هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء، على تداعيات استمرار مشروع مدينة "نيوم" السعودية، والتي تشكل حلما لولي العهد محمد بن سلمان.
وتحت عنوان "إنها بنيت على دمنا: الثمن الحقيقي للمدينة السعودية العملاقة التي تكلف 500 مليار دولار"، كتبت روث مايلكسون، التقرير الذي ترجمته "عربي21"، والذي جاء على ذكر المدينة الموعودة، وهي المشروع الأكبر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث تم نحت اسمها من كلمة (نيو/ جديد بالإغريقية، و"م" مستقبل من العربية، أي نيوم).
وقال التقرير إن المدينة التي ستقام على مساحة تعدل مساحة بلجيكا، على الطرف الشمالي من شاطئ البحر الأحمر، حملت معها وعودا غريبة للمدينة التي تكلف 500 دولار أمريكي.
وبحسب الأوراق التي تحدد استراتيجية بناء المدينة، فالمشروع قد يشمل قمرا صناعيا وشواطئ تلمع في الظلام ومتنزه ترفيه على طريقة جوراسيك بارك الذي تعيش فيه السحالي المتحركة.
ولفت التقرير إلى أن المدينة الموعودة وبحسب مواد الترويج لها، "ستقام على أرض "عذراء" خالية من السكان جاهزة لكي تغزوها تكنولوجيا المستقبل"، ويقول أحد أعضاء فريق نيوم في الفيديو الترويجي: "بعد عشرة أعوام من الآن سننظر للخلف ونقول إننا أول من جاء إلى هنا".
ومع ذلك فجزء من أرض مشروع المدينة، يعود إلى قبيلة الحويطات، التي توزعت في السعودية والأردن وشبه صحراء سيناء منذ عقود.
وبحسب التقرير يواجه الآن حوالي 20.000 من أبناء القبيلة الطرد من أراضيهم وبدون تفاصيل عن المكان الذين سينقلون إليه ويعيشون فيه مستقبلا.
وفي هذا الصدد تقول الناشطة الناقدة وابنة القبيلة التي تعيش في لندن، علياء أبو تايه- الحويطي: "بالنسبة لقبيلة الحويطات فإن نيوم تبنى على دمنا وعظامنا"، وأضافت: "إنها بالتأكيد ليست من أجل الناس الذين يعيشون هنا، فهي للسياح ومن يملكون المال، ولكن ليس للسكان الأصليين الذين يعيشون هنا".
وبالنسبة لبعض السعوديين ومن بينهم أبناء الحويطات، فنيوم بنظامها القانوني الموازي الذي يرتبط بالملك مباشرة تمثل نسخة نخبوية للمجتمع السعودي، وصممت من أجل استبعادهم.
ويقول التقرير إن بإمكان زوار المدينة تناول الخمور والتمتع بأحسن الوجبات في هذه المدينة المستقبلية، والتي تضم شبكة جمع معلومات بما في ذلك تكنولوجيا التعرف على الوجه وفي كل هذه المدينة - الدولة.
اقرأ أيضا : معهد واشنطن: حلم ابن سلمان يصطدم بواقع مؤسف
وكشفت وفاة عبد الرحيم الحويطي في 13 نيسان/ أبريل، حجم التوتر بين القبيلة وخطط التطوير التي تقوم بها المملكة، وعبد الرحيم كان من الذين وجهوا نقدا لمشروع المدينة من خلال أشرطة فيديو حملها على منصات التواصل الإجتماعي، وكيف واجه في إحداها مسؤولا سعوديا زار البلدة للتحدث مع المواطنين.
ونشر الحويطي آخر شريط فيديو له في منتصف نيسان/ أبريل وقال فيه: "لقد باشروا بترحيل الناس وبدأوا عملية مسح للبيوت بنية طردهم وترحيلهم عن أرضهم"، وقال متحدثا عن قوات الأمن: "لقد اعتقلوا أي شخص قال إنه يعارض الترحيل، ولا يريد الانتقال ويرغب بالبقاء في بيته".
وأضاف: "لن أستغرب أنهم سيأتون لقتلي الآن في بيتي ووضع سلاح إلى جانبي"، وفي مساء ذلك اليوم صور فيديو من سطح منزله وقال فيه: "هل ترونهم؟ لقد جاؤوا لقتلي".
وصور مواطنون في الخريبات اشتباكا وإطلاق نار من خارج بيته، ثم صوروا لاحقا من داخله حيث نقلوا علامات الرصاص على جدرانه.
وأصدرت السلطات السعودية لاحقا بيانا قالت فيه إن الحويطي قتل في مواجهة مع قوات الشرطة المحلية التي ردت بعدما جرح اثنان من قوات الأمن.
