هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
صفقة القرن التي أعلن عنها ترامب ما هي سوى النسخة الأخيرة من المطالب العنصرية والاستعمارية لدولة إسرائيل.
لا تسأم الدعاية الغربية والإسرائيلية من إخبار العالم عن بحث إسرائيل الذي لا يفتر عن السلام ومدى توق إسرائيل لأن يقبل بها الفلسطينيون وبقية الشعوب العربية كدولة يهودية – كواحة للحضارة الأوروبية غرست في القلب من العالم العربي.
وبالفعل، تكررت مؤخراً على لسان جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره، تلك العبارة العنصرية التي صاغها ذات يوم وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أبا إيبان (الذي ولد في جنوب أفريقيا وكان اسمه الأصلي أوبري سولومون مائير) ومفادها أن الفلسطينيين "لم يفوتوا فرصة لتضييع فرصة سنحت لتحقيق السلام".
ففي حديث مع شبكة السي إن إن الإخبارية، صرح كوشنر الذي كان يتحدث عن صفقة القرن التي أعلن عنها ترامب أنه إذا رفض الفلسطينيون الخطة فإنهم "سيضيعون فرصة أخرى كما ضيعوا من قبل كل فرصة أتيحت لهم في حياتهم". لا تثريب على كوشنر، الذي ينسب إليه الفضل في وضع النص الأساسي للخطة، لأنه يعاني من شح في الإبداع، مثله في ذلك مثل الصهاينة الآخرين الذين استنفدوا كل ما في المعجم الاستعماري من مفردات عنصرية، فلم يعد أمامهم من سبيل سوى العودة إليها واجترارها بشكل ممجوج يبعث على الغثيان.
اغتنام كل فرصة
ما قصده أبا إيبان وكوشنر حينما تكلما عن الفرص هو الفرصة التي أتيحت أمام الفلسطينيين للتنازل عن جميع حقوقهم لصالح الاستعمار اليهودي الصهيوني الذي يحتل وطنهم، والتخلي عن مقاومتهم بشكل تام ونهائي، وإضفاء الشرعية على السطو الصهيوني على بلادهم. وذلك بالضبط هو ما تصرح به خطة ترامب دون مواربة حين تنص على أنه "يتوجب على الفلسطينيين أن يعتنقوا السلام من خلال الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ورفض الإرهاب بكافة أشكاله".
في المقابل، يقال لنا إن الصهاينة المحبين للسلام لم يفوتوا فرصة في البحث عن السلام، والمقصود من ذلك أنهم قبلوا بكل فرصة وبكل مقترح منحوا من خلاله شرعية الاستمرار في سرقة الأراضي الفلسطينية.
والحقيقة التي لا مراء فيه أن الأمر لا يقتصر على كون الصهاينة لم يفوتوا أياً من تلك الفرص، بل هم الذين أوجدوها واقترحوها وخططوا لها وعملوا على تنفيذها.
لقد استغل الاستعمار الصهيوني كل فرصة منذ ولادته ليقول للشعب الفلسطيني إن اليهود متفوقون عليهم، وإن الحقوق الاستعمارية اليهودية في الأراضي الفلسطينية مقدمة على أي حق يظن أصحاب البلاد الأصليين من الفلسطينيين أنهم يملكونه، وإن الخيار الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين والذي يمكن أن يقبله منهم الصهاينة، هو الاستسلام والإذعان التام للاستعمار اليهودي.
وكل موقف يقصر عن ذلك فسيكون عرضة للتنديد من قبل إسرائيل وحلفائها في أوروبا وأمريكا الشمالية، وهو التنديد الذي تصاحبه حملة لنزع الشرعية عن أي رفض للسطو الاستعماري الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية وإلصاق تهمة "معاداة السامية" بكل من يصدر عنه مثل هذا الرفض.
شرعنة سرقة الأرض
يذكر أن الصهاينة ساعدوا في كتابة وعد بلفور ثم أعلنوا قبولهم به، وهو الوعد الذي اعتبر من خلاله وزير خارجية بريطانيا آنذاك السكان الأصليين في فلسطين شيئاً لا يعتد به حين يتعلق الأمر بخطة إنشاء "وطن قومي" يهودي في بلادهم.
