نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعده كل من إدوارد وونغ ولارا جيكس، يقولان فيه إن وزير الخارجية الأمريكي مايك
بومبيو قلب الشرق الأوسط رأسا على عقب عندما دفع الرئيس دونالد
ترامب لقتل الجنرال
الإيراني قاسم
سليماني.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن بومبيو كان في الأسبوع الماضي من أعلى الأصوات في الإدارة الأمريكية الداعية لقتل أهم جنرال إيراني، لكنه عاد هذا الأسبوع بصفته أهم دبلوماسي أمريكي لاحتواء الأزمة الدولية التي خلقها بقتل الجنرال.
ويلفت الكاتبان إلى أنه كما هي العادة فإن بومبيو لم يتنازل عن موقفه، وقال للصحافيين: "لقد رأيتم، وبطريقة تكتيكية، رد الرئيس في الأيام الأخيرة عندما اتخذ الإيرانيون القرار السيئ وقتلوا أمريكيا"، في إشارة إلى مقتل المتعهد الأمريكي في 27 كانون الأول/ ديسمبر، عندما أطلقت مليشيا صواريخ على قاعدة عسكرية قرب كركوك في شمال العراق، وأضاف بومبيو: "نأمل ألا يتخذوا قرارا سيئا كهذا".
وترى الصحيفة أن قتل الجنرال الإيراني أكد موقع بومبيو بصفته ثاني أهم شخص مؤثر في إدارة ترامب، وبعد الرئيس نفسه، وهو صقر يتسم بالشجاعة والطموح، مشيرة إلى أنه العضو الوحيد في الحكومة الذي يقوم بترطيب علاقات أمريكا مع بقية العالم.
وتستدرك الصحيفة بأنه بصفته الرجل الذي برز في مركز الجدال الذي قاد إلى الطائرة المسيرة التي قتلت الجنرال سليماني، والذي دفع ترامب للخروج من الاتفاقية النووية عام 2018، فإن لديه دورا غير عادي لتشكيل استراتيجية الأمن القومي، بشكل يجعل من مهمته الدبلوماسية صعبة.
وينقل التقرير عن كاتب الخطابات الرئيسي السابق في البنتاغون ومؤلف كتاب جديد عن مجلس الأمن القومي الذي يضم بومبيو، جون غانز، قوله: "انتهى بومبيو بالحصول على القرار الذي يريده، لكن الفوضى التي تبعت ذلك، والتفسير الضعيف حول التهديد، والبيانات العامة غير المنظمة، والجهود العسكرية والدبلوماسية المتعجلة، حدت من فعالية السياسة، وعرضت البلد والرئيس للخطر".
وينوه الكاتبان إلى أن الكونغرس يطالب بومبيو وبقية المسؤولين البارزين بتقديم شهادات عن المعلومات الأمنية التي قادت إلى تفجير موكب سليماني يوم الجمعة خارج مطار بغداد الدولي.
وتقول الصحيفة إنه في ضوء الرد الإيراني القوي، ربما عرف بومبيو (56 عاما) بالرجل الذي ساعد على جر الولايات المتحدة إلى نزاع في الشرق الأوسط، وكسر واحدا من وعود ترامب الانتخابية التي وعد فيها بوقف الحروب اللانهائية في الشرق الأوسط، في وقت يحضر فيه الرئيس لحملة إعادة انتخابه.
ويشير التقرير إلى أن إيران قامت في الساعات الأولى من صباح الأربعاء بهجمات صاروخية على قاعدتين يعمل فيهما الجنود الأمريكيون في العراق، لافتا إلى أن المسؤولة البارزة في إدارة بارك أوباما ويندي شيرمان، التي ساعدت في عمليات التفاوض على المعاهدة النووية مع إيران عام 2015، قالت: "أعتقد أن وزير الخارجية يقوم بدور ساذج ومدمر في هذا كله".
ويورد الكاتبان نقلا عن بومبيو والمسؤولين الأمريكيين، قولهم إنهم قيموا المخاطر المتعلقة بعملية الاغتيال، وقال بومبيو إن السبب الذي دفع للتحرك لاغتيال سليماني "هي جهوده نيابة عن الإرهابيين في بناء شبكة وحملة نشاطات قد تؤدي إلى مقتل المزيد من الأمريكيين".
وتقول الصحيفة إن موقع بومبيو تراجع بين الدبلوماسيين المخضرمين في الخريف عندما بدأت التحقيقات في إجراءات عزل الرئيس، عندما تبين أنه ساعد في سياسة ترامب السرية تجاه أوكرانيا، وفقد بعضا من ثقة الرئيس عندما فشل في منع عدد من الدبلوماسيين في الخارجية من تقديم شهادات إلى الكونغرس.
ويفيد التقرير بأن أزمة إيران تمثل المخاطر ذاتها لبومبيو، الذي كان يفكر بترشيح نفسه عن مقعد كنساس، إلا أن المقربين منه يقولون إن عينه الآن على انتخابات الرئاسة في عام 2024.
وينقل الكاتبان عن مسؤولين، قولهم إن الأزمة تتكشف بطريقة لم يتوقعها ترامب والمسؤولون البارزين، فقد خرج الملايين من الإيرانيين إلى الشوارع احتجاجا على مقتل سليماني، في تغير مهم عما كان قبل أسابيع فقط عندما شجب المتظاهرون الحكام في طهران، ومن بينهم آية الله خامنئي.
وتلفت الصحيفة إلى أن المرشد الأعلى قال إن أي رد على مقتل سليماني يجب أن يكون "مباشرا ومتناسبا وتقوم به إيران بنفسها"، مشيرة إلى أن الأوروبيين عبروا عن غضبهم لبومبيو، لأنهم لم يطلعوا على خطط القتل مقدما.
