هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لقد عشقت المستعربة والمترجمة الكورية (هي وون بيك) -التي ستحمل لاحقا الاسم العربي "ليلى" حسب تقاليد الاستعراب الآسيوي- اكتشافَ الثقافاتِ والتعرّفَ على اللغات منذ صغرها؛ فقررت الالتحاق بالمدرسة الثانوية الخاصة بدراسة اللغات الأجنبية في كوريا الجنوبية، وبالفعل نجحت بالامتحانات الخاصة بدخول هذه المدرسة، ودرست فيها الإنجليزية والفرنسية والصينية.
وخلال فترة الدراسة كان أحد زملاء
الدراسة شغوفا بالاطّلاع على الديانات المختلفة، فحدث ذات مرة أن رأت معه القرآن
الكريم، فتصفحته، تقول: "كان شكل الحروف غريبا عليّ، فهي حروف لغة جديدة لم
أعرفها من قبل. فبحثتُ عنها في الإنترنت، وبدأت أدرسها وحدي في البيت".
تدرس بالأردن
وشجعتها الأفلام التي شاهدتها عن
مصر وبعض البلاد العربية على الاستمرار في دراسة هذه اللغة، فدخلت الجامعة لتدرس
اللغة العربية في كوريا، واستمرت مسيرتها الأكاديمية مع العربية من خلال دراسة
ماجستير الترجمة (الكورية والعربية) في الجامعة ذاتها.
لكنها لم تُشبع نهمها من العربية عند
هذا الحد؛ فقررت أن تدرس الأدب العربي في الجامعة الأردنية في عمّان منذ عام
2015م.
أمّا عن اختيارها للأدب العربي
الحديث فتقول: "لقد أتيحت لي الفرصة في كوريا لترجمة رواية "صورة
وأيقونة وعهد قديم" لسحر خليفة فوجدت فيها جمال الأدب العربي وأهميته كونه
يطرح القضايا المهمة في حياة الإنسان فأحسستني مشدودة جدا له. والحمد لله حصلت على
المنحة الدراسية التي تقدم للوافدين
المتفوقين من وزارة التعليم العالي الأردنية، ومنذ ذلك الوقت بدأت حياتي الجديدة
في الأردن".
اقرأ أيضا: بديع خيري.. الباكي الذي أضحك الناس
لقد كانت ترجمة رواية سحر خليفة إلى
الكورية نقطة تحوّل في حياة ليلى، وهي تحب اسمها العربي كثيرا، تقول: "أُتيحت
لي هذه الفرصة الذهبية بفضل أستاذي الدكتور بارك جي وون، وهو عالم وباحث معروف في
كوريا وهو الذي زاد عشقي للعربية؛ فاقترح اسمي لترجمة الرواية لصالح دار النشر
(اسمها سو مانغ)".
وتُعد رواية "صورة وأيقونة وعهد
قديم" الرواية الثالثة التي تُترجم إلى الكورية للكاتبة الفلسطينية، وقد فازت
سحر خليفة قبل عامين بجائزة أفضل رواية مترجمة -عن مجمل أعمالها المترجمة- في كوريا
ضمن مسابقة "لي هو تشول تونغ إيلو" للآداب التي نظمتها الحكومة الكورية.
وشاركتْ ليلى في حفل التكريم وعرضت النصوص النقدية عن روايتها أمام الروائية وجمهور
من الناس.
وبعد تجربة الترجمة الأولى وجدت
نفسها مهتمة أكثر بدراسة الأدب العربي وجمالياته. وأثناء دراسة الماجستير في
الجامعة الأردنية اتصلت بها إحدى دور النشر لتعرض عليها ترجمة رواية عربية،
فاختارت ليلى ترجمة رواية "ساق البامبو" لسعود السنعوسي. وذلك بسبب النجاح
التي حققته الرواية وأيضا بسبب القضايا الحسّاسة التي تعالجها بفنيّة عالية، ولقد
صدرت ترجمة الرواية في العام الماضي.
الاهتمام بالعربية
لكن رحلتها مع السنعوسي لم تتوقف عند
ترجمة الرواية؛ فقد اختارت أن تكتب عنه رسالتها للماجستير بعنوان "إشكالية الهوية في روايات سعود
السنعوسي". تقول: "وجدت أعمال السنعوسي ممتعة جدا لكنها في الوقت نفسه
تحمل رسالة مهمة وخطيرة وتتناول القضايا الحسّاسة التي تؤرق الإنسان العربي بكل
جرأة، بما فيها مشكلة البدون ومسألة الطائفية والتمييز العنصري ضد العمال الوافدين
وغيرها. كذلك أعجبتني رواياته من الناحية الفنية أيضا. ويرجع السبب الآخر لاختيار
أعمال السنعوسي موضوعا لرسالتي إلى أنني أردت أن أعالج الأدب الحديث المعاصر الذي
يحمل رؤية جديدة ويتناول قضايا نعيشها الآن وتخلصا من ثقل ظل الروايات القديمة
التي يتكرر ذكرها في المحاضرات الجامعية والمجال النقدي".
وعن الاهتمام باللغة العربية في
كوريا تقول ليلى إنّ هناك ست جامعات كورية تمنح درجة البكالوريوس في اللغة العربية
وآدابها، وفيما يخص المؤسسة الأكاديمية التعليمية المسؤولة عن عملية الترجمة فهناك
كلية الدراسات العليا التابعة لجامعة هانكوك للدراسة الأجنبية التي درستْ فيها.
أمّا عن الترجمة من العربية إلى الكورية فلا تزال حركتها ضعيفة وغير نشيطة بسبب
قلة عدد المتمكنين من الترجمة. إضافةً إلى قضية المقابل المادي غير المجزي مقارنةً
بالوقت الطويل الذي تستغرقه الترجمة وبالجهود المبذولة فيها، كما أن الإقبال على
الأدب العربي في كوريا لا يزال ضعيفا. "لكنني أعتقد أن هذه ظاهرة ليست حكرا
على الأدب العربي فقط، بل إنها تنطبق على جميع الآداب بغض النظر عن جنسيتها ولغتها
بسبب إهمال الجيل الجديد للقراءة" بحسب ما ترى.
ولكن النقطة الإيجابية تكمن في
ازدياد عدد دور النشر التي أصبحت تهتم بالثقافة العربية والإسلامية، وفي مقدمتها
دار هد(اختصارا لكلمة هدهد)، كما تظهر بعض المحاولات لتشجيع ترجمة الأدب الكوري
إلى اللغات الأجنبية أو بالعكس. أمّا عن سؤالنا عن دعم المؤسسات الرسمية العربية
لترجمة الأدب العربي أجابت أنها لا ترى أي دعم للأسف الشديد.
أما مشاريع هي وون بيك أو ليلى
القادمة؛ فهي تُعد أطروحة دكتوراه عن قصص زكريا تامر. وفي ما يخص مشروعها القادم في
الترجمة فتجيب بأنها لم تقرر بعد العمل الذي ستترجمه، لكنها تشعر بالحاجة الماسة
لتضافر الجهود العربية والكورية بهدف إقامة مشروع ترجمة يقدم المزيد من الأعمال
الأدبية العربية في كوريا؛ لأن عدد الكتب المترجمة لا يزال ضعيفا وعدد المتمكنين
من الترجمة لا يزال قليلاً، ولا يمكن الاعتماد على الجهود الفردية وحدها.