هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا مطولا، أعده مراسلها غيث عبد الأحد، يتحدث فيه عن كارثة عبارة كشفت عن الفساد الذي يدمر العراق.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مدير المدرسة الأستاذ أحمد، كان يخطط ليوم راحة في عيد النيروز، حيث شعر أن الحياة بدأت تتغير بعد ثلاثة أعوام من حكم تنظيم الدولة، خسر فيها وظيفته مديرا، وعاش وضعا صعبا اعتمد فيه على والدته وعائلة زوجته التي باع جزءا من مجوهراتها.
ويلفت عبد الأحد إلى أنه بعد عامين من هزيمة الموصل عاد إلى وظيفته، إلا أن المدينة لا تزال في حالة من الدمار، ومدرسته لا تعمل بكامل قوتها، فـ"الموصل هي مدينة حطمتها الحرب والفساد وذابت فرحة التحرير بسبب فشل عملية إعادة إعمار المدينة، فيما لم يتم الوفاء بإعادة البناء، أما الجسور الخمسة التي تمتد على طول دجلة فإما دمرت أو معلقة بالطوافات العسكرية، ولا يزال مئات الآلاف من الذين شردتهم الحرب في المخيمات وحالة الأمن في تدهور، وعاد تنظيم الدولة".
وتنوه الصحيفة إلى حالة الغضب التي تعم العراق كله، والتظاهرات التي تطالب بإعادة تشكيل النظام السياسي، مشيرة إلى أنه بعد شهرين من الاحتجاجات، ومقتل 400 شخص، وجرح الآلاف، واستقالة رئيس الوزراء، إلا أن الجماهير لا تزال في الساحات منتظرة تحقيق بقية المطالب.
ويستدرك التقرير بأن ما يبقى هو روح المثابرة والتصميم لدى أهل الموصل وعقليتهم التجارية، ففي المراحل الأخيرة من الحرب، حيث استعادت القوات العراقية أحياء المدينة حيا تلو الآخر، كانت تلك التي تم تحريرها تعود للحياة من جديد، وعادت العائلات إلى بيوتها، وتعاونت مع المتطوعين لتنظيف الأنقاض، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي كان فيه القتال مستعرا في حي قريب كانت الأحياء الأخرى تفتح محلاتها وتبدأ في التجارة، حتى باستخدام ما تبقى من مواد، ودون ماء أو كهرباء، ومن كان لديه بعض المال بدأ في بناء بيته.
ويقول الكاتب إن الموصل وما حولها أصبحت في جزء منها تحت سيطرة الجناح الاقتصادي لمليشيا مسلحة، تقوم بالحصول على عقود عامة مقابل رشاوى كبيرة، وتسيطر على تجارة الحديد وتهريب النفط، وتفرض ضريبة على حركة النقل، مشيرا إلى أن التجارة التي تديرها المليشيا لا تخضع للمحاسبة، بالإضافة إلى أنه لا ويمكن تتبع الأموال التي تملكها بسبب الخوف والفساد، و"كانت النتيجة هي أن سكان الموصل، مثل أحمد وعائلته، الذين أردوا الاستمتاع بأول إجازة لهم بعد التحرير، هي كارثة".
وتصف الصحيفة تفاصيل غرق عبارة كانت تحمل مئات المتنزهين الباحثين عن يوم راحة في جزيرة أم الربيعين، حيث فقد أحمد عائلته، وكيف قامت الشرطة باعتقال كل من يعمل، بينهم أصحاب المطاعم والمقاهي، أما أصحاب ومديرو الجزيرة اختفوا.
ويشير التقرير إلى أن شابة اسمها آية كانت مع أمها وأختها وعماتها في نزهة، وأنقذها صاحب قارب، بدأت تصرخ على رجل شرطة مصدوم، وتسأله عن عائلتها، وقد بدا أمام عينيها عجز الحكومة العراقية.
ويبين عبد الأحد أنه في العراق الغني بالنفط لم يكن لدى دائرة الشرطة النهرية في الموصل سوى قارب واحد، وكان عاطلا عن العمل، ولم تكن لديها أي حبال أو سترات نجاة لرميها إلى الأشخاص الذين غمرتهم المياه، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي قفز فيه مدير الشرطة بأحد القوارب المدنية وذهب لإنقاذ الغرقى، فإن رجاله وقفوا يحدقون في الضفة، ولم يعرفوا ماذا يفعلون، فهم لم يتدربوا لمواجهة أزمة كهذه، ولا يعرف أكثرهم السباحة.
