هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "ذي أتلانتك" مقالا للكاتب يوري فريدمان، يقول فيه إن الرئيس دونالد ترامب وفى بشكل ما بوعوده الانتخابية بخصوص مواجهة الصين، فشن حربا تجارية عليها، ودعا الحلفاء للحد من العلاقات مع الصين، وأعاد توجهات واشنطن باتجاه التنافس مع بكين على المدى البعيد.
ويشير فريدمان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "فيروس كورونا الجديد، الذي بدأ في الصين، جاء الآن، ويصل إلى أمريكا بشكل سريع، وهو جبهة جديدة للصراع بين كبرى الدول في العالم، وتفشي المرض على مستوى العالم، يعد تذكيرا قويا بأن البشر مشتركون كلهم في هذا، وأن التعاون بين الدول هو الطريقة الوحيدة للخروج من هذا الكابوس، لكن بدلا من التركيز على الحاجة الملحة للاعتماد المتبادل، استغل عدد من الشخصيات البارزة في إدارة ترامب وفي الكونغرس هذه الفرصة، لإبراز مخاطر اعتماد أمريكا على البلدان الأخرى بشكل عام، وعلى الصين بشكل خاص".
ويقول الكاتب: "قال لي كل من المستشار التجاري لترامب، بيتر نافارو، والسيناتور ماركو روبيو، بأن الأزمة (دعوة للإفاقة) مخيفة، تتعلق بمكامن الضعف الأمريكي في زمن العولمة، وهو عالم أدت أمريكا على مدى عقود دورا رياديا في الحفاظ عليه".
ويلفت فريدمان إلى أن "الرئيس ترامب امتنع لحد الآن من انتقاد رئيس الصين شي جين بينغ، ومن القيام بأفعال معادية، مثل رفع التعرفة التي فرضها كرد فعل على ممارسات الصين التجارية، ومع ذلك فإن بعض الصقور في إدارته، المنشغلين بصراع طويل الأمد بشأن السياسة الأمريكية تجاه الصين مع الأشخاص ذوي التوجهات الأكثر دولية، كانوا الأعلى صوتا حول إمكانية استخدام حالة الطوارئ الصحية لصالح أجندة ترامب (أمريكا أولا)، وفي كانون الثاني/ يناير، أعلن وزير التجارة، ويلبر روس بأنه (لا يريد أن يتحدث عن انتصار بسبب مرض خبيث ومؤسف)، ثم عاد ليتوقع انتصارا، وهو أن تفشي المرض في الصين (سيساعد على تسريع عودة الوظائف لأمريكا الشمالية)".
وينقل الكاتب عن مدير مكتب سياسات التجارة والتصنيع، لي نافارو، قوله بأن وباء الكورونا يبين كيف أن أمريكا "تعتمد على المصادر الأجنبية" للحصول على الأدوية واللوازم الطبية.
ويعلق فريدمان قائلا، إن "معظم الكمامات الجراحية والتنفسية المستخدمة في أمريكا، مثلا، مصنعة في بلدان أجنبية، مثل الصين والمكسيك، ما تسبب بنقص خلال الأزمة الحالية، لكن التحدي يتجاوز اللوازم الطبية الضرورية لتفشي فيروس كورونا.
ويورد الكاتب نقلا عن خبير الصحة العالمي في مجلس العلاقات الخارجية، يانزونغ هوانغ، قوله إن الصين أكبر مصدر للمعدات الطبية لأمريكا، وبأن حوالي 80% من المركبات الفعالة الضرورية لصناعة الأدوية تأتي من الصين والهند، وأضاف: "تستحوذ شركات صناعة الأدوية الصينية على 97% من السوق الأمريكية للمضادات الحيوية، وأكثر من 90% من السوق لفيتامين سي. وفي عام 2018 كان 95% من الأيبوبروفين و91% من هيدروكورتيزون و70% من إسيتامينوفين و40-45% من هيبارين (مميع الدم) التي استوردتها أمريكا من الصين".
