هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كتبت في الأسبوع الماضي
مقالة اعتبرها بعض الأصدقاء "الثوريين" صادمة، كانت بعنوان "ثوريون
مصريون والشأن الليبي". وقد حظيت بنقاشات كثيرة، ولكن للأسف الشديد كانت
نقاشات في معظمها غير ذات جدوى، بسبب ما شابها من حالة استقطاب تمنع من رؤية وجهة
نظر "الآخر"، لذلك لم تخلُ تلك النقاشات من التطاول، ومن الخروج من
"الموضوعي" إلى "الشخصي"، ومن التشكيك في النوايا.. وكل ما
يحوّل النقاش العلمي إلى معركة جدلية لا طائل من ورائها.
وللأسف الشديد أجدني هذا
الأسبوع مضطرا لإزعاج الزملاء الأعزاء بملاحظة فرضتها الأحداث، تتعلق بالرئيس
الشهيد محمد مرسي..
* * *
من المؤسف أن نرى بعض المحسوبين على ثورة يناير
يتحفظون على وصف الرئيس محمد مرسي بأنه "أول رئيس مدني منتخب"!
وخلاصة اعتراضاتهم تتلخص في الحجج التالية:
الحجة الأولى: الانتخابات تم تزويرها لصالح مرسي.. وكان ذلك بأوامر أمريكية، حيث كانت هناك رغبة
أمريكية في تولي الإسلاميين الحكم..
الحجة الثانية: تدور حول تزوير الانتخابات الرئاسية أيضا، ولكن المتهم هذه المرة هو المجلس
العسكري، لأنه كان يريد رئيسا "ضعيفا"، يسهل التحكم فيه، ويسهل الانقلاب
عليه والتخلص منه..
الحجة الثالثة: عكس الحجة الثانية، فالمجلس العسكري أعلن (مضطرا) أن النتيجة هي فوز مرسي "خوفا"
من الإخوان، فهم كانوا يهددون بإحراق البلاد.. أي أن المجلس العسكري زور
الانتخابات مرة لأن الرئيس الإخواني "ضعيف"، ولكنه حسب رؤية أخرى زورها
لأن الإخوان أقوياء.. وقادرون على إحراق مصر!
الحجة الرابعة: الانتخابات التي فاز فيها مرسي لم تكن نزيهة، فقد وصل لكرسي الرئاسة بالتدليس
والاحتيال باسم الدين.. وبالتالي هذا الرجل ليس رئيسا ديمقراطيا أصلا.. وإطلاق وصف
"أول رئيس مدني منتخب" مغالطة، بل كذب!
أعلم جيدا أن هذه "الحجج" في مجملها ليست
بحجج، بل هي "نظريات" بلا منطق أو دليل، ولكن من يطلقها يسميها حججا،
وأنا أعرضها كما يعرضها أصحابها.
* * *
في البداية.. أحب أن أقدم لكل هؤلاء الأصدقاء ردا
شافيا مقنعا على تهافت كل هذه الحجج.. هذا الرد ليس على لساني.. بل على لسان شخصين
هما من أعتى أعداء الثورة، ومن ألدّ أعداء مرسي شخصيا.. الأول: هو من كنا نسميه
وقت الانتخابات "مرشح الفلول" السيد الفريق أحمد شفيق.. ومن المعروف أنه
قد اعترف بصحة هذه الانتخابات، ولم يعترض على النتيجة، بل إنه اعتبر أن حلوله
ثانيا في هذه الانتخابات يعطيه شرعية للتحدث باسم الناس، وفي إعادة الترشح مرة
أخرى في عام 2018م، وهو ما دفع رئيس جمهورية الأمر الواقع "سيسي" إلى
اعتقاله، وإحضاره فورا من أبو ظبي، ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية في القاهرة كما
نعلم جميعا..