وتقول الصحيفة إنه في عراق الفساد دفع الكثير من هؤلاء الأشخاص الرشاوى ليحصلوا على وظيفتهم المريحة قرب النهر، وليس العمل في وظائف خطيرة، مشيرة إلى أن شهلا، التي خرجت مع أمها وجارتها أم يوسف إلى الجزيرة في نزهة، تصف مشهد المستشفى الذي نقلت إليه بعد إنقاذها بالفوضوي، وتقول إن الجثث كانت ملقاة في سيارات الإسعاف، واكتشفت شهلا أن والدتها قد ماتت.
ويلفت التقرير إلى أن المشرحة في الموصل هي أكثر المؤسسات تنظيما في المدينة، حيث بدأت الجثث تصل من العبارة، وكان على مديرها حسن واثق تنظيم عملها، ومنع سرقة الجثث؛ لأن القانون العراقي لا يعترف بالوفاة إلا بعد خمس سنوات من فقدان الجثة، مشيرا إلى أن واثق وفريقه استطاعوا أخذ عينات الحمض النووي ومقارنته مع تلك الموجودة في السجلات، ووضع صورا لوجوه الأشخاص وأسماء من كانوا يحملون هويات.
ويذكر الكاتب أن معظم الجثث كانت للأطفال والنساء، فمن بين 128 جثة كانت هناك 57 امرأة و44 طفلا و69 جثة لا تزال مفقودة، فيما عثر على آخر جثة في أيلول/ سبتمبر، أي بعد 11 شهرا من الكارثة.
وتقول الصحيفة إنه في بلد تعود على رؤية الجماعات المسلحة والجيوش الغازية، فإن مشهد الجثث من كارثة العبارة كان محزنا، كما يقول مدير المشرحة، مشيرة إلى أنه عندما اكتشف الناس أن الشرطة النهرية حذرت من ارتفاع منسوب المياه، فإن الحزن تحول إلى غضب على الدولة وملاك الجزيرة.
وينوه التقرير إلى أن رئيس الوزراء جاء في مساء يوم الكارثة، وأعلن حدادا لمدة ثلاثة أيام، وأعلن عن تشكيل لجنة تحقيق، وقال إن القتلى شهداء، مشيرا إلى أن الرئيس جاء في الليلة ذاتها، وتم استقباله بالصراخ والسخرية، ووضع في سيارة شرطة ونقل من المكان.
ويفيد عبد الأحد بأنه بعد أيام من الكارثة كشفت الصحافة عن علاقة مالك الجزيرة عبيد الحديدي مع مليشيا متشددة، في الوقت الذي كان فيه الناس يخشون الحديث قبلها عن الأذرع الاقتصادية للمليشيات، لافتا إلى أن التظاهرات والاعتصامات بدأت، وتم التحقيق مع حاكم الموصل نوفل الحمادي، بتهم اختلاس المال العام والمساعدات الدولية، واتهم بالتورط في تجارة المليشيات المسلحة، لكنه قال في مؤتمر صحافي: "أنكر تلقي ولو سنت أو دينار من أي جهة".
وتنقل الصحيفة عن أحد أعضاء مجلس بلدية الموصل، شارك في التحقيق، قوله إن العبارة كانت مزدحمة، وتسير في مياه سريعة، "بحسب التعليمات لا يسمح للعبارة بالمسير أكثر من 700 متر في الدقيقة، ومن الأفضل 300- 400 متر، وألا يتعدى عدد ركابها 80 راكبا، وفي ذلك اليوم الذي غرقت فيه العبارة كانت تحمل 287 شخصا وتسير بسرعة 1400 متر في الدقيقة".
ويورد التقرير نقلا عن المستشار، قوله إن ملاك الجزيرة يتحملون المسؤولية لأنهم تجاهلوا التعليمات، ويضيف: "تم إبلاغ صاحب العبارة قبل ليلة ووقع على مذكرة، لكنه أراد الاستفادة من الأعداد الكبيرة، فيما تتحمل المؤسسة التي تراقب العبارة مسؤولية فشلها في تحمل مسؤولياتها".
