هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للباحث في الصحة النفسية والعامة والتاريخ في جامعة جورج واشنطن أمير أفخمي، يتحدث فيه عن الحالة الإيرانية وتعاملها مع انتشار فيروس كورونا المستجد، قائلا إن إيران تعودت على مواجهة كوارث وأوبئة قبل فترة طويلة من الوضع الجديد، لكنها لم تتعلم من دروس الأمس.
ويقول أفخمي في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "في الوقت الذي انتشر فيه فيروس كورونا المستجد في أنحاء إيران كان رد الحكومة غامضا وقاصرا بشكل يثير الدهشة، وأعطى الأولوية للمصالح الدينية والسياسية على سياسات المنع البراغماتية، وعندما بدأ الفيروس بالانتشار في مدينة ووهان في الصين حضرت دول أخرى أنفسها ضد المرض، أما إيران فلم تكن جاهزة، وبدلا من ذلك واصلت تصدير الأقنعة إلى الصين بشكل تسبب بأزمة وطنية عندما احتاجت إليها المستشفيات في شباط/ فبراير، ورفضت إيران فرض قيود على المسافرين إلى الصين، التي تعد أكبر شريك تجاري لها، ما كان سيمنع الآثار المؤذية على اقتصادها المترنح، الذي ضربته العقوبات الأمريكية".
ويضيف الباحث أن "الجيش الإيراني قبل شهر من تسجيل أول حالات فيروس كورونا، قام وبطريق الخطأ بإسقاط طائرة ركاب أوكرانية، وتحولت الطريقة التي تعاملت فيها الحكومة مع الحادث إلى مشهد مخجل، وعندما تمت مواجهة القيادة، التي عانت أزمة ثقة مع الجماهير بسبب تلك الكارثة والأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية بسبب العقوبات الأمريكية، فإنها قررت بدلا من طلب المساعدة الخارجية لمواجهة انتشار الفيروس، تبني استراتيجية تعمل على حماية النظام بدلا من حماية الرفاه العام".
ويجد أفخمي أنه "مع أن الظروف مختلفة، إلا أن أشكال الرد تشبه إلى حد كبير رد الحكومة الإيرانية على النوبات المتكررة لوباء الكوليرا التي ضربت إيران بداية القرن العشرين، وكان فشل إيران في منع موجات الكوليرا المتكررة سببا في تدمير اقتصادها وتآكل سيادتها واندلاع احتجاجات شعبية أجبرت عائلة القاجار الحاكمة في ذلك الوقت على القيام بتغييرات جذرية، وأدى اندلاع فيروس كورونا إلى سلسلة من الأحداث المتشابهة: توسع مدى منع السفر العالمي على إيران، وتراجع العملة الإيرانية التي تعاني ضعفا في الأصل، وزيادة مظاهر عدم الثقة بين الشعب والحكومة، وعلى المنوال ذاته، فإن الإصلاحات الصحية التي أدت إلى وقف موجات الكوليرا المتكررة في القرن الماضي، تحمل مفتاح مواجهة انتشار فيروس كورونا اليوم".
ويشير الكاتب إلى أن "إيران التزمت بالإنكار والرفض في تعاملها مع المرض، فبدأت الحالات تظهر في 19 شباط/ فبراير في مدينة قم، وتم الكشف عن إصابة مسافرين من إيران إلى كندا ولبنان بالفيروس، ما يشير إلى انتشار واسع للفيروس أكثر من ذلك الذي اعترفت به طهران، ما دفع الدول الجارة، تركيا وأفغانستان وأرمينيا وباكستان، لإغلاق حدودها مع إيران".
ويفيد أفخمي بأنه "في الوقت الذي قلل فيه الرئيس حسن روحاني من مظاهر القلق المحلية من الوباء باعتبارها هستيريا لا أساس لها، إلا أن نائبا في البرلمان عن مدينة قم اتهم الحكومة بالتستر على الأزمة، وزعم أن 50 من أبناء منطقته الانتخابية أصيبوا بالفيروس، وتعرضت مصداقية الحكومة لضربة جديدة الأسبوع الماضي عندما أجبر نائب وزير الصحة والمسؤول عن لجنة المهام الخاصة لمكافحة كورونا بالاعتراف بأنه مصاب بالفيروس، وذلك بعد ظهوره أمام الصحافيين وكان المرض باديا عليه، يسعل ويتصبب عرقا، وبحلول يوم الخميس كشف عن إصابة نائبين في البرلمان ونائبة للرئيس بالمرض".