ويذكر التقرير أن بومبيو لم يكن قادرا على إقناع الحكومة العراقية بأن الولايات المتحدة ستظل شريكا يوثق به، مشيرا إلى أن البرلمان الغاضب على ما رآه المسؤولون العراقيون خرقا للسيادة الوطنية، دعا يوم الأحد إلى طرد أكثر من 5 آلاف جندي أمريكي من العراق.
ويبين الكاتبان أن الدبلوماسيين وبقية العاملين في السفارة في بغداد يعيشون في حالة من التأهب، فيما انتقل بعضهم بالطائرات بحثا عن مأمن في عاصمة إقليم كردستان أربيل، وقد زادت وزارة الدفاع 4500 جندي إلى الـ50 ألف جندي كانوا موجودين في الخليج، مشيرين إلى أن السفارات الأمريكية حول العالم طلبت من الرعايا الأمريكيين التزام الحذر من هجمات محتملة، وهو ما يناقض كلام الخارجية التي قالت إن قتل سليماني سيوقف هجمات وشيكة.
وتقول الصحيفة إن أمن العاملين في السفارات الأمريكية يعد مهما لبومبيو، الذي أدى دورا قياديا في شجب الهجوم على بنغازي الذي قتل فيه السفير الأمريكي في عام 2012، وكان بومبيو في حينه نائبا عن ولاية كنساس، وعندما تولى إدارة "سي آي إيه" حذر العاملين معه أنه لا يريد "أي بنغازي".
وينوه التقرير إلى أن بومبيو وترامب عبرا عن غضبهما من صور المليشيات التي تدعمها إيران وهي تزحف نحو السفارة الأمريكية في بغداد يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر، وقال مسؤول بارز في الإدارة إن تهديدات خطيرة غير محددة كانت وراء اتخاذ ترامب قراره بقتل سليماني.
ويستدرك الكاتبان بأنه لم يحدث أي هجوم كبير ضد السفارة، رغم تأكيدات بومبيو، كما لم يجد مسؤولو البنتاغون معلومات أمنية غير عادية تشير إلى حدوث هجمات وشيكة، مشيرين إلى أن بومبيو لم يؤكد يوم الخميس كلامه حول التهديد الوشيك، لكنه كرر المخاطر السابقة، وقال: "لو أردتم البحث عن أمر حتمي، فلا تحتاجون إلا للنظر إلى الأيام التي قادت على الغارة ضد سليماني"، في إشارة إلى الغارة التي قتلت في 27 كانون الأول/ ديسمبر المترجم نورس حميد.
وتفيد الصحيفة بأن الأمريكيين قاموا لاحقا بغارات قتلت 25 من عناصر مليشيا كتائب حزب الله، مشيرة إلى أن المسؤولين الأمريكيين قالوا إن الأشهر الماضية شهدت11 هجوما قامت بها المليشيات الموالية لإيران، نفذت على قواعد يعمل فيها الأمريكيون والدبلوماسيون والمتعهدون في العراق.
ويشير التقرير إلى أن النقاد يرون أن بومبيو، الذي يعد الشخص الوحيد الناجي من فريق الأمن القومي الأول لترامب، هو المسؤول عن تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، لافتا إلى أن بومبيو، بصفته أول مدير لـ"سي آي إيه"، فإنه أنشأ مركزا للتعامل مع إيران، وعين مايل دانديريا رئيسا له، وهو موظف مخضرم في الوكالة اعتنق الإسلام، ويعرف بأمير الظلام الذي أشرف على عمليات ملاحقة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
ويلفت الكاتبان إلى أنه في كانون الأول/ ديسمبر 2017 قال بومبيو إنه أرسل رسالة إلى الجنرال سليماني، حذره فيها من استهداف الأمريكيين في العراق، حيث كان سليماني في سوريا عندما تلقى الرسالة، وكان يدير الجماعات التي تقاتل تنظيم الدولة، ما يعني أنه كان من الناحية الاسمية على الجانب ذاته في مواجهة التنظيم الجهادي.
وتذكر الصحيفة أنه بعد أيام من تولي ترامب منصب وزير الخارجية، فإنه دفع الرئيس ترامب للخروج من الاتفاقية النووية، وفرض نظاما متشددا من العقوبات على إيران، وأقام علاقات قوية مع السعودية والإمارات وإسرائيل، التي تعادي إيران لكن أجندتها تتضارب أحيانا مع المصالح الأمريكية، وفي نيسان/ أبريل 2019 نصح ترامب بتصنيف الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية، وهذه هي المرة الأولى التي تصنف فيها الولايات المتحدة فرعا من حكومة أخرى إرهابيا.
وينوه التقرير إلى أنه بعد الهجوم على السفارة في بغداد في 31 كانون الأول/ ديسمبر، بدأ بومبيو بالدفع باتجاه قتل سليماني، الذي كان من ضمن لائحة خيارات قدمتها وزارة الدفاع لترامب.
ويرى الكاتبان أن موقف بومبيو المتشدد تجاه إيران قد يزيد من شعبيته داخل الحزب الجمهوري، الذي دعا أفراد منه لاتخاذ مواقف متشددة تجاه إيران، بما في ذلك تغيير النظام.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن قطاعا من الناخبين المحافظين الداعمين لإسرائيل، بينهم الإنجيليون، يحبون بومبيو، وقد استحضر بومبيو في زيارة لإسرائيل العام الماضي أجزاء من الإنجيل، فقال إن ترامب هو مثل الملكة إستير، أرسله الرب لحماية اليهود من إيران.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)