وبالفعل، فقد قبلت القيادة الصهيونية بكل إجراء قام به البريطانيون لنزع حق المواطنة عن آلاف الفلسطينيين (من خلال قانون الجنسية الفلسطينية لعام 1925) ونقل ملكية أراضي "الدولة" إلى المستعمرين اليهود.
وحينما اقترحت لجنة بيل البريطانية انتزاع أكثر من ثلث فلسطين ومنحه للصهاينة، ودعت إلى طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من ذلك الجزء "اليهودي" المصطنع من فلسطين، احتفل بذلك الزعيم الصهيوني دافيد بن غوريون.
وعندما أصدرت الأمم المتحدة، تحت ضغط من الولايات المتحدة وبتلاعب منها، خطة التقسيم في عام 1947، وهي الخطة التي منحت خمسة وخمسين بالمائة من أرض الفلسطينيين للمستعمرين اليهود، قبل بذلك الصهاينة في الحال ومضوا قدماً في ترحيل الفلسطينيين وطردهم من ديارهم.
ومنذ النكبة في عام 1948 لم يتوقف الاستعداد لإثارة الفرص لسرقة المزيد من الأرض وشرعنة السطو عليها اقتراحاً وقبولاً واختلاقاً. وبعد احتلال ما تبقى من فلسطين في عام 1967 وطرد المزيد من الفلسطينيين، سعت إسرائيل لإيجاد المزيد من الفرص للاحتفاظ بما سرقته من أرض ولضمان إقصاء الفلسطينيين عنها.
وبالفعل، عندما تنازل الرئيس المصري السابق أنور السادات في كامب دافيد عن حقوق الفلسطينيين في الاستقلال وإقامة دولة خاصة بهم، سارع الإسرائيليون الذين فرضوا تلك الشروط إلى القبول بالصفقة. وفي أوسلو عام 1993، عندما عرضت منظمة التحرير الفلسطينية، المهزومة، الاستسلام والتخلي عن حقوق الفلسطينيين في أراضيهم ووطنهم، سارع الإسرائيليون، الذي صاغوا مسودة الاتفاقية، إلى القبول بها.
إتمام جميع الصفقات السابقة
وفي ما يتعلق بصفقة ترامب – والتي صاغ نصها الإسرائيليون، والتي يُرجى منها إتمام جميع الصفقات السابقة، والتي تطالب إضافة إلى كل ما سبق بنزع المواطنة عن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل والذين يعيشون في ما يعرف بمنطقة المثلث داخل إسرائيل – سارع الإسرائيليون مباشرة إلى القبول بها لتخليص أنفسهم من مزيد من الفلسطينيين.
ما لم يقبل به الإسرائيليون إطلاقاً، وما لا يمكنهم أبداً القبول به، هو حق الفلسطينيين في أرضهم، وحقهم في إقامة دولة خاصة بهم، وحقهم في الاستقلال – ناهيك عن حق أولئك الذين هجرتهم إسرائيل في العودة واستعادة أراضيهم وممتلكاتهم التي صادرتها إسرائيل منهم، أو حق الفلسطينيين في المساواة، والذي تحول دونه وتنكره حزمة من القوانين الإسرائيلية التي تمنح اليهود امتيازات استعمارية وعنصرية.
إن الحقيقة التي لم تنكرها إسرائيل يوماً من الأيام هي أن إسرائيل لم تضيع قط أي فرصة لإنكار حقوق الشعب الفلسطيني، وأنها قبلت بكل فرصة تتيح لها سرقة المزيد من أراضيهم. يعي الفلسطينيون جيداً أن إسرائيل تطالبهم بالاعتراف بحقها في قهرهم من خلال إصرارها على أن يمنحوها الشرعية، ولكنهم ما فتئوا يرفضون ذلك رفضاً قطعياً.
بينما فوت الفلسطينيون كل فرصة للإقرار بحق قاهريهم في قهرهم، لم تفوت إسرائيل فرصة واحدة في مطالبتهم بالإذعان. وما رؤية ترامب التي تدعي تحسين معيشة الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء سوى نسخة أخيرة من هذا المطلب الاستعماري العنصري.
للاطلاع على نص المقال الأصلي في موقع "ميدل إيست آي" اضغط (هنا)