هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمراسلتها بيل ترو، تتحدث فيه عن تجارة الحرب المربحة في اليمن لأهل دارفور.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ترو قابلت المقاتلين السودانيين، الذين أخبروها عن الثروات الخيالية التي تدفع الآلاف من أبناء المنطقة إلى القتال، في وقت تزداد فيه مظاهر التوتر في داخل البلاد.
وتبدأ ترو تقريرها بالقول: "يمكنك الحصول على مال كثير في القتال في اليمن أكثر مما يمكنك الحصول عليه في حياتك كلها"، مشيرة إلى هذه المقولة تنتشر في شوارع دارفور، حيث تحولت حرب تجري بعيدا عن المنطقة بحوالي ألفي كيلومتر إلى أكبر مصدر للعمالة في الإقليم.
وتلفت الصحيفة إلى أنه لا يخلو بيت من شخص ذهب إلى القتال هناك، فعلى مدى الخمسة أعوام الماضية اعتمدت دول الخليج على قوات الدعم السريع والجيش السوداني للقتال مع قوات الحكومة اليمنية ضد جماعة الحوثي التي تدعمها إيران.
ويستدرك التقرير بأنه رغم المخاطر التي تنتظر المقاتلين، إلا أن "الثراء الخيالي" دفع عشرات الآلاف من رجال وأطفال دارفور إلى مراكز التجنيد، فعمل لمدة ستة أشهر في اليمن يعني حصول المجندين، الذين جاءوا من أفقر الطبقات الاجتماعية في دارفور، على مليون جنيه سوداني (17 ألف جنيه إسترليني)، وهو مبلغ لا يحلمون في الحصول عليه طوال حياتهم، فيما يحصل الضباط العسكريون على ضعف المبلغ.
وتنوه الكاتبة إلى أن مستوى دخل الفرد في السودان يبلغ 190 دولارا في الشهر، وهو أقل بالنسبة للمزارعين وأصحاب المواشي، مشيرة إلى قول السكان إن المقاتلين المسلحين الأثرياء العائدين إلى الإقليم زادوا من التوتر في المنطقة، التي مزقتها 16 عاما من الحرب الأهلية، فيما يقول آخرون إن أعداد المقاتلين العائدين زادت من صفوف قوات الدعم السريع، التي تتهمها جماعات حقوق الإنسان بارتكاب جرائم إبادة في المنطقة.
وتنقل الصحيفة عن أحد قادة قوات الدعم السريع، الذي عاد من القتال في جنوب اليمن بداية هذا العام، قوله: "كانت الحرب في اليمن أكبر مصدر للرزق في دارفور، وهي الطريق للخروج من الفقر بالنسبة للشباب"، وأضاف: "من المستحيل كسب مليون جنيه سوداني حتى في أحلامك، إن الدافع اقتصادي بحت، فلن يغامر السودانيون للقتال في بلد لا علاقة لهم بقضيته".
ويشير التقرير إلى أن الأب لأربعة أولاد تحدث من بيته في الفاشر، عاصمة ولاية دارفور، حيث كان يعاني من الملاريا التي لم يستطع التعافي منها منذ عودته من اليمن، لافتا إلى أن موجة من الملاريا وحمى الضنك انتشرت بشكل جعل الناس يعتقدون بأن من عادوا إلى السودان من اليمن هم من جلبوها معهم.
وتورد ترو نقلا عن القائد في قوات الدعم، قوله إن محاولات الحصول على فرصة للسفر إلى اليمن زادت من عدد الطلبات عشرة أضعاف الأماكن المتوفرة، مشيرة إلى أنه بعد اختيارهم يرسلون إلى معسكرات تدريب لمدة 3 أشهر قبل سفرهم للقتال في جبهات اليمن.
وتنقل الصحيفة عن القائد، قوله إن العائلات باتت تخشى من إرسال أولادها إلى المدارس؛ لخوفها عليهم من التسرب والتسجيل للقتال في اليمن، ويضيف أن "بعض العائلات تريد إرسال أبنائها لأنك لو أرسلت اثنين من أولادك ستحل مشكلات العائلة وللأبد".
