كلمة
السيسي الأخير الثلاثاء الماضي في أثناء تفقده العناصر
والمعدات والأطقم الخاصة بمكافحة القوات المسلحة
المصرية لفيروس كورونا المستجد؛ رآها
بعض
الإخوان إعلان نهاية لرغبة البعض في التنظيم، التي جاءت على حياء، في إنهاء
النزاع من أجل عشرات الآلاف من معتقلي الإخوان، بخاصة بعد المخاطر الناتجة عن
احتمال مهاجمة فيروس كورونا المستجد لهم في محبسهم، ومن ثم تهديد حياتهم، لا قدر
الله، (يتردد أنهم 60 ألفا ويعلو بهم البعض لـ100 ألف. فيما يؤكد آخرون أنهم بحدود
30 ألفا). والحقيقة فإن نفسا مُخلصة واحدة تعد قيمة كبرى في الحياة.
ولكأن الطرف الأقرب إلى الصقور في الجماعة، رآها فرصة مُواتية
وسانحة للعصف بتململ ورغبة مئات الآلاف داخل الصف في إنهاء حالة الصراع المُحتدمة
التي تزيدهم خسارة يوما بعد آخر. لكن الأزمة الحقيقية من وجهة نظرنا تتمثل أولا في
إساءة استخدام المُصطلحات من الفريقين معا، السيسي والإخوان (وتقديم السيسي هنا لأنه
الأقوى على أرض الواقع). فالأول يسمي الإخوان دون ذكر مُباشر واضح بـ"فصيل
الشر"، وهو مُدرك أنهم إن عادوا للحياة في مصر فإنما سُيدارون لخمس سنوات ثم
يسعون للحكم مُجددا، وهو ما يؤكد أنه لن يحدث في حياته. ومع يقيننا بأن الأعمار
والآجال بيد الله وحده، وأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قال مثل قوله في حق
الإخوان ووافاه الأجل المحتوم بعدها ولديه من العمر نحو 52 عاما فقط، أو ما يقل عن
عمر السيسي بقرابة 10 سنوات. ولكن القياس هنا معيب للأسف، فلا أحد يدري مَنْ الحاكم
بعد السيسي، وهل يأخذ باستراتيجية الرئيس الراحل أنور السادات في مُهادنة الإخوان،
بخاصة أن الرجل فعل ذلك في عالم قبل منه هذا الفعل ووافق عليه وقتها، وهو ما يبدو
أنه صعبٌ مُستعصٍ على عالم اليوم الذي إن أراد الله فيه رحيل السيسي فلا يمكن
التبنؤ، ومن ثم الاستبشار بخلفه.
أما الإخوان، فيذكرون على الجانب الآخر كلمة "المُصالحة"
على حياء وخجل تعللا بالمُعتقلين في السجون وخطر كوورنا الذي يهدد حياتهم، وهو ما
يستدعي حلا بالفعل وتعاونا وتكاتفا وإخلاصا للنوايا، لكن الأهم، أن ذلك يجب أن يكون
لخير وصالح العالم والبشرية وأولهم المعتقلون. لكن إنهاء الموقف مع نظام السيسي لا
يستدعي وفق رؤيتنا لفظ "
المصالحة" ومعناه، فقد فوّت الإخوان فرصها
بالفعل مرات منذ 2013م؛ والاسم الصحيح الأنسب الآن نرى أنه ينبغي أن يكون "إنهاء
الموقف"، أو "لمّ الشمل"، أو أيّا ما يكون فالمهم المُسمى؛ إذ إن
الإخوان أضاعوا جميع أوراق اللعب الخاصة بهم من أيديهم خلال سبع سنوات على الأقل،
ولم يبق لهم على أفضل الكلمات إلا التعقل، ويكفي ما حصدوه نتيجة التعجل؛ وعدم
دراسة القرارات دراسة وافية.
وإن كنا لسنا في معرض تذكر ما مضى، إلا أن قرار نزولهم
للرئاسة وحكم مصر كان القشة التي قصمت ظهر الجماعة وتكاد تودي بها للمرة الثانية
بعد محنة 1954م، لكن دون وجود قدرات أو إمكانيات أو استعدادات لديها أمام الموقف
المُغرق في الدماء والإلغاء بل الإفناء.
فماذا تنتظر جماعة الإخوان إذا؟
ومتى يتفهم قادتها بوضوح تام أنهم يزيدون من معاناة
وموقف الأمة المُخجل بسعيهم خلف الأوهام، وإضاعتهم جميع المقدرات من بين أيديهم؟
ومتى يكفون عن خزعبلات القول وشحن طرف من الصف بـ"النصر"
و"المعركة الصفرية"، وهلم جرا من ترهات للأسف الشديد؟
إن السيسي إذ يرفعهم فوق رأسه كفزاعة للغرب بدعوى وزعم
الإرهاب، فإنهم من جانب آخر يُصرون على الأبجديات والمفاهيم نفسها التي تكاد تقضي
عليهم، وكأنهم يعملون ضد أنفسهم، أو كأن عدوهم ملك أمرهم بدلا منهم!
فأين الذكاء والوعي والقيادة الفاهمة لتدرك أن الرسول،
صلى الله عليه وسلم، في صلح الحديبية كان أقوى من الجماعة بمرات كثيرة، ومحا اسمه
الشريف لأجل حقن الدماء؟
ولماذا لا تقدم الجماعة مقاصد الشريعة الواضحة وفي
مقدمتها حفظ النفس على حب النفس لدى بعض القيادات (على الأقل)، وإيثار لعاعة من
الحياة الدنيا على مصلحة مئات الآلاف من التابعين لهم؟
وحتى متى تُمد هذه القيادات التي جاوزت من العمر سنين
كثيرة تزيد عن السبعين، على الأقل، أن الصف الذي يُفترض أنهم يُعبرون عنه متضررٌ
من إبقائهم على هذا الصراع العاتي إلى ما لا نهاية، ولكنهم لا يحسنون التعبير عمّا
بداخلهم نتيجة التحزبات والأساليب السائدة في الجماعة للأسف للذين يعارضون قادتها، وهي من ليست من أبجديات الإخوان؟
ومتى تفهم قيادات الجماعة أن الله سيسألهم عن موقفهم هذا
يوم لا ينفع مال ولا بنون، بخاصة عدم إحسانهم الدخول في صراع لا تبدو نهاية له، وإصرارهم على موقف بالغ الالتباس يدفع ثمنه آخرون؟
لقد انتظرنا منذ 2013م أن ينعم الله علينا وعلى الأمة
كلها انطلاقا من مصر برجال يُزيلونَ هذا الواقع المرير الأليم، ويستطيعون إحراج
السيسي ونظامه عبر آليات محسوبة تتجاوز عن المكاسب وتقدم الإصلاح، فأخر الله تحقيق
أمنيتنا، ولكننا واثقون من لحظة مُواتية تنهي هذه المذبحة الدامية التي يسعد بها
غير المخلصين وبعض فاقدي العقل، فما من شعب مرّ بمثل هذه المعاناة إلا وتم حلها
عبر اتفاق ينهي الآلام، وإن طال الزمن!