وينوه فريدمان إلى أن نافارو احتج بأن إدارة "أوباما – بايدن"، ذكرت مكررا باعتماد أمريكا على بلدان أخرى، ولكن في المحصلة لم تفعل شيئا، في الوقت الذي ركزت فيه إدارة ترامب على "جلب سلسلة الاستيراد والوظائف والتصنيع إلى الوطن، (بهدف) تقليل الاعتماد، وتقوية قاعدتنا الصناعية للصحة العامة ولحماية الشعب الأمريكي"، (ما تزال إدارة ترامب لم تثبت أن سياساتها جلبت النهضة للصناعة الأمريكية، التي كانت في حالة ركود في النصف الثاني من عام 2019).
ويذكر الكاتب أن نافارو اقترح أن على الحكومة الأمريكية تشجيع شركات صناعة التكنولوجيا المتقدمة المحلية لتصنيع اللوازم الطبية، والتأكد من أن كل شيء تشتريه الوكالات الفيدرالية "تحصل عليه محليا"، ويجب أن يتضمن شراء البضائع الأمريكية "ليس فقط المنتجات المصنعة مثل الحبوب والكمامات والبخاخات"، بل أيضا "المكونات الضرورية والسلائف الكيميائية والمكونات التي نحتاجها لتصنيع الأدوية".
ويرى فريدمان أن "نظرته لعالم يتهدده الوباء، هي أقرب إلى صورة كلب يأكل كلبا، من قربها من صورة أسد بجانب حمل، حيث تترك أمريكا وحدها لتحل مشكلاتها مثل كل بلد آخر، ومع أن نافرو، وهو مهندس سياسات (أمريكا أولا) التجارية، ومؤلف كتب مثل (الموت بسبب الصين) و(الحروب الصينية القادمة)، يشير إلى أن مشكلة اعتماد أمريكا على الدول الأجنبية لها علاقة كبيرة بالصين، إلا أنه لا يستثني أقرب حلفاء أمريكا، فقال على (فوكس نيوز): (في أزمات كهذه ليس لنا حلفاء)، وزعم أن أستراليا وكندا والمملكة المتحدة (حرمتنا ما نحتاجه) من إمدادات طبية خلال تفشي إنفلونزا الخنازير عام 2009، وقال: (علينا أن نعيد (سلسلة الإمداد الطبي) إلى أرضنا) بدلا من الصين والهند وأوروبا".
ويقول الكاتب إنه "ما يزال على ترامب تبني هذه السياسات، لكن تداعيات تفشي الفيروس عالميا، التي تتزامن مع محاولته لينتخب لدورة ثانية، قد تحفزه أن يفعل ذلك، وكان ابنه، دونالد ترامب جونير، غرد مؤخرا، قائلا: (كورونا فيروس، هو تقاطع لثلاث قضايا كان دونالد ترامب محقا بشأنها طيلة الوقت: ضبط الحدود، والتصنيع الأمريكي، والصقر الصيني)".
ويجد فريدمان أنه "إذا تم تطبيق هذه السياسات، فإنه يمكنها أن تقلب سلاسل الإمداد العالمية، وتجدد الدفع باتجاه عكس التكامل الاقتصادي بين أكبر اقتصادين في العالم، وهو ما سيؤدي إلى عكس عملية العولمة، (وكان هذا قد تباطأ قليلا عندما تم التوصل إلى اتفاق تجاري مؤقت بين أمريكا والصين في كانون الثاني/ يناير)، وكتب مدير السياسات لمنظمة (سياسات أمريكا أولا)، كيرتيس أليس، قائلا، إن العولمة قد تكون أكبر المتضررين من الحرب على فيروس كورونا".
ويبين الكاتب أن "هذه الحجج تجد لها صدى أيضا لدى المتشددين تجاه الصين في الكونغرس، فردا على تفشي الفيروس، اقترح روبيو وسيناتور جمهوري آخر، هو جوش هاولي، مشروع قانون لتقليل اعتماد أمريكا على الصين للإمدادات الطبية، ومن غير الواضح إن كانت الإدارة ستدعم هذه المبادرة أم لا، وكان وزير الصحة والخدمات الإنسانية، أليكس آزار، قال في جلسة استماع في الكونغرس الشهر الماضي، بأنه يشارك روبيو القلق تجاه اعتماد أمريكا على الصين من أجل الحصول على المكونات الفعالة في الأدوية، لكنه حذر من أن حل سلاسل الإمداد العالمي لصالح التصنيع المحلي، أمر لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها، كما أن ذلك قد يرفع من تكاليف الرعاية الصحية للأمريكيين".
