ظهر فيروس "
كورونا" لأول مرة في الصين، في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، بمدينة "ووهان"، وقد كشفت الحكومة الصينية عنه رسميا منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي. ونظرا لخطورة الفيروس وتداعياته عالميا، فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ على نطاق دولي لمواجهة
تفشي الفيروس، الذي انتشر بصورة ملحوظة في العديد من دول العالم، بصورة لم يتوقف ضررها فقط على حالات الرعب التي سادت العالم، ولكن تأثر
الاقتصاد العالمي والعربي، فضلا عن
المصري من تداعيات هذه الأحداث التي جاءت على غير موعد، وبدا مؤشرها واضحا في انهيار أسواق المال عالميا.
وقد جاءت التداعيات الاقتصادية نظرا لما تمثله الصين من مكانه اقتصادية عالمية، فضلا عن الإجراءات التي اتخذتها دول العالم لتجنب قدر الإمكان ويلات الفيروس القاتلة. فالصين تمثل الاقتصاد الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يزيد ناتجها المحلي الإجمالي عن 14 تريليون دولار، وتبلغ صادراتها نحو 2.5 تريليون دولار، بنسبة 12.5 في المئة من صادرات العالم.
وإذا نظرنا إلى أهم القطاعات ذات التأثير المباشر على الصين والدول المرتبطة بها تجاريا، سنجد أن الصين تستورد 50 في المئة من الطلب العالمي من الفولاذ من روسيا وكوريا الجنوبية وتركيا، وهو ما يعني فقدان تلك الدول عوائد تلك الصادرات، كما أن النفط تراجعت قيمته بأكثر من 20 في المئة، ويتوقع له مزيد من الانخفاض في ظل انهيار اتفاق دول الأوبك على تخفيض الحصة المنتجة.
ونظرا لأن الصين تستهلك أكثر من 10 في المئة من النفط العالمي، لا سيما من المملكة العربية السعودية والتي تستورد منها مليون برميل يوميا، والعراق التي تستورد منه 700 مليون برميل يوميا، فإن هذا يعني خسائر للدول المصدرة مضاعفة من ناحيتين؛ ناحية السعر بانخفاضه وناحية الكمية بانخفاض الطلب على النفط، كنتيجة طبيعية للظروف القاسية التي تعاني فيها الصين من جمود اضطراري لإنتاجها.
كما أن الصين كانت تمتاز عن غيرها بأنها المصدر الأول للسياحة في العالم، وفق منظمة السياحة العالمية. ففي العام 2018 بلغ عدد السياح الصينيين للخارج 150 مليون مسافر أنفقوا مبلغ 277 مليار دولار، وهو ما يعني فقدان العديد من دول العالم للسياحة الصينية.
وإذا نظرنا إلى
التجارة السلعية الإجمالية العربية مع الصين نجد أنها بلغت في العام 2018م مبلغ 1.9 مليار دولار وفق بيانات صندوق النقد العربي، تمثل فيها الصادرات الصينية للدول العربية مليار دولار، بينما تمثل الواردات 0.9 مليار دولار. وتبلغ الصادرات العربية للصين نسبة 12.5 في المئة لتحتل الصين المرتبة الثانية بالنسبة للصادرات العربية بعد الاتحاد الأوروبي، كما تبلغ الواردات العربية من الصين كذلك نسبة 12.5 في المئة لتحتل المرتبة الثالثة بعد الاتحاد الأوروبي والدول العربية الأخرى. وبذلك نجد تأثيرا سلبيا على الجانبين الصيني والعربي بفعل مستجدات هذا الفيروس القاتل، الذي قتل البشر وأصاب الاقتصاد في مقتل.
ولعل الوضع المصري يكون كاشفا لما عليه الحال العربي، فمصر للأسف الشديد رغم اعتراف دول العالم بوجود حالات متعددة حاملة للفيروس آتية من مصر، إلا أن الحكومة المصرية لم تعترف بوجود حالات حاملة للفيروس إلا متأخرا، وحينما أعلنت لم تعلن
سوى حالات محدودة بعيدة كل البعد عن عدد الحالات الحقيقية.
إن الاقتصاد المصري في تلك الظروف الحرجة سيكون أكثر تضررا، لا سيما في ظل هشاشة وريعية الاقتصاد المصري وغياب الاقتصاد الحقيقي فيه. فإذا كانت خسائر البورصة المصرية تجاوزت 20 مليار جنيه من 2500 شركة سياحة لفقدان سوق العمرة في الوقت الحالي، فضلا عن تعرض شركة مصر للطيران وغيرها لخسائر جمة في ظل القيود التي وضعتها الدول على دخول المصريين. بل إن هذا القرار الأخير سيؤثر سلبا على العملة الصعبة التي مصدرها تحويلات المصريين في الخارج. كما أن الانكماش العالمي الناشئ عن تلك الأزمة سيؤثر سلبا على إيرادات قناة السويس لانخفاض حركة النقل. وقد أثبتت البيانات الرسمية تراجع إيرادات قناة السويس إلى 458.2 مليون دولار في شباط/ فبراير الماضي مقارنة بمبلغ 497.1 مليون دولار في كانون الثاني/ يناير السابق له، بنسبة انخفاض نحو 8 في المئة. وكل ذلك سيبدو أثره من خلال الضغط على سعر صرف الجنيه المصري، وهو ما حدث بالفعل، حيث انخفض سعر صرفه مقابل الدولار بأكثر من 15 قرشا.
كما أن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين خلال الربع الأول من العام المالي 2019-2020م بلغ 1.6 مليار دولار، بنسبة 7 في المئة، بواردات 1.5 مليار دولار بنسبة 9.2 في المئة، وصادرات 97 مليون دولار بنسبة 1.4 في المئة، وهذا نذير أيضا بانخفاض عرض السلع الصينية في مصر، وهو ما يندرج على ارتفاع أسعار السلع. كما أن السلع الغذائية التي تمثل 60 في المئة من الواردات المصرية (من دول العالم) معرضة لزيادة أسعارها، وهو ما يعني مزيدا من ارتفاع أسعار السلع، فضلا عما تسببه هذه الأزمة من أثر سلبي على العمالة المصرية في الداخل والخارج، ومن ثم زيادة نسبة البطالة.
إن الحكومية المصرية لا ينبغي أن
تعالج تلك الأزمة بعشوائية، بل لا بد لها من تخطيط واضح وملموس بشفافية كاملة لمواجهة الأزمة، مع وضع سيناريوهات للمواجهة في الأجل القصير والأجل المتوسط والأجل الطويل. فلا يوجد للآن تنبؤ واضح يعكس متى تنتهي هذه الأزمة التي تفتك بالإنسان والاقتصاد، والعالم بات على شفا (إذا لم يتم استيعاب هذا الفيروس) أزمة كورونا الاقتصادية من خلال طاعون اقتصادي لا يعرف أحد منتهاه.. ونسأل الله السلامة.