ويلفت التقرير إلى أن عدد المقاتلين والجنود السودانيين في فترة الذروة 2016 – 2017، وصل إلى 40 ألفا، حيث تم نشرهم إما داخل اليمن أو على الحدود السعودية مع اليمن، مشيرا إلى أن الإقبال على التجنيد كان كبيرا، لدرجة أن عشرات الآلاف شاركوا في القتال، بالإضافة إلى وجود عدد من القاصرين، مع أن قيادة قوات الدعم السريع نفت اتهامات كهذه.
وتذكر الكاتبة أنه يدفع للأطفال المقاتلين أقل من الكبار، لكنهم يحصلون على 8 آلاف جنيه إسترليني، لافتة إلى أنه لكون التجنيد مغريا فإن عائلات دفعت بأبنائها وبعضهم لم يكن سنه يتجاوز عن الـ 14 عاما.
وتفيد الصحيفة بأن جنود الدفع السريع قاتلوا في المدن الساحلية في اليمن مثل المخا، ويقول المقاتلون السابقون إن مهامهم كانت من أجل تأمين المدن التي سيطرت عليها القوات اليمنية، وعملوا أيضا حراسا للجنود الإماراتيين في الجنوب.
وينوه التقرير إلى أن الجنود السابقين تحدثوا عن مخاطر العمل تحت إطلاق النار الكثيف، ومواجهة الكمائن، والمرور في مناطق مزروعة بالألغام، مشيرا إلى أنه من غير المعلوم كم عدد الجنود السودانيين الذين قتلوا أو جرحوا، وفي عام 2017 أعلن العقيد محمد حمدان حميدتي عن مقتل 412 من قواته في اليمن.
وتنقل ترو عن القائد في قوات الدعم السريع، قوله: "من المثير للقلق إرسال السودانيين 15 ألف شخص وتعريض حياتهم للخطر، والتدخل في حرب قاتلة لا علاقة لهم بها"، وأضاف: "لماذا نبحث عن التدخل في دول أخرى قبل أن نحل مشكلاتنا".
وتفيد الصحيفة بأن الرئيس السابق عمر حسن البشير هو أول من وقع اتفاق إرسال المقاتلين السودانيين للقتال في حرب دول الخليج، وتم إرسال مقاتلي قوات الدعم السريع إلى داخل اليمن، أما القوات السودانية النظامية، التي يتلقى أفرادها رواتب أقل، فقد تم نشرها على الحدود السعودية مع اليمن.
ويورد التقرير نقلا عن الخبراء، قولهم إن الأموال المخصصة لمقاتلي الدعم السريع تذهب مباشرة إلى حميدتي، الذي حقق ثروة من الحرب، فمنذ عام 2015 جند المقاتلون من دارفور، حيث نشأت قوات الدعم السريع، وهي الولاية التي وجهت فيها اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية إلى البشير، الذي أطاحت به ثورة شعبية في نيسان/ أبريل هذا العام، وأصبح حميدتي المقرب منه جزءا من المؤسسة الأمنية التي أطاحت به، وهو الآن نائب رئيس مجلس السيادة.
وتقول الكاتبة إن الحكومة الانتقالية في مرحلة ما بعد الثورة تحاول خفض عدد القوات السودانية في اليمن، فقال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك لـ"إندبندنت" إنه لا يوجد حل عسكري للحرب في اليمن، وأعلن حميدتي عن خفض عدد القوات في اليمن.
وتستدرك الصحيفة بأن سكان دارفور يتحدثون عن الضرر الذي حدث بسبب اليمن، ويخشون من عسكرة المنطقة على يد ما يشبهون المرتزقة الذين قاتلوا في الحرب، وقوات الدعم السريع التي تعززت قوتها، المتهمة بارتكاب جرائم حرب، فيما يخشى البعض من وجود عناصر من هذه القوات في المخيمات التي شرد أهلها من القرى.