ويلفت الباحث إلى أن "الحكومة أعلنت عن الحصيلة الرسمية لضحايا الوباء، وهي 54 شخصا من بين 978 حالة، وهو أكبر عدد إصابات خارج الصين، ما يشير إلى أن الوضع في إيران قد يكون أوسع مما اعترفت به الحكومة سابقا، أو أنه قاتل بدرجة غير عادية، كما أثار رد فعل الحكومة في طهران على الوباء القلق نظرا لغياب الشفافية، فمنذ الإعلان عن حالات في قم، رفضت وزارة الصحة فرض حجر في داخل المدينة وحولها، واعتبرت إجراء كهذا بأنه لم يعد مهما وعفا عليه الزمن".
وينوه أفخمي إلى أن "السلطات فشلت في تحديد وعزل ومعالجة الذين أصابهم الفيروس. وانتشرت العدوى، نتيجة لذلك إلى أجزاء أخرى من البلاد، وطلبت وزارة الصحة إغلاق المعالم الدينية في قم، مثل مزار فاطمة المعصومة، لكن القيادات الدينية رفضت، وقال أحد المقربين من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، إن أي قرار بإغلاق المزارات الدينية يعد محاولة خبيثة من الولايات المتحدة لتصوير المدينة المقدسة على أنها غير آمنة، ويزدحم الزوار يوميا جنبا إلى جنب في المزار، ما يسمح بانتشار الفيروس".
ويستدرك الكاتب بأنه "مع أن كورونا يعد أمرا جديدا على إيران إلا أن رد البلد على الوباء مشابه لردها على حالات سابقة، ففي عام 1904 وصلت موجة كوليرا إلى إيران مع الحجاج الشيعة من العراق، وحاولت طهران احتواء المرض أولا من خلال تقييد الزيارة للمناطق الدينية، إلا أن المرجع الديني في حينه رفض هذه الجهود واتهم المسؤولين بدعم جهود (الكفار) الغربيين الهادفة لمنع الشيعة من القيام بواجباتهم الدينية".
ويقول أفخمي: "كما هو حال روحاني وحكومته اليوم، فلم يكن رئيس الوزراء في حينه يملك القوة لمواجهة المؤسسة الدينية، ولهذا سمحوا لقوافل الحجاج بنقل العدوى وتجنب الحجر الصحي الذي فرضته الحكومة، وأخفت الحكومة حالة اندلاع الكوليرا عن السكان في البلاد وعن الشاه، حتى لم تعد قادرة على التستر بسبب زيادة حالات الموتى، وكان إخفاء وباء الكوليرا وعدم فعل ما يجب لاحتوائه سببا في الصدمة السكانية والاقتصادية التي تسبب بها المرض".
ويشير الباحث إلى أن "وباء الكوليرا كان سببا في ارتفاع معدلات التضخم، وقاد إلى تظاهرات شعبية تدعو للإصلاح، والنتيجة لهذا كله هي ما عرفت بالثورة الدستورية التي أدت إلى نظام برلماني، وعطلت لفترة قصيرة الحكم المطلق في البلاد، وكان فشل الحكومة بمعالجة وباء الكوليرا والتستر عليه، وما تبع ذلك من انهيار اقتصادي، سببا بفقدان إيران السيطرة على جبهتيها الشرقية والجنوبية للروس والإمبراطورية البريطانية، اللتين أصبحتا سيدتين على حركة العبور البرية والبحرية".
ويلفت أفخمي إلى أن "إيران بدأت في العقد الثاني من القرن العشرين بتبني نظام علماني في الحكم، وإدارة صحة عامة حاولت السيطرة على انتشار وباء الكوليرا، ومن الأمور المهمة لوقف خطورة انتشار وعودة الأوبئة هو تبني فهم ميكروبيولوجي للأمراض المعدية، وبالتالي تراجع المعوقات السياسية والدينية وتأثيرها على المنهج العملي للسيطرة على الأمراض ومنعها ومعالجتها".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "يبدو أن القيادة الحالية في إيران نسيت الدروس الصعبة، بما فيها النهج العلماني للطب، الذي أدى إلى تحول في مشهد الأمراض المعدية في البلاد خلال القرن الماضي، وحتى تتبنى إيران نهجا شفافا وقويا لمنع انتشار الأمراض المعدية فإن التاريخ سيعيد نفسه، وستؤدي أزمة فيروس كورونا إلى تآكل شرعية الحكم الديني".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)