هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "ليترا 43" الإيطالية، تقريرا تناول العواقب الاقتصادية للوباء في الصين، والمجهول الذي ينتظر الحزب الشيوعي الحاكم.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المكتب الوطني الصيني للإحصاء قد أعلن عن أول هبوط اقتصادي منذ سنة 1976، حيث انخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 1.1 بالمئة في آذار/ مارس مقارنة بالسنة الماضية، بينما تراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 15.8 بالمئة، مشيرة إلى أنها بوادر أزمة بإمكانها أن تؤدي أيضًا إلى تغييرات سياسية داخلية لم يكن من الممكن تصورها سابقًا.
وأضافت الصحيفة أنه قبل أيام قليلة، أعلن المسؤولون الصينيون للعالم أن ثاني أكبر اقتصاد على كوكب الأرض تراجع بنسبة 6.8 بالمئة في الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2020 مقارنة بالسنة التي سبقتها، مما وضع حدا لنمو مستمر وشرس ودون عوائق، كان قد نجا من قمع ساحة تيانانمن ومن وباء السارس وحتى من الأزمة المالية العالمية.
ولكن يبدو أن هذا النمو لم ينج من فيروس كورونا، حيث توضح سلسلة الأرقام القاسية حجم التحدي الضخم المتمثل في إعادة إنعاش الاقتصاد العالمي، وهو تحد لا يمكن لبكين التهرّب منه، ولن ينجح في حال لم تنهض الصين مجددا.
وفي الواقع، منذ أن خرجت الصين من الفقر المدقع والعزلة السياسية، قبل أكثر من 40 سنة، أصبحت أهم محرك نمو في العالم، والذي سمح بإعادة التشغيل خلال أسوأ الفترات، مثل فترة ما بعد الأزمة المالية لسنة 2008.
وفي الأثناء تحاول هذه البلاد الآن إعادة تشغيل اقتصادها الضخم البالغ 14 تريليون دولار، وهو جهد يمكن أن يوفّر إما دعما جوهريا لبقية العالم أو ضربة قاتلة.
لقد أدّى انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة وأوروبا، الذي جمد اقتصاداتهما، إلى انخفاض الإنتاج العالمي ومتطلبات السوق هذه السنة بطريقة لم تشهدها من قبل.
وأبرزت الصحيفة أنه لهذا السبب، تواجه بكين الآن مفارقة اقتصادية حقيقية: فالعملاق الآسيوي يخرج أولا من الأزمة الصحية في حين أن بقية العالم لا يزال يواجه الوباء وعواقبه الاقتصادية المدمرة بشكل مأساوي.
اقرأ أيضا : فورين أفيرز: هل انتصر الرئيس الصيني في أزمة كورونا؟
ولكن مما لا جدال فيه أن هذا الوضع سوف يؤثّر على بكين، فهي مهددة بإبطال أعمالها بسبب الهبوط العالمي في الاستهلاك وانكماش جميع اقتصادات العالم الأخرى.
كذلك، فقد أدّى الوباء ومحاولات احتوائه إلى خفض الطلب العالمي على المنتجات الصينية بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى إغلاق المصانع، وزيادة البطالة والأزمة الاقتصادية الداخلية، حتى مع محاولة البلاد العودة إلى الأعمال التجارية لاستئناف الاقتصاد بكل الطرق.
الصين تعيش أول انكماش اقتصادي في العقد منذ سنة 1976
أفادت الصحيفة بأن الصين رفعت تدريجيا العديد من القيود على العمل والسفر في الأسابيع القليلة الماضية.
غير أن رجال الأعمال في جميع أنحاء البلاد متفقون على أن الأوقات صعبة، وفي حين تضغط الحكومة على الصينيين لبدء الاستهلاك والإنفاق كالسابق قبل أزمة كورونا، إلا أن العائلات ترفض ذلك، فهم لا يزالون خائفين وواقعين تحت تأثير صدمة الأحداث التي مرّوا بها.