أما الشخص الثاني الذي يشهد بصحة هذه الانتخابات،
وشهادته أكبر دليل على تهافت هذه الحجج، فهو قائد الانقلاب العسكري نفسه، ورئيس
جمهورية الأمر الواقع حاليا، حيث قال في مؤتمره الصحفي في برلين مع المستشارة
الألمانية "ميركل"، في الثالث من حزيران/ يونيو 2015م، بالحرف عن الرئيس
مرسي: "كان منتخبا بطريقة ديمقراطية حقيقية في مصر.. الواحد وخمسين في المئة
التي تحصل عليها الرئيس السابق مرسي كانت نتيجة انتخابات ديمقراطية حقيقية.. لكن
الشعب المصري الذي أعطاه الواحد وخمسين في المئة لم يجد وسيلة أخرى طبقا للدستور
بعد سنة.. لنزع هذه الشرعية عنه.. سوى الخروج في الشارع"!
قائد الانقلاب شخصيا لم يتمكن من إنكار أن انتخابات
الرئاسة في عام 2012م بكل مراحلها وإجراءاتها كانت نزيهة، بينما يتجرأ بعض
المحسوبين على ثورة يناير على إنكار ذلك، لأن نتيجة الانتخابات لم تكن على هواهم..
أو لأن أداء الرئيس لم يعجبهم.. الخ الخ!
* * *
ما أستطيع أن أقوله في هذا المقام هو أن نزاهة
الانتخابات وتزويرها ليست صفات نطلقها على مزاجنا حسب رضانا عن النتيجة، وليس من
حقنا أيضا أن نحكم على الانتخابات بأثر رجعي، بعد أن نضمن أن أنصار مرشح ما لن
يتمكنوا من الرد، وبأن الفائز في تلك الانتخابات لا يملك حق الدفاع عن نفسه لأنه في
السجن أو في القبر!
كنا نقول مثلا في عهد مبارك إنه رئيس مستبد.. وكان
السبب الأول في ذلك لأنه لم يكن يسمح بانتخابات نزيهة سليمة الإجراءات، بل كانت
دائما الانتخابات مزورة.. فهو لا يسمح بتكوين الأحزاب أصلا، ولا ينقي جداول
الناخبين من الموتى والغائبين، ولا يعطي فرصة الرقابة المحلية أو الدولية،
والأجهزة الأمنية تتدخل تدخلا صريحا وتعتدي على المرشحين، وعلى الناخبين، وعلى
القضاة المشرفين.. بل وصلت درجة الصفاقة أن تغير الأجهزة الأمنية من النتيجة
المعلنة، فتحوّل الخاسر رابحا، والرابح خاسرا..
في عهد الثورة.. لم تكن تلك المخالفات متاحة أصلا!
لا الأجهزة الأمنية كانت تتجرأ على التدخل، ولا كانت
فكرة التدخل واردة، فغالبية اللجان الانتخابية في مصر كلها كانت ممتلئة من اللحظة
الأولى، إلى لحظة إقفال باب التصويت.
كما أن جميع المؤسسات الحقوقية والرقابية المعنية في
مصر والعالم كانت حاضرة، وكانت الرقابة الدولية موجودة، ومرّت جميع المراحل، منذ
إصدار الكشوف الانتخابية، إلى لحظة إعلان الفائزين (سواء في الانتخابات الرئاسية
أو البرلمانية) بتدقيق كامل. كل تلك الإجراءات كانت مطابقة للقواعد الدولية
المتعارف عليها.. وهذه مفخرة من مفاخر ثورة يناير..
وعار على أي إنسان ينتمي إلى هذه الثورة أن يشكك في
العملية الانتخابية. إنها إنجاز ثوري، فنتيجة لذلك نزل عشرات الملايين من المصريين
إلى اللجان وبدأوا بتعلم الديمقراطية.. وجاء الانقلاب لكي يوقف المسيرة، ويعيد
الشعب إلى سجن الاستبداد، وإلى عهود التزوير والإرهاب، ولذلك من العار أيضا أن
يعتبر البعض أن "سيسي" قد جاء بانتخابات نزيهة، بعد أن ألغيت جميع
الضمانات التي أقرتها الثورة.
أتفهم أن يتحفظ البعض على أداء الرئيس، أو على أداء
البرلمان وما نتج عنه، مثل لجنة الدستور.. أتفهم أن نعارض الرئيس معارضة رشيدة.. كاتب
السطور له تحفظات كثيرة على أداء الرئيس، نصحه وعارضه، وعارض الدستور، ودعا الناس
إلى التصويت بلا.. ولكن بعد التصويت على الدستور.. لا يمكن رفض النتيجة.. ولا يمكن
اتهام الاستفتاء بأنه مزور دون دليل!
