كتاب عربي 21

تحركات في الساحة السياسية التركية

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600

شهدت الساحة السياسية التركية في الأيام الأخيرة تبادل الاتهامات بين الحزب "الجيد" الذي ترأسه ميرال آكشنير، وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني. وكانت آكشنير قالت إنها ترى موقع حزب الشعوب الديمقراطي بجوار حزب العمال الكردستاني، ورد عليها القيادي في حزب الشعوب الديمقراطي، سري ثريا أوندر، قائلا إنه ليس من حق الحزب "الجيد" أن يحدد "إحداثيات" لحزبهم، مضيفا أن حزب آكشنير كان يرسل إليهم وسطاء بالأمس القريب ليستشيرهم في تحديد الأسماء التي يمكن أن يعمل معها في بعض المناطق.

الحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي من أهم شركاء "تحالف الملة" الانتخابي، الذي نجح حزب الشعب الجمهوري بفضله في الفوز برئاسة البلدية في العاصمة أنقرة وإسطنبول في الانتخابات المحلية الأخيرة، ولولا دعم الحزبين أو أحدهما لما نجح في ذلك. وبالتالي، أثارت التصريحات المتبادلة تساؤلات حول مستقبل هذا التحالف.

آكشنير وكثير من أعضاء حزبها، انشقوا عن حزب الحركة القومية، ويدَّعون بأنهم هم "الممثلون الحقيقيون للتيار القومي التركي"، كما أن الحزب يخاطب بالدرجة الأولى ود الناخبين القوميين من الأتراك. وفي المقابل، يعتبر حزب الشعوب الديمقراطي ممثل الانفصاليين الأكراد، والامتداد السياسي لحزب العمال الكردستاني. ولا يؤيد أنصار كل من الحزبين تحالف حزبهم مع الآخر. ولذلك، لم يكن تحالفهما في الانتخابات الأخيرة مباشرا ومكشوفا، بل كان مستورا وعن طريق تحالفهما مع حزب الشعب الجمهوري.

تصاعد التوتر بين الحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي تزامن مع الأحاديث التي تدور في الأوساط السياسية والإعلامية، حول احتمال تشكيل تحالف انتخابي ثالث

تصاعد التوتر بين الحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي تزامن مع الأحاديث التي تدور في الأوساط السياسية والإعلامية، حول احتمال تشكيل تحالف انتخابي ثالث، يضم كلا من الحزب الجيد، وحزب السعادة، والحزب الديمقراطي، بالإضافة إلى حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان. ولتشكيل مثل هذا التحالف، لا بد من انشقاق الحزب الجيد وحزب السعادة والحزب الديمقراطي من "تحالف الملة"، ليبقى فيه حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي فقط.

محاولة تشكيل تحالف انتخابي جديد، تهدف إلى دعم الحزبين الجديدين اللذين أسَّسهما منشقون عن حزب العدالة والتنمية، ليتمكنا من الصمود في الساحة السياسية، ويدخلا البرلمان في الانتخابات المقبلة؛ لأن نتائج استطلاعات الرأي حاليا مخيبة لآمال داود أوغلو وباباجان، وتؤكد أن الساحة السياسية المزدحمة ليست بحاجة إلى حزب جديد، وتشير إلى أن شعبية الحزبين الجديدين تتراوح ما بين 1 في المئة و2 في المئة.

تشكيل تحالف ثالث ليس بأمر هين؛ لأنه بحاجة إلى مساومات طويلة، وحسابات دقيقة، وتنازلات متبادلة، لتقاسم الكعكة وإرضاء جميع الأطراف المشاركة فيه. وفي نهاية المطاف، قد تفشل كافة الجهود المبذولة من أجله. وهذا ما لفت إليه رئيس حزب السعادة، تمل كارا مللا أوغلو، الذي أكد وجود مباحثات لتشكيل تحالف جديد يضم الأحزاب اليمينية الخمسة، إلا أنه استدرك قائلا إنه ليس من الصواب أن يتحدث عن المشهد الذي ستسفر عنه تلك المباحثات. كما أن تشكيل التحالف المذكور قد لا يؤدي إلى النتائج المرجوة منه، ولا يرفع شعبية الأحزاب المشاركة فيه.

 

تشكيل تحالف ثالث ليس بأمر هين؛ لأنه بحاجة إلى مساومات طويلة، وحسابات دقيقة، وتنازلات متبادلة، لتقاسم الكعكة وإرضاء جميع الأطراف المشاركة فيه

تركيا انتقلت في صيف 2018 من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وفي هذا النظام الجديد، يشكل الرئيس المنتخب الحكومة ويرأسها، ولا تحتاج الحكومة إلى الحصول على ثقة البرلمان. ولذلك، فوز الأحزاب الصغيرة بمقعد أو مقعدين في البرلمان لا يغير المعادلة السياسية، في ظل احتفاظ "تحالف الجمهور" بشعبيته. بل تحتاج المعارضة إلى مرشح توافقي يمكن أن ينافس رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن أردوغان ما زال المرشح الأقوى لرئاسة الجمهورية، وأن هناك فرقا كبيرا بين أصواته وأصوات أقرب منافسيه المحتملين، وهذا ما يمكِّنه من حسم الفوز في الجولة الأولى. كما أن شعبية حزب العدالة والتنمية تصل إلى 45.4 في المئة، فيما تصل شعبية حزب الحركة القومية إلى 9.8 في المئة، ما يعني أن شعبية "تحالف الجمهور" الذي يشكله الحزبان هي اليوم تتجاوز 55 في المائة.

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة ستجرى في صيف 2023، أي بعد حوالي ثلاث سنوات. وقد تحلم المعارضة بانتخابات مبكرة، إلا أنه لا تبدو حاليا في الأفق بوادر لها. ومن الطبيعي أن تشهد الساحة السياسية خلال هذه الفترة تحركات لتشكيل تحالفات استعدادا للانتخابات، إلا أن مدى احتفاظ "تحالف الجمهور" بشعبيته هو الذي سيحدد بالدرجة الأولى نجاح تلك التحركات وعدمه.

 

twitter.com/ismail_yasa

التعليقات (0)