وينقل التقرير عن إسماعيل خير (23 عاما)، الذي عاش في معسكر أبي شوك قرب الفاشر، بعد حرق قريته كالا في عام 2009، قوله إن حرب اليمن جرأت المليشيات، "لقد جندوا الكثير من الناس للحرب التي قادتها السعودية في اليمن، التي قوتهم ومنحتهم المال والسلاح.. عادوا بسلاحهم وتدريبهم وأموالهم، وهم مستعدون لذبح وقتل الناس، وهذا ما يثير القلق".
وتقول ترو إن القلق لم يمنع الناس من إرسال أولادهم مع الدعم السريع، حتى لو كانوا من المعارضين لها، مشيرة إلى أن الصحيفة التقت مع ضابط تقاعد من الجيش، وقال إنه يريد القتال في اليمن حتى يحسن وضع عائلته المالي، ورغم كراهيته لما فعلته قوات الدعم السريع لمنطقته، إلا أنه يكافح للبقاء ولا يكفيه راتبه التقاعدي من الجيش السوداني، وهو 85 ألف جنيه سوداني (1400 جنيه إسترليني)، وأضاف: "الوضع الاقتصادي هنا صعب، والطريقة الوحيدة للخروج من هذا الوضع هي من خلال الانضمام إلى قوات الدعم السريع في اليمن.. يمكن كسب 3 ملايين جنيه إسترليني في العام، ولهذا تستطيع شراء سيارة وبيت والتقاعد، وهذه أموال لا يمكن تحصيلها طوال العمر، ولا يمكن تخيلها".
وتورد الصحيفة نقلا عن الضابط المتقاعد، قوله إنه بعد تخفيف قوات الدعم السريع عمليات التجنيد أصبح من الصعب الحصول على فرصة، وأضاف: "حاولت أكثر من مرة تقديم أوراقي وخبرتي إلى قوات الدعم السريع ولكنهم قالوا ليست لديهم شواغر".
وبحسب التقرير، فإن الناس أصبحوا راغبين في الذهاب إلى اليمن قبل أن يسحب السودان قواته كليا منها، لدرجة أن الكثيرين يدفعون للوسطاء 100 ألف جنيه سوداني لدفع طلباتهم، مشيرا إلى أنه حتى مع وجود الوساطة فإن هذا الضابط لا يرى فرصة ليذهب مع قوات الدعم السريع الذين يجندون عادة من قواتهم داخل العشائر العربية، قائلا إن هذا يؤدي للانقسام، "يريدون تقوية القبائل العربية، ولهذا السبب يجندون جماعتهم".
وتنقل الكاتبة عن الصحافي المحلي "محمد"، الذي قبضت عليه قوات الدعم السريع للتحقيق في نشاطات الدعم السريع في اليمن، التي أدت إلى انتشار الفساد داخل الأجهزة الأمنية في الولاية، الذي تحدث عن وجود جنود وهميين، حيث تقوم عائلات بوضع أسماء أبنائها على القوائم رغم عدم خدمتهم، قوله: "أخبرني صديق يعمل سائقا لدى قوات الدعم السريع أن اسمه على القائمة ليذهب إلى اليمن، لكنه لم يغادر السودان ولا يزال يحصل على المال وكأنه قاتل"، وأضاف أن من لهم صلات يضعون أسماءهم ولا يقاتلون أبدا.
وتورد الصحيفة نقلا عن صحافي آخر قاتل شقيقه في اليمن، قوله إن الحرب في هذا البلد أدت إلى نزاع داخل قوات الدعم السريع، وتعرض الجنود العائدون لسرقة أموالهم بعد عودتهم على يد زملائهم، وأضاف أن الحرب أدت إلى زيادة أعداد قوات الدعم السريع لأكبر قوة في البلاد، "وسمحت لها للتوسع إلى التجارة والصناعات الأخرى مثل الإنشاءات والذهب".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أنه يقال إن الحرب كانت مصدرا للتمويل لحميدتي، الذي أصبح مليارديرا، فيتم تحويل الأموال القادمة من الخليج عبر السوق السوداء قبل توزيع الرواتب إلى الجنود، ويتم اقتطاع الزيادة التي تذهب إلى كبار قادة قوات الدعم السريع، لافتة إلى أن حميدتي اعترف بأنه دفع للدولة السودانية مليار دولار.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)