هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دعونا نتفق على أن حفتر كشخص
هو المسؤول الأول عمّا حصل لقواته، فهو يفتقد لأي رؤية استراتيجية أو تخطيط عسكري،
عندما قرر في أبريل قبل الماضي الهجوم على العاصمة طرابلس، وصوّر له خياله المريض
أن المهمة ستنتهي خلال 48 ساعة، وللأسف دفعه لذلك بعض داعميه، والآخرون تعاملوا مع
الأمر على قاعدة «لعل وعسى»، رغم إدراكهم صعوبة ذلك، نظرا لطول خطوط إمدادات
قواته، وأنه يحارب في بيئة غير مواتية شعبيا، هناك رفض لفكرة إعادة استنساخ
القذافي من جديد، بصورة أسوأ من جنرال مهزوم وجوده في الجيش مخالف لقواعده،
فالأسير والمهزوم ليس له أن يتولى مهام قيادية، فما بالك أنه أصبح في غفلة من
الزمن المسؤول الأول، وغياب الرؤية الاستراتيجية والغباء السياسي، منعه من قراءة
المشهد السياسي والعسكري جيدا، بدخول تركيا في المعادلة الليبية، بعد الاتفاقيات
الأمنية التي عقدتها معها حكومة الوفاق، وإعلان أردوغان دعمها عسكريا وعلى رؤوس
الأشهاد، كما أن «إعلانه المهزلة» طلب التفويض الشعبي، وتنصيب نفسه حاكما على
ليبيا، زرع بذور الخلاف بين معسكره، وظهر واضحا الخلاف بينه وبين عقيلة صالح رئيس
مجلس النواب، قبل لقائهما في القاهرة، وكانت الحصيلة أنه أصبح الآن يستجدي أي فرصة
لتعويمه سياسيا، أو من يحقق له وقف إطلاق النار، وهو نفسه الذي هرب من توقيع اتفاق
موسكو في منتصف يناير الماضي، مسبّبا حرجا شديدا لأقرب حلفائه الروس، فقط لأن
تركيا طرف في الجهد الذي بذله الطرفان لتحقيق وقف إطلاق النار، وهو الذي ماطل في
تنفيذ بنود اتفاق برلين بعدها بأيام، وعطّل عمل لجنة خمسة زائد خمسة.
ويظل السؤال قائما: لماذا انهار حفتر وقواته؟
الأسباب وراء ذلك عديدة، في مقدمتها الإضافة التركية للقدرات العسكرية لقوات حكومة
الوفاق الجوية والدفاع الجوي، بطائرات مسيّرة من طراز «بيراقدار» و«العنقا» التي
ساندتها على مستوى العمليات البرية، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي من طراز
«حصار»، التي ساهمت في استهداف خطوط إمداد حفتر، خاصة الآتية من مدينة بني وليد،
وتكثيف ضرب مخازن الذخيرة، مع ضربات المدفعية لتمركزاته حول العاصمة طرابلس، يضاف
إلى ذلك ما تم الكشف عنه من انسحاب عناصر فاجنر الروسية، ومعهم المقاتلون
السوريون، الذين استقدمتهم روسيا لدعم حفتر، وهناك من المراقبين من يحاول التهوين
من هزيمة حفتر، ويروّج لفكرة أن الأمر متوقف على رغبة دولية في دفع الطرفين للجلوس
على طاولة المفاوضات، بعد أن يتم لقوات الوفاق استعادة الغرب الليبي بأكمله، في
إطار تبني مبادرة رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، التي تتعامل مع ليبيا كثلاث
أقاليم الغرب والشرق وبرقة في الجنوب، وإعادة تشكيل المؤسسات على أساس التوزيع
الجغرافي، وحتى لو كان الأمر صحيحا، فهو يثير تساؤلات مهمة، ومن ذلك، ألم يحقق ذلك
قوة لقوات الحكومة الشرعية؟! ألم يتم الإقرار دوليا بأن الموقف التركي كان حاسما
في تعديل معادلة الصراع في ليبيا، والتي تنصبها لاعبا أساسيا في أي تسوية سياسية
مقبلة، وإذا كان ما سبق صحيحا، فلماذا عجزت الدول الفاعلة منذ شهر يناير عن دفع حفتر
إلى الالتزام باتفاق برلين؟
على الجميع أن يتعامل على أساس أن حفتر أصبح
خارج المعادلة، والسبب هو غباؤه وطمعه، الذي دفعه إلى التمسك بمبدأ «كل شيء» وأنا
حاكم ليبيا الأوحد، فلم يعُد له شيء.
(العرب القطرية)