ويفيد فريدمان بأن روبيو قد حذر سابقا من المخاطر التي تشكلها الصين على الصناعات الطبية الأمريكية، وتحدى بكين في عدة قضايا، بما فيها قمع المحتجين في هونغ كونغ، وقال للكاتب إن "التراجع في قطاع الصناعة الأمريكية، يشكل خطرا كبيرا على أمننا القومي"، وهو ما يستلزم "سياسة تشجع الصناعة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين".
ويشير الكاتب إلى أن محاولات التحرر من ارتباطات أمريكا ببكين تذهب أبعد من قطاع الصحة، فعلق العضو الجمهوري البارز في لجنة الكونغرس للقوات المسلحة، ماك ثورنبيري، بقوله إنه الوقت الذي "نريد فيه أن نقوم باحتواء فيروس كورونا والقضاء عليه بأسرع ما نستطيع... قد نستغل هذه الفرصة" للتقليل من اعتماد أمريكا على الصين للمنتجات الدفاعية.
ويقول فريدمان: "عندما سألنا روبيو عن سبب اتخاذه مقاربة تقوم على المواجهة تجاه الصين خلال حالة طوارئ عالمية يبدو أنها تدعو للتعاون الدولي، فإنه أصر قائلا، إن (الحزب الشيوعي الصيني أثبت أنه قوة عالمية غير مسؤولة، ولا يمكن الاعتماد عليها)".
وينقل الكاتب عن روبيو، قوله، إن الصين "أعاقت جهود الباحثين الدوليين، وفشلت في مشاركة المعلومات عن مصدر الفيروس أو أفضل الممارسات (في التعامل معه)... إن حزبهم الشيوعي مهتم أكثر بحفظ ماء الوجه والقضاء على المعارضة الداخلية من المساعدة في منع انتشار هذا المرض الخطير".
ويذكر فريدمان أن المسؤولين الأمريكيين انتقدوا قادة إيران، وهي الخصم الآخر الذي تضرر بشكل كبير من الفيروس، وقال المدير السابق لمواجهة أسلحة الدمار الشامل لدى إيران في مجلس الأمن القومي، ريتشارد غولدبيرغ، إن الانتقاد الموجه لكل من الصين وإيران يتعلق بطبيعة النظام السياسي في كل منهما... فالحكومات الديكتاتورية هي الأكثر احتمالا أن تعيق رد الفعل الدولي على التهديدات العالمية.
ويورد الكاتب نقلا عن غولدبيرغ، الذي يعمل حاليا مستشارا كبيرا لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قوله: "في أي مكان ترى نظاما مغلقا ومركزيا وغير شفاف، ترى عجزا في رد فعل سريع عندما تبرز أزمة". وأضاف أنه يمكن للديمقراطيات أيضا أن تفشل... لكن "يمكنها أن تتجاوب مع الفشل وتصحح نفسها بسرعة"، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي تكافح فيه الديمقراطيات، بما فيها أمريكا، لاحتواء الفيروس، فإن إمكانية التصحيح الذاتية المزعومة تقع تحت الاختبار.
ويلفت فريدمان إلى أنه لإيضاح سبب تسميته لفيروس كورونا، "فيروس ووهان"، في إشارة إلى المدينة الصينية التي بدأ منها انتشار الفيروس، فإن وزير الخارجية، مايك بومبيو، قال يوم الجمعة، إن المصطلح يبرز "المخاطر عندما تعيش في عالم مترابط".
وقال بومبيو: "نصنع ثروة من خلال هذا الترابط.. لكن عندما يكون لديك كيان، مثل الحزب الشيوعي الصيني، الذي يقدم بيانات ليست شفافة ولا واضحة، فإن ذلك مخاطرة".
ويختم الكاتب مقاله بالقول، إن "إدارة ترامب تأمل بأن تخرج من هذه الأزمة وقد قللت الجانب السلبي للعولمة وحافظت على إيجابياتها، لكن تقريرا صدر عام 2004 يستشرف شكل العالم في 2020، تنبأ فيه مسؤولو الاستخبارات بأن تطورا واحدا، عدا حرب عالمية، يمكنه إيقاف العولمة؛ هو تفشي وباء".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)