قضايا وآراء

الأبعاد السياسية لموقف إسرائيل من كورونا

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
اعتادت إسرائيل أن تستغل كل شيء لمصلحتها، فقد نجحت في ذلك إلى أبعد حد قياسا على دول المنطقة التي وفدت عليها وأظهرت تفوقا كاسحا عليها جميعا في جميع المجالات، حتى صارت إسرائيل نموذجا للدولة المثالية عند الكثير من الشباب العربي، تماما كما كان الغرب في المدرك العربي، خاصة بعد فشل الشعارات القومية التي أغرقت الشعوب العربية في المخدر السياسي فصحت على واقع مرير.

ضربت كورونا إسرائيل مثل بقية دول العالم، ولا شك أن إسرائيل تسعى جاهدة إلى اختراع مصل مقاوم للوباء تثبت به أنه رغم بشاعتها السياسية إلا أنها المنقذ والأنفع للبشرية من سائر العرب.

وقد تابعنا أعمال مراكز الأبحاث الإسرائيلية خلال الأسابيع الماضية، ونلخص أبعاد التعامل الإسرائيلي في هذا الموضوع:

أولاً: فرضت إسرائيل حظرا شاملا على حركة العمال الفلسطينيين القادمين من الضفة الغربية للعمل، وكذلك في المستوطنات في الضفة، ولم تتخذ إسرائيل أي تدابير لإعانتهم طوال فترة الحظر في الوقت الذي تعجز فيه الأونروا عن تقديم المعونات للسكان مما يعرضهم للموت جوعا أو الموت بالوباء. في نفس الاتجاه شددت حصارها على غزة وأغلقت جميع المعابر، استمرارا لسياساتها في إذلال الفلسطينيين وإنزال أكبر قدر من الضرر بهم. كما أن إسرائيل استغلت الوباء وضرورة الوحدة الوطنية لمواجهته، فشكلت حكومة تجمع الفرقاء ضد عدو واحد.

ثانياً: تحاول إسرائيل أن ترد على النقد الموجه إليها من بعض أعضاء الكونجرس بأنها تستحوذ على معظم المعونة الخارجية الأمريكية، وتركز الرد في ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: الإيهام بأن المعونة لإسرائيل تنفق على واردات إسرائيل من السلع الأمريكية، كما أن الاستثمارات الأمريكية في إسرائيل تتركز في القطاع الصناعي الذي تصدر منه إسرائيل للولايات المتحدة، وذلك بالمقارنة بالمعونة الأمريكية لمصر دون مقابل مادي، وإن كان المقابل سياسيا واستراتيجيا واستخباراتيا.

الاتجاه الثاني: أعلنت إسرائيل أن مصنع الأدوية العملاق الإسرائيلي في الولايات المتحدة "تيفا" مستعد لتقديم ملايين الأمصال المجانية إلى المستشفيات الأمريكية.

وتؤكد الكتابات الإسرائيلية على أن إسرائيل يربطها بالولايات المتحدة رابطان؛ الأول، اقتسام العمل الاستخباراتي، والثاني هو الوحدة الأيديولوجية، ومصنع الامصال خير دليل على أن هناك وحدة أيديولوجية بين أمريكا وإسرائيل، كما أن المعونة تستخدم لاستيراد السلاح والمعدات والخدمات الأمريكية.

أما الاتجاه الثالث، فهو إذا كانت إسرائيل سند واشنطن في المنطقة وحليفها الوحيد، فهي التي مكنتها من نهب ثروات العرب الذين لم يقدموا لواشنطن سوى المال مقابل خدمات الحماية. فهناك فرق بين علاقة إسرائيل بواشنطن والعلاقة المصلحية التجارية بين واشنطن والعرب؛ لأن إسرائيل تحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة.

ثالثا: الوقيعة بين تركيا وسوريا، رغم أن تركيا وإسرائيل في خندق واحد في سوريا. وتصور إسرائيل العداء بين تركيا وسوريا على أنه ثقافة. وبالطبع فإن التقارب التركي السوري كان يزعج إسرائيل، ولذلك كانت لها يد في الوقيعة بين سوريا وتركيا.

رابعا: الوقيعة بين المسلمين والشعوب الأخرى، حيث رصدت الدراسات الإسرائيلية شعور التشفي الإسلامي في الصين، على أساس أن الوباء انتقام من الله من الصين بسبب سوء معاملة مسلمي الإيجور، فلما وصل الوباء إلى إيران حاولت هذه الدراسات أن تشعل الصراع الشيعي السني، فأكدت أن السنة شمتوا في إيران بسبب المذهب الشيعي، رغم أن الوباء لا يعرف الطائفة أو الحدود السياسية.

خامسا: رغم كراهية المسلمين لإسرائيل إلا أنهم نظروا إلى إسرائيل لإنقاذهم من الوباء، وتوقعوا أن تخترع عقارا يقضي عليه بسبب تقدمها العلمي والتكنولوجي مقارنة بأنظمة العالم العربي المترهلة القمعية.

سادسا: أكدت الدراسات الاسرائيلية أن الاحتلال الإسرائيلي نعمة وليس جريمة، كما قال الاتحاد الأوروبي الذي اتهمته إسرائيل بمعاداة السامية، كما زعمت أن هذا الاحتلال هو الذي جعل الشعب الفلسطيني أسعد شعوب الأرض مقارنة بالشعوب العربية التي تعاني التعاسة والقهر، وهناك اتجاه في إسرائيل لبيان أن الاحتلال الإسرائيلي يتسم بالخيرية والنبل ويختلف عن الاحتلال الحربي في القانون الدولي.

سابعاً: اهتمت الدراسات الإسرائيلية بأثر الوباء على الوضع الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي، وخلصت إلى أنه كارثة على إسرائيل لأن قطاعات مدنية كثيرة سوف تتفرغ لمقاومة الوباء وكان يمكن أن تنضم إلى الجيش، كما أن الجيش سيساعد في هذه المهمة ولن يتفرغ لمواجهة الأعداء، وأن مواجهة الوباء سوف تستنزف الموارد المخصصة للأمن القومي، والأخطر أن الوباء سيؤدى إلى التباعد الاجتماعي في الجيش مما يضر ببرامج التدريب.

ورغم أن الوباء شمل إسرائيل والمقاومة والعالم كله، إلا أن إسرائيل تعتقد أن الوباء يمكن أن يكون قوة دافعة لصفقة القرن. والطريف أن الدراسات الإسرائيلية قد خلت من موقف التوراة من هذه الأوبئة وما إذا كان الحاخامات سوف يدعون للعالم كله ليستجيب الله لدعائهم باعتبارهم حسب زعمهم شعب الله المختار، بينما يستبعد الحاخامات من دعواتهم العرب والمسلمين الذين يعتبرونهم مستحقين للإبادة، بالأوصاف السلبية المتواترة في الخطاب الحاخامي كما هو معروف.
التعليقات (0)