هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بينما ننتظر التقارير اليومية التي تبعث على الكآبة، حول أرقام المصابين بفيروس كورونا، باحثين في ثنايا ذلك عن الأخبار السارة التي باتت شحيحة بالنسبة للفلسطينيين، الذين شهدوا تشكيل حكومة إسرائيلية تتأهب للاستمرار في سياساتها القمعية وإجراءاتها غير القانونية بما في ذلك الالتزام بضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية.
ولذلك فإن مما يثلج الصدر تلقي أخبار تفيد بأن حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني، والتي أعتز بترأسي لها، قد هزمت الحكومة البريطانية في المحكمة العليا، وأحبطت مساعيها لمنع برامج التقاعد المحلية من سحب استثماراتها من شركات متواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي ومن الصناعات الحربية البريطانية.
الدعم الأعمى لإسرائيل
كم مرة تمكن الفلسطينيون ومناصروهم من القول إنهم هزموا الحكومة البريطانية؟
إن الدعم الأعمى الذي ما لبثت تقدمه الحكومات البريطانية المتعاقبة، بما فيها حكومة بوريس جونسون، لإسرائيل موثق بشكل جيد.
فما من رئيس وزراء بريطاني في السنوات الأخيرة إلا وأشاد، في مناسبة أو أخرى، بصداقة بريطانيا مع إسرائيل، أما الصداقة مع الشعب الفلسطيني فلا ذكر لها على الإطلاق.
ضمن سعي الحكومة البريطانية لإيجاد فرص تجارية فيما بعد بريكسيت (الخروج من الاتحاد الأوروبي)، كانت إسرائيل في صدر قائمة البلدان التي أرادت الحكومة البريطانية توقيع اتفاق تجاري معها في وقت مبكر.
كما بادرت بريطانيا مؤخراً إلى وقف دعمها للقرارات التي تتخذ في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والتي تدين الاحتلال الإسرائيلي ومشاريع الاستيطان، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين وجهت إنذاراً لمجلس حقوق الإنسان.
صحيح أن بريطانيا تقدم بعض العون للفلسطينيين وتدعم وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ولكنها لم يسبق أن اتخذت إجراءً واحداً لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها الكثيرة للقانون الدولي ومعاملتها الظالمة للفلسطينيين.
علينا أن نتذكر أن هذه هي الدولة التي أصدرت وعد بلفور ثم تركت الفلسطينيين بلا حول ولا قوة يواجهون وحدهم إقامة إسرائيل في أرضهم عام 1948.
لقد أدانت بريطانيا مراراً وتكراراً المستوطنات غير القانونية، ولكنها لم تتخذ أي إجراء من شأنه أن يُخضع إسرائيل للمحاسبة.
ومؤخراً، حذر وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جيمز كلفرلي إسرائيل من الإقدام على ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية، ولكنه قام بعد ذلك بتهنئة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي تعهدت وبشكل سافر بتنفيذ ذلك الضم.
لغة الخطاب المزدوج
كلما اعتدت إسرائيل على غزة، تنحاز بريطانيا إلى جانبها، زاعمة أن من حقها الدفاع عن النفس. بل حتى تبيعها السلاح دون أن تضمن أن إسرائيل لن تستخدمه ضد الفلسطينيين.
فهي لا ترى إسرائيل كمنتهكة للقانون الدولي وكبلد يمارس أطول احتلال في التاريخ، وإنما كحليف مهم وكشريك تجاري. عندما كان بوريس جونسون وزيراً للخارجية تفاخر أثناء زيارة لإسرائيل بأن بريطانيا هي أكبر شريك تجاري مع إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي.
أيدت بريطانيا "وضع علامة" على البضائع الواردة من المستوطنات ولكنها لم تحظرها. وصرح وزراء الحكومة مراراً وتكراراً بأنهم يعارضون مقاطعة إسرائيل.
بمعنى أعم، تعارض بريطانيا حركة بي دي إس (المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات) السلمية، والتي أطلقها الفلسطينيون في عام 2005 للضغط على الحكومة الإسرائيلية حتى تنهي الاحتلال، وتساوي بين جميع المواطنين في المعاملة، وتحترم حق الفلسطينيين في العودة، وهذه المطالب الثلاثة كلها مشروعة وأخلاقية.
