هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اعتاد رجال
النوبة في أقصى جنوب مصر قديما اصطياد التماسيح من نهر النيل وتقديمها لمن يحبّون
كنوع من إظهار القوة.. اليوم في قرية غرب سهيل النوبية، لم تعد
التماسيح تعيش في النيل فحسب، بل انتقلت إلى المنازل لتعيش جنبا إلى جنب مع
السكان.
في مطعمه المطلّ
على نهر النيل في القرية، يجلس عبد الحكيم عبده (37 عاما)، ذو الشعر الكثيف
والبشرة السمراء، متأملا النهر الذي يقول إنه "يمثّل بالنسبة إلى النوبي
كيانه وحياته.. كل شيء فيه نعتبره مثل الملائكة"، في إشارة إلى التماسيح.
ويضيف أن
التمساح اليوم في غرب سهيل، القرية في محافظة أسوان على بعد نحو 900 كلم جنوب
القاهرة، بات مصدرا للرزق وجذب السائحين.
بين شوارع
القرية الضيقة التي اصطفت على جانبيها منازل وبيوت ضيافة بألوان الأزرق والأبيض
وعلتها قباب ذات نقوش مثلثة، تُعلق تماسيح محنطة على رؤوس الأبواب كعلامة تدل على
أن صاحب البيت يستأنس زاحف النيل.
اقرأ أيضا: أزمة معتقلي جزيرتي آمون وقلادة بالنوبة تتواصل بحبس أصحابهما
في أحد هذه المنازل، وقف ممدوح حسن (45 عاما)
حاملا بين يديه تمساحا حديث الولادة والى جواره حوض إسمنتي واسع يمكث بداخله تمساح
آخر طوله نحو متر ونصف.
ويقول حسن
لوكالة فرانس برس، مشيرا إلى الحوض "هذه فرانشيسكا عمرها 15 عاما.. هي حاليا
في بياتها الشتوي لا تتحرك كثيرا".
ويضيف وهو يتحسس
ظهر تمساحه بيده دون خوف أو تردد "أربيها منذ ولادتها وهي تأكل السمك واللحم
والدجاج".
ويوضح حسن أن
سياحا إيطاليين أطلقوا على فرانشيسكا اسمها عند ولادتها.
تعلّم حسن تربية
التماسيح من والده، فيقول: "كان والدي من أوائل الناس هنا في القرية النوبية
في تعميم فكرة تربية التماسيح في المنازل لغرض السياحة".
وأضاف أن السياح
يأتون لمشاهدة التماسيح وسماع قصصها والتقاط الصور معها، مضيفا أنه يعمل في مجال
تربية التماسيح منذ عشرين عاما.
ووفقا لحسن، يتم
تتبع أنثى التمساح لمعرفة المكان الذي تضع فيه بيضها في بحيرة ناصر خلف السد
العالي ومن ثم يرصد البيض حتى يفقس ليقوم الأهالي باصطياد صغار التماسيح بمجرد
ولادتها.
ويقول
"يكبر التمساح معنا في المنزل. وبطبيعة الحال لا يكون نتيجة لذلك شرسا كما هو
معروف عن التماسيح، إذ إنه يفقد ذلك بمرور الوقت من خلال كثرة تعاملنا معه وتقديم
الطعام والرعاية له".
ويقول حسن،
مشيراً إلى رفوف وطاولة عليها قطع نوبية تقليدية مشغولة يدويا، "أنا أيضا
أبيع هذه المعروضات ولكن الأساس هو التمساح.. الأجانب دائما يسألون عنه".
ويدخل عدد من
الزائرين المصريين إلى منزل حسن ويلتقطون الصور الفوتوغرافية مع فرانشيسكا.
وعلى الرغم من
فرح صاحب البيت بكسب بعض النقود، لكنه بدا منزعجا من مضايقة بعض الزوّار للتمساح.
ويقول حسن بعد
أن طلب من سيدة عدم رشّ المياه على التمساح "المصريون يرغبون في اللعب مع
التمساح فقط .. أما الأجانب فيقدّرون تماما هذا الحيوان ويعرفون مدى اختلافه
وتفرده".
"إلوما
وبالوما"
ويذكر عبد
الحكيم عبده أن التمساح الكبير في اللغة النوبية يعني "إلوما"، بينما
يطلق على التمساح الصغير "بالوما".
كذلك منزل سومة
مفتوح دائما للزوّار الذين يريدون الاستمتاع بالمشروبات النوبية ومشاهدة الرقصات
وشراء الأشغال اليدوية... وزيارة التماسيح. ولا تهاب سومة المرأة الأربعينية
التماسيح.
وتقول فتاة من
العاملات معها في خدمة الزبائن "سومة تربّي هذا التمساح منذ 13 عاما..
ويستغرب الناس دائما عندما يجدون امرأة تتعامل مع التمساح".
وتضيف
"أحيانا يشعر التمساح بالتوتر وخصوصا مع ازدحام المشاهدين ما قد يسبب له
متاعب، ولا يهدأ إلا بتواجد سومة إلى جانبه".
وإلى جانب حوض
التمساح، وقف هاني (35 عاما) القادم من القاهرة، مرتديا قبعة حمراء لحمايته من
الشمس وملابس صيفية ما يعكس حرارة الجو.
اقرأ أيضا: حقوقي لـ"عربي21": تعويضات حكومة مصر للنوبيين غير قانونية
ويقول لفرانس
برس "أتيت أنا وأسرتي لتمضية إجازة نصف العام الدراسي حتى يرى أطفالي
التماسيح عن قرب ولكي نستمتع بشمس أسوان".
ويضيف متعجبا
"أنا مندهش فعلا، كيف يتعاملون مع التماسيح هكذا".
"التحنيط"
كان تمساح النيل
يجسد عند الفراعنة في مصر منذ آلاف السنين الإله "سوبك" الذي كان يمثّل
درع المصريين القدماء ضد أخطار النيل وفيضانه.
ويقع معبد "سوبك" في مدينة كوم أمبو
في أسوان حيث رسومات ونقوش التماسيح ومحنّطاتها وآثارها.
وحتى وقتنا هذا،
لا يزال تحنيط التماسيح من عادات وتقاليد النوبيين في مصر.
ويوضح حسن أنه
بعد نفوق التماسيح أو قتلها لأي سبب، يتم تحنيطها.
ويقول "على الرغم من علمنا جيدا بقيمة جلود التماسيح، إلا أننا لا نبيعها.. نحن نعتزّ بها".
ووفقا لحسن، يتم
تفريغ التمساح من أحشائه وملؤه بالتبن او نشارة الخشب وتشكيله وتثبيته في الوضع
الذي يفضّله صاحبه.
ويستغرق تحنيط
التمساح الكبير نحو شهر بينما يحتاج الصغير يومين أو ثلاثة.
وكان حسن يحمل تمساحا كبيرا حديث التحنيط بين يديه ويقول "هذا فرانكو. لقد مات الشهر الماضي".