ويجد الكاتب أن حقيقة حصول ملاك الجزيرة على دعم مليشيا مسلحة، وهي عصائب أهل الحق، تجعل من غير المحتمل أن يكون قد تم فرض عليهم شروط.
وتنقل الصحيفة عن النائب عن الموصل شيروان الدوبرداني، الذي كان في لجنة التحقيق البرلمانية، قوله إنه حضر اجتماعا بين الرئيس ورئيس البرلمان ومحافظ الموصل، أكد فيه علاقة أمير حرب قوي، اسمه حيدر الساعدي بالجزيرة، حيث وفر رجاله الأمن، مشيرة إلى أن الساعدي يسيطر منذ نهاية تنظيم الدولة على تجارة حديد الخردة، ويدير شركات واجهة للمليشيا وحزبها السياسي، التي منحها المحافظ عقودا تجارية.
ويذكر التقرير أن عبيد الحديدي كان مقاولا متوسط الحال قبل سقوط الموصل، وفي ظل تنظيم الدولة بنى ثروة كبيرة من خلال شراء وبيع أراض وبيوت تعود للمسيحيين الذين طردهم التنظيم، وفي عام 2015 اشترى عقد الجزيرة وأدارها لمدة عام، قبل أن يغلقها بسبب عدم توفر الكهرباء واقتراب الحرب، فيما تم صدور بلاغ للقبض عليه بعد هزيمة التنظيم بتهم الإرهاب، لكن تدخل الساعدي أدى إلى إسقاط التهم الموجهة إليه.
ويكشف عبد الأحد عن أن الحديدي دفع خمسة مليارات دينار عراقي، ومنح حصة 30% من الجزيرة للساعدي، وقال في مقابلة مع قناة تلفزيونية عراقية، إنه وابنه لم يكونا في الموصل يوم الحادث، وأشار إلى أنهما هربا بسبب طلب عصائب الحق مبلغا ماليا كبيرا منهما، وأضاف: "عادة ما نغلق الجزيرة عند ارتفاع منسوب المياه، لكننا لم نكن في الموصل بسبب التهديدات"، وتم اعتقالهما في أربيل ونقلا إلى سجن في الموصل.
وتورد الصحيفة عن متحدث باسم عصائب الحق، قوله: "حتى لو قبلنا شراكة شخص في الحركة مع مالك الجزيرة، فهذا لا يعني تحملنا المسؤولية".
ويشير التقرير إلى أن أحمد رفض مشاهدة جثة زوجته ولم يحضر جنازتها، وعثر على ابنه بعد أيام، فيما لم يعثر على جثة الرضيع والطفل الآخر، وطلب من والدته أخذ الصور وكل ما يمت لأطفاله بصلة؛ لأنه لم يعد قادرا على تحمل صورهم، لافتا إلى أن أحمد لا يلوم مالك العبارة أو عجز الحكومة، لكنه يبحث عن طرق لأخذ العدالة من مالك الجزيرة ومن الناس الذين وقفوا متفرجين دون تقديم المساعدة للغرقى.
ويقول الكاتب إن آية حملت الفساد والإهمال المسؤولية، ومعاملة المواطنين وكأنهم لا شيء، قائلة: "لا أحد يهتم بما يحدث هنا.. سيتم نسيان العبارة كما تم تناسي الذين ماتوا"، مشيرا إلى أنه بعد وفاة والدتها بدأت تتلقى مكالمات من شيوخ القبائل للضغط عليها لتقبل دية 10 ملايين دينار وقطعة أرض لو سحبت الاتهامات ضد مالك الجزيرة وابنه، وقال لها شيخ قبيلة إن العائلات كلها قبلت إلا هي، وتقول: "أرفض التوقيع والعائلات كلها وقعت لحاجتها للمال، ولأن الدولة لن تعطيها شيئا ولا أعرف ما أفعل".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن نائب الموصل أكد صحة تدخل شيوخ العشائر والوسطاء، قائلا إن انتظار العائلات للعدالة سيكون طويلا، ولن تحصل على شيء، وأضاف: "هناك الآلاف من حالات القتل والاغتيالات التي لم تحل، وتم نسيان أسوأ كارثة في العراق بعد 72 ساعة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)