من جهة أخرى، أعلن المكتب الوطني الصيني للإحصاء رسميا عن أول انكماش اقتصادي منذ الأوقات المظلمة في سنة 1976، عندما واجهت البلاد الأيام الأخيرة من الثورة الثقافية.
وأفادت الصحيفة أن مرحلة النمو التاريخي للصين تعززت بفضل إنشاء شبكة بنية تحتية واسعة وعصرية تضم الطرق السريعة والسكك الحديدية، ومن خلال ريادة الأعمال القوية لشعبها وقوتها العاملة الماهرة.
كما كانت الحكومة على استعداد لوضع مخاوف الحقوق البيئية وحقوق العمال جانبا لغرض أعلى هو زيادة الإنتاج الاقتصادي باستمرار. غير أن فيروس كورونا أوقف محرك الصين الصناعي الضخم.
وأوضحت الصحيفة أن خيارات بكين محدودة، إذ تجنبت حتى الآن نشر "قوة نارية" مالية ضخمة من خلال توفير السيولة والمساعدات كما تفعل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
كذلك، فإن اقتصادها أصبح كبيرا ومعقدا للغاية بحيث يصعُب تنشيطه بين عشية وضحاها كما حدث في سنة 2008، عندما وضعت بكين خطة لإنفاق أكثر من نصف تريليون دولار في وقت وجيز.
لكن الوضع الاقتصادي للصين اليوم مختلف جدا، ويكفي أن نذكر أن أكبر شبح مزعج يحوم حول الصين اليوم هو الدين العام.
المجهول في مستقبل الحزب الشيوعي الصيني
أشارت الصحيفة إلى أن الإنتاج الصناعي انخفض بنسبة 1.1 بالمئة في آذار/مارس مقارنة بالسنة الماضية، بينما تراجعت مبيعات التجزئة بنسبة 15.8بالمئة.
وانخفض الاستثمار في الأصول الثابتة بنسبة 16.1 المئة في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2019. وقد تأتي الضربة التالية للاقتصاد الصيني من ضعف الطلب العالمي على صادراتها.
في الواقع، إن معرض كانتون هو الحدث الرئيسي في هذا الصدد في البلاد، الذي يستقبل سنويا عشرات الآلاف من العارضين ومئات الآلاف من المشترين من جميع أنحاء العالم.
كان من المفترض أن بدأ بالفعل ويستمر حتى أوائل أيار/مايو، ولكن بدلا من ذلك، سوف يتلخص في حدث متواضع عبر الإنترنت، من المقرر إجراؤه في منتصف حزيران/يونيو.
ولفتت الصحيفة إلى أن الصين أغلقت حدودها بإحكام شديد لدرجة أنه حتى الأجانب المقيمين فيها الذين عادوا إلى بلدانهم خلال الوباء لا يُسمح لهم بالعودة.
وقد أدى ذلك إلى تباطؤ مشاريع البناء الكبرى والبنية التحتية والاستثمارات الأخرى التي تتطلب تقنيين ومتخصصين أجانب عالقين بعيدا.
ووفقًا "لسبايس ناو"، المنصة الرائدة في استخدام البيانات الفضائية لتحليل الاتجاهات في الاقتصاد العالمي، تشير صور الأقمار الصناعية للإضاءة الليلية في الصين إلى أن القوة الصناعية للبلاد تعمل بنصف نظامها مقارنة بفترة ما قبل فيروس كورونا.
وعادت المصانع إلى العمل، لكن العثور على أسواق لمنتجاتها قد يكون أكثر صعوبة مما كان متوقعا.
في الختام، ترى الصحيفة أن الحزب الشيوعي الصيني القوي الذي حكم البلاد بأيد حديدية لأكثر من سبعين سنة يمكن أن يكشف عجزه وعدم كفاءته تجاه التحديات المستقبلية.
وقد يواجه الصينيون بالفعل خيارا دراماتيكيا، وهو بقاء نظام حكم سيطر عليهم لفترة تبدو لانهائية أو ولادة الصين الجديدة في الألفية الثالثة.