* * *
ومن أهم ما ينبغي على الجميع تذكره.. كيف أعلنت
نتيجة الانتخابات الرئاسية في عام 2012؟
لا بد هنا أن نتذكر قانون الفرز في اللجان الفرعية،
ذلك القانون الذي أصدره مجلس الشعب الشرعي (الشكر للنائب البرلماني المهندس حاتم
عزام)، فأصبح من حق الصحافة والإعلام حضور كل العملية الانتخابية بما في ذلك
الفرز، وبمقتضاه أصبح لزاما على القضاة أن يقوموا بفرز الأصوات صندوقا صندوقا في
اللجان الفرعية، وأصبح من حق كل مندوب لمرشح أن يحصل على نسخة رسمية مختومة معتمدة
من القاضي بنتيجة ذلك الصندوق، وبذلك تصبح تلك حجة بنتيجة الانتخابات في ذلك
الصندوق.
هذا القانون حوّل اللجنة العليا للانتخابات إلى مجرد
"آلة حاسبة"، تقوم بجمع أرقام محاضر اللجان الفرعية، وما فعله الإخوان
المسلمون أنهم تمكنوا من جمع هذه المحاضر التي تحتوي النتائج في كل صندوق في مصر،
بفضل حملتهم الرئاسية المنتشرة في كل مكان، وأصدروا بها كتيبا بعد إغلاق باب التصويت
بساعات، هذا الكتيّب يثبت أن الرابح في الانتخابات هو الدكتور مرسي.. وأعلنوا ذلك،
ووزعوا الكتيب على الصحافة المحلية والعالمية، وقطعوا الطريق على من تسوّل له نفسه
أن يعلن نتيجة مغايرة.
هذا الكتيب موجود حتى اليوم، ولم يشكك فيه أحد، وهو
دليل ناصع على أن النتيجة التي أعلنتها اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة في مصر في
عام 2012م بفوز محمد مرسي أمام أحمد شفيق.. كانت نتيجة دقيقة، وصحيحة، ولا مجال
للتشكيك فيها!
* * *
أتألم حين أرى رفقاء الميدان يكرهون الديمقراطية
لأنها في يوم ما نصرت خصومهم، أو لأن الشعب اختار سواهم!
هذا الشعب لو أتيحت له فرصة أخرى للاختيار لتغيرت
اختياراته إلى حد كبير (هذا رأيي، وقد أكون مخطئا بالطبع)، ولكن المؤلم والمخجل أن
نصطف خلف الدبابات باسم الثورة، وأن نصبح أكثر تطرفا من قائد الانقلاب نفسه كرها
في فلان أو علان.
نحن نكره خصومنا لأنهم تفوقوا علينا بالديمقراطية
(مرة أو أكثر).. بل نحن نكره الديمقراطية نفسها، ونشتم الشعب حينا، ونشتم الصندوق
حينا.. ونمدح من قتل آلاف المصريين، وسجن عشرات الآلاف منهم، أو على الأقل نحاول
أن نلغي الفوارق بين من جاء بالدبابة والمجازر، وبين ما جاء بأصوات الناس..
نحن نقتل فكرة التغيير السلمي التي ناضلنا من أجلها
طوال عمرنا!
قد يظن البعض أن المقالة تعفي الإخوان أو الرئيس
مرسي من أخطائهم أو خطاياهم.. وهذا غير صحيح.. ولكن مهما حدث.. ليس بإمكانك أيها الثوري المحترم أن تعترض على وصف الدكتور محمد مرسي رحمه
الله بأنه (أول رئيس مدني منتخب).. وإذا فعلت ذلك فتأكد أنك أسوأ من..
"سيسي"!
* * *
ملحوظة مكررة: بالطبع سيتهم البعض كاتب المقالة
بموالاة الإسلاميين والإخوان، وهي تهمة لا تستحق الرد.. تهمة مكررة.. سهلة..
مبتذلة.. وما زال أرشيف مقالات ولقاءات الكاتب متاحا، فلينظر فيه من أراد..
موقع الكتروني: www.arahman.net