ووصف مؤيدو الحويطي ومنظمات حقوقية مقتله بأنها عملية "قتل خارج القانون"، وعن ذلك تقول علياء الحويطي: "لقد قتلوه ليضربوا مثلا: أي شخص يفتح فمه سينال نفس العقوبة".
وتقول منظمة القسط السعودية لحقوق الإنسان، إن السلطات السعودية قامت بالتغطية على قتل عبد الرحيم الحويطي، وحاولت استرضاء القبيلة.
وقالت المنظمة: "إنهم يحاولون تحقيق خبطة إعلامية من خلال دفع قادة القبيلة للتبرؤ من عبد الرحيم وتجديد بيعتهم للملك"، ورافقت هذه الجهود عملية اعتقال لثمانية أفراد من القبيلة.
وترى علياء الحويطات أن مقتل عبد الرحيم الحويطي والترحيل القسري لأبناء الحويطات يكشف عن عدم اهتمام المملكة بالمجتمعات القبلية التي تسيدت المملكة وتم قمعها.
وأضافت: "بدأ محمد بن سلمان بإخبار القبائل: سنطور منطقكتم، وستحصلون على المال، وصدقوه في البداية، وبحلول عام 2019 بدأوا بالقول: سنفرغ ثلاث قرى ونجبر سكانها على الرحيل"، وتضيف: "لا يوجد شيء اسمه قبيلة بالنسبة لمحمد بن سلمان، فهو لا يهتم بالقبائل".
وقالت عالية إنها تلقت تهديدا بالقتل لأنها نشرت مواد عن مقتل عبد الرحيم والقبيلة، على منصات التواصل، بما فيها تهديدات أبلغت الشرطة البريطانية عنها.
وتضيف الصحيفة أن فريق شركة العلاقات العامة لنيوم، وكذا مدراء شركة الإستشارات التي استأجرتها السعودية لإدارة المشروع العام الماضي بمليوني دولار، لم ترد على أسئلتها ولا السفارة السعودية في واشنطن.
ولكن علي الشهابي، عضو المجلس الإستشاري لنيوم قال للغارديان إن أفراد القبيلة الذين هجروا سيحصلون على تعويضات، لكنه لا يعرف عدد من سيتم تعويضهم ومتى.
بدوره قال جيمس سوزانو من المنظمة الأوروبية - السعودية لحقوق الإنسان: "نتوقع مشاكل قريبة، خاصة في عملية مصادرة الأراضي الواسعة كما في نيوم، وستحدث عمليات ترحيل قسري، وسبق أن رافقت عمليات سابقة للدولة انتهاكات لحقوق الإنسان".
وتقول الصحيفة إن تدمير المجتمعات في نيوم يأتي بعد عقود من التوترات بين آل سعود والقبائل الذين حكموها منذ تأسيس الدولة عام 1932.
وتميز حكم العائلة السعودية بممارسة الضغط للسيطرة على الأراضي أو تدمير معالم تراثية، ففي عام 2017 سجلت الأمم المتحدة تدمير المملكة لسور تاريخي في بلدة العوامية، شرق القطيف واعتبرته خرقا لحقوق الإنسان.
وقالت كريمة بنون، المقررة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية بالأمم المتحدة: "لقد تم حرق البنايات التاريخية بطريقة لا يمكن إصلاحها ودمرت باستخدام الجيش عددا من الأسلحة، وأجبروا السكان على الفرار من أحيائهم".
وتشير الصحيفة إلى مشروع مدينة الملك عبد الإقتصادية الذي رصد له 10 مليارات دولار، وقصد منه أن يكون "منطقة خاصة" وقد تبدد منذ البدء به عام 2006، وعانى من التأخير والارتباك حول هدفه حتى بعدما حاولت الحكومة العودة إليه عام 2016.
في الأثناء يقول نقاد نيوم إنها ستعاني من نفس المصير، ومع أن البناء مستمر فيها رغم التحديات التي تواجه المملكة من فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط، إلا أن تحقيق المشروع يحتاج إلى ثروة النفط.
وفي هذا الصدد يقول جوش كوبر من منظمة القسط: "من الواضح أن المشروع هو عن الغرور ويستهدف النخبة المحلية والإعجاب الدولي في ما يتعلق بالسعودية الجديدة المنفتحة والليبرالية"، وفي نفس الوقت لا يسمح بمشاركة السكان المحليين أو يدخلهم في عملية اتخاذ القرار.
وبالنسبة لكوبر فمشروع نيوم "ليست رؤية براقة عن المستقبل بقدر ما هي رمز قاتم عن انتهاكات حقوق الإنسان والتي برزت من خلال معاملة قبيلة الحويطات، كما أنها تكشف عن غياب الهياكل التي يستطيع السكان من خلالها التعبير عن مواقفهم في قضايا ليست خلافية كالحقوق السياسية والمدنية".