والحقيقة أنها مطالب ينبغي على أي دولة ديمقراطية تحترم نفسها وتتحدث عن قيم حقوق الإنسان وتدعي أنها تدعمها، بما في ذلك بريطانيا، أن تطالب بها دولة تعتبرها حليفاً لها. ولكننا نجد بدلاً من ذلك خطاباً مزدوجاً، إذ تزعم بريطانيا أنها تندد بإجراءات إسرائيل غير القانونية بينما تكافئها من خلال تحصينها من المساءلة وتعزيز التعاون التجاري معها.
هذا وقت المراجعة
في ضوء هذه الخلفية، كان من الأهمية بمكان أن تُمنى الحكومة البريطانية بهزيمة في سعيها الأخير لتحصين إسرائيل من أن تمارس عليها ضغوط مشروعة وأن يحبط هذا المسعى داخل المحكمة.
ما من شك، بالطبع، أن ذلك كان انتصاراً محدوداً في موضوع برامج التقاعد. فلم يكن يتعلق بحماية حق أنصار العدالة في ممارسة الضغط على إسرائيل بشكل أوسع من خلال حركة بي دي إس.
ومع ذلك ينبغي على الوزراء أن يأخذوا بالاعتبار هذا الحكم وأن يراجعوا خطة الحكومة التي تهدف إلى إجبار المؤسسات العامة على تجنب المقاطعة.
قد تدعي الحكومة أن إجراءها ذلك ينطبق على كل الأقطار، ولكن ما من شك في أن الحافز الأساسي كان بكل وضوح توفير الحماية لإسرائيل.
ساهمت عدة هيئات في دعم قضية حملة التضامن مع فلسطين، ومنها الكويكرز، وحملة مناهضة تجارة السلاح، وحركة الحرب ضد العوز، مما يشير إلى أن تصرف الحكومة اعتبر عدواناً على حرية التعبير بشكل عام وليس فقط على قضية فلسطين.
سيكون أسوداً ذلك اليوم الذي تسن فيه بريطانيا تشريعاً يقيد المقاطعة كتعبير عن رفض الأعمال غير القانونية
من المعروف أن رفع القضايا في المحاكم أمر ينطوي على مجازفة وتكاليفه باهظة، ولذلك ينبغي تحري الحذر والتفكير ملياً قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة.
إنني على ثقة بأن عدداً من الهيئات أكبر بكثير سيرى في التشريع المقترح من قبل الحكومة لحظر المقاطعة تقييداً لقدرتها على ممارسة النشاط الذي يهدف إلى مراقبة وتحدي المؤسسات العامة.
ينبغي أن ينجم عن ذلك، نظرياً، أن تصبح خطط الحكومة لسن تشريع مناهض لحركة بي دي إس أكثر صعوبة، حيث إن معظم أعضاء البرلمان ممن يتحلون بالنزاهة سيعتبرون ما تنوي الحكومة الإقدام عليه تجاوزاً الغرض الأساسي منه هو حماية إسرائيل.
فلسطين وما وراءها
إلا أن من المؤسف والمزعج في نفس الوقت أن نرى وزير شؤون الجاليات في حكومة الظل ستيف ريد يقول في حديث مع بعض ممثلي الجالية اليهودية إنه سوف يشجع القيادات العمالية المحلية على عدم تأييد مقاطعة إسرائيل.
وهذا يعني أن قيادة العمال الجديدة ستكون في موقع المؤيد للتشريع الذي تقترحه الحكومة ضد حركة بي دي إس، ربما سعياً من هذه القيادة الجديدة لإثبات أنها تتعامل بحزم مع ظاهرة معاداة السامية.
إلا أن تلك حجة غير نزيهة لدعم جهود الحكومة التي إنما يراد منها تحصين إسرائيل وليس حماية الجالية اليهودية في بريطانيا من معاداة السامية.
وبالفعل، سيكون أسودَ ذلك اليوم الذي تسن فيه بريطانيا تشريعاً يقيد المقاطعة كتعبير عن رفض الأعمال غير القانونية.
ينبغي على أنصار حقوق الإنسان في كل مكان معارضة أي محاولة لتقييد قدرتهم على التعبير وعلى تسليط الضوء على الأنظمة والسياسات التي تنتهك حقوق الإنسان ومعايير الديمقراطية – وليس فقط في ما يتعلق بفلسطين.
عن ميدل إيست آي