إنه حفيد الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة
السعودية الثالثة،
الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، الشاعر المعروف بـ"ثوريته" التي (على ما يبدو) أنه كان مسموحا له/ أو مكلفا بها، لا فرق! إلى جانب سياسات أخرى انتهجتها المملكة على مدى عقود خلت؛ لحرف الأنظار (في الداخل والخارج) عن استبداد النظام السعودي الذي سلب أهل الجزيرة العربية عروبتهم، وأصولهم الضاربة في عمق التاريخ، فأصبحوا "سعوديين" (بحد السيف) عُنوة وقهرا!
أما المبارزة، فقد وقعت على صفحة الأمير الشاعر في
تويتر، وكانت تغريدته عن
قطر!! ذلك "النتوء الخليجي" المتمرد، أو "اللسان" الذي طال، فتجاوز مياه الخليج.. وتمدد، فتخطى "الحدود"، غربا وشمالا وجنوبا! فكان لا بد من "قطعه" أو "ابتلاعه"!.. ذلك اللسان الذي نطق بما يجيش في صدور الشعوب العربية المقهورة، يوم كانت كل الأفواه مُكممة من محيط الأمة إلى خليجها!.. فلماذا قامت قطر بهذا الدور عبر "جزيرتها"؟!.. قطعا لها حساباتها، لكن ليس هذا موضوع مقالنا اليوم.
وددت لو وجدت في تغريدات الأمير موضوعا غير قطر، كي أعلق مُذكِّرا إياه والرأي العام، بقضية زميلنا الشهيد جمال خاشقجي، وما لحقه على يد زبانية أمير ألعاب الفيديو محمد بن سلمان، الذي يكيل له الأمير الشاعر الثناء والمديح في كل مناسبة، ويؤكد على ولائه التام له بدون مناسبة.. نعم وددت لو وجدت موضوعا غير قطر؛ لأعلق عليه، كي لا يظن أهل السوء (وهم أكثر من أن يحصوا) أني أدافع عن قطر، أو حكومتها، أو سياستها.. لكني (للأسف) لم أجد، وكان هذا
الحوار الماتع المكتظ بالرموز التعبيرية (إيموشنز)!
كتب الأمير الشاعر
مغردا:
"حمد بن جاسم يُطل من جديد واعظا ومنظرا.. الجديد أنه يستشهد بقول الله عز وجل (ولا يحيق المكر السيئ إلّا بأهله).. صاحب تسجيلات "الوفاء الجيد" تجاه السعودية مع القذافي، يتحدث عن المكر السيئ.. "
الحصار" ما هو إلا نتيجة لأعماله وإرثه، ووجوده ومكره السيئ..! وما داموا بخير.. فكل عام وهم بخير!"
وكان
تعليقي الذي لا علاقة له بتغريدة الأمير الشاعر:
"سمو الأمير.. كنت زمان شايفك شاعر ثوري (ابتسامة عريضة باردة).. أي والله زمبؤلك كدا (تعبير شبابي مصري يعني: كما أقول لك تماما).. ممكن تُسمِع جمهورك العريض قصيدة عن جمال خاشقجي؟! أرى أن هذا الرجل أحب بلاده بصدق، ونصح لقيادتها بكل احترام وإخلاص.. فكيف تراه أنت؟!".
فرد الأمير الشاعر:
"رحم الله خاشقجي الذي صدر حكم ابتدائي على قتلته.. وتحدثت عن موقفي من مقتله مرارا.. وأعتز بكل ما كتبت شعرا وهو يعبر عني.. وتصنيفك لي كشاعر لا يهمني.. أخيرا ما علاقة ردك بما كتبت عن حمد بن جاسم؟ ومالذي استفزك لترد؟.. سأريحك وأجيب: أنتم مِن ضمن مكره السيئ (ابتسامة عريضة)".
فأجبت:
"يعني أنا خاطبتك بسمو الأمير.. وتكلمت معك بكل لياقة عن شخصية محترمة هو زميلنا الشهيد (بإذن الله تعالى) جمال خاشقجي.. وبعدين تقول لي "أنت مِن مكرهم السيئ، وماذا استفزك لترد؟!".. لم يستفزني شيء (وجه دامع من الضحك).. أي والله زمبؤلك كدا.. وقطر لها من يرد عنها.. أنا كنت حابب أسمع من سموك قصيدة عن خاشقجي.. بس.. (وجه مبتسم خجول)".
رد الأمير الشاعر:
"العفو يا أستاذ أحمد، وشكرا للياقتك.. وأنا قلت: "أنتم ولم أقل أنت".. وأعني بذلك جماعتك، وفضيلة المرشد.. هم مَن أعنِي بالمكر السيئ لحمد بن جاسم.. وسؤالك عن خاشقجي أجبتك عليه.. أخيرا: اذا كنت ترى أن لقطر مَن يرد عنها، فلماذا تطوعت بالرد على تغريدة ترد على حمد بن جاسم؟!.. ردك ضعيف.. زمبؤلك كدا.. (ابتسامة عريضة)".
فأجبت:
"والله إنت راجل عسل (ابتسامة عريضة) والحديث معك لا يُمل (وجه دامع من الضحك).. فضيلة المرشد وجماعتي بيسلموا على سموك.. إنما قتلة خاشقجي لأ.. أكيد سموك عارف الطريقة المصرية دي لما بينقطوا في الأفراح.. الشعرا آه.. أصحاب المناشير لأ (وجه دامع من الضحك).. تصبح على خير.. آه نسيت.. يا ريت تعلم الألتراس بتاعك الأدب..".
