمجاهدين في ثمانينيات القرن الماضي للحرب ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وتوقع تقرير للبنتاغون في 2012، بل إنه رحب باحتمال قيام (إمارة سلفية)؛ لأنه كان يأمل أن يقود تنظيم، مثل تنظيم الدولة، تمردا مسلحا يضعف الحكومة السورية".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لا يستطيع إعلام الشركات أن يذكر هذه المعلومات عند تغطيته لموت البغدادي، ولا الحديث عن الحروب بلا نهاية في الشرق الأوسط، فإخبار قرائهم عن احتمال أن يكون المسؤولون الأمريكيون يعرضون بوعي الأمريكيين للخطر برعاية وتمويل المجموعات الإرهابية، أو أن بعض جوانب السياسة الأمريكية الخارجية يمكن أن تسمى إرهابا، سيهدد الإمبريالية الأمريكية، والمنظومة العسكرية والصناعية والإعلامية كلها، وكل ما تقوم عليه ما تسمى (الحرب على الإرهاب)".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)