رد الأمير الشاعر:
"وانت كمان راجل عسل.. (وعاء عسل) و (ابتسامة عريضة).. بس الحديث معك يُمَل (وجه منقلب على الأرض من شدة الضحك).. سؤال أخير: إيه اللي جاب على بالك النقطة؟.. زمبؤلك كده.. باين إنه النقطة اللي بالريال القطري على الأنغام التركية أمان يالالالّي هي اللي خلتك ترد (ابتسامة عريضة جدا).. تصبح على خير".
فرديت:
"الله يسامحك.. ليه كدا بس؟! (وجه دامع من شدة الضحك).. اللي جاب النقطة على بالي إن سموك فكرني بالمعلمين بتوع الباطنية (حي تجارة المخدرات الشهير بمصر) شكلا وأسلوبا.. (وجه دامع من الضحك).. وحديثي ليس مملا، بل شيق وماتع، والدليل إنك رديت (وجه منقلب على الأرض من الضحك).. تمنياتي لك بصحة طيبة، وبوطن خال من المناشير، لا يُنَكِّل أولو الأمر فيه بأرحامهم ولا بالمصلحين فيه.. تحياتي (ثلاث زهرات رائعات)".
إلى هنا انتهى الحوار، ولا أقول أن الأمير قد عجز عن الرد، وإلا كنت متجنيا على الرجل ومتجاوزا في حقه، فكما هو واضح من ردوده، أنه خفيف الظل، و"ابن نكتة" كما يصف المصريون الظرفاء من الناس، ولديه ما يقوله وهو الشاعر..
أخلص من عرض هذه المبارزة "التويترية"، إلى أن الحوار ممكن بين المختلفين، مهما كانت درجة الاختلاف بينهما، حتى لو كان المتحاوران على طرفَي النقيص في مواقفهما، طالما أن كل طرف لديه الاستعداد للحوار.. بل إن الحوار يمكن أن يكون شيقا وماتعا، إذا تمت إدارته (من الطرفين) بذكاء ولياقة، حتى لو كان الضرب (أثناء المبارزة) تحت الحزام..
ورغم هذه الأريحية التي اتسم بها الحوار، إلا أن "أولتراس" الأمير الشاعر لم يكن كذلك، فقد عشت (خلال هذا الحوار) المعنى الحقيقي لمصطلح "الذباب الإلكتروني".. إنها أسراب هجومية لا تكف عن "الزَّن" ولو للحظة، وتستعين (في كل ثانية) بـ"فضلات إلكترونية" مُخزَّنة في "مجارير" الحواسيب، استعدادا لإلقائها في وجه كل من تُسَوِّل له نفسه إجراء مناقشة موضوعية، لقضية شغلت الرأي العام العالمي لشهور متصلة!
أما بالنسبة لتغريدة الشيخ حمد بن جاسم الذي طلب إليَّ الأمير الشاعر التعليق عليها، فأقول: لم يعد هناك عاقل أو منصف أو صاحب ضمير حي إلا وأصبح يعتقد جازما بأن قطر تعرضت لمؤامرة "ظبيانية سعودية بحرينية سيساوية" للإطاحة بنظام الحكم فيها، واحتلالها فعليا، وتنصيب "طرطور" أميرا عليها، على غرار ما فعله السيسي إبان الانقلاب على الرئيس مرسي رحمه الله؛ إذ جاء بشخص، لم يعد المصريون يتذكرون اسمه، ووضعه على رأس السلطة "مؤقتا" حتى يحين موعد انفراده الكامل بها. وفي الأثناء، كان "هذا المؤقت" يتلقى التعليمات والأوامر من وزير الدفاع الذي هو السيسي نفسه حينذاك، وكان ينفذها صاغرا دون مناقشة!
لن أتحدث عن حق قطر (كأي دولة) في الدفاع كيانها ووجودها، ولا عن نجاحها في استيعاب الصدمة وإدارة الأزمة، ولا عن قدرتها على استيعاب الأضرار الناجمة عن هذا الحصار غير المبرر أخلاقيا، رغم كلفتها الباهظة، ولا عن التزام قيادتها (على مختلف مستوياتها) بعفة اللسان، وأرقى الأساليب في التعبير عن المواقف السياسية فائقة الحساسية، ولا عن تفوق "جزيرتها" إعلاميا.. بل أدعو جميع أطراف هذه الأزمة (التي طالت وبقت ماسخة) إلى الجلوس حول مائدة مستديرة، دون شروط مسبقة؛ لطي هذه الصفحة "السوداء" التي "نسخها" التاريخ (بحذافيرها) من صفحة قديمة، جللت وجوه العرب بالعار، حتى يوم الناس هذا، وأعني هنا، حصار الكفار للمسلمين في شِعب أبي طالب بمكة لثلاث سنوات.. بيد أن "زعماء" دول الحصار (وكلهم مسلمون) ليس بينهم مَن يملك مروءة زهير بن أبي أمية (الكافر) الذي قال: "والله لا أقعد حتى تُشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة"، وقام إلى وثيقة الحصار، فمزقها بسيفه.
بقي أن أقول، لو أن محمد بن سلمان، يملك عُشر كياسة عبد الرحمن بن مساعد، ونصف عُشر قدرته على إدارة الحوار، لما وصلت السعودية إلى شفا الهاوية التي تقف عليها اليوم. حفظ الله بلاد الحرمين.