هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت صحيفة "نيويورك
تايمز" الأمريكية، إن تأخر السعودية في اتخاذ إجراءات وقائية من فيروس كورونا
شكّل مخاوف حقيقية على سلامة الدبلوماسيين الأمريكيين لديها.
وأوضحت الصحيفة في تقرير
لمارك مازيتي، وإدوارد وونغ، ترجمته "عربي21"، أن عدوى كورونا بدأت بالانتقال بشكل ملحوظ داخل السفارة الأمريكية في
الرياض، وهو ما دفع وزارة الخارجية للاستجابة لضغوطات الكونغرس بالسماح لهم
بمغادرة المملكة.
وتاليا نص المقال مترجما:
واشنطن – داخل مجمع السفارة الأمريكية الضخم
في الرياض، بالمملكة العربية السعودية، انتشرت عدوى فيروس كورونا، حيث أصيب
العشرات من موظفي السفارة الشهر الماضي، بينما فرض الحجر على عشرين آخرين بعد أن
تحول حفل شواء بمناسبة عيد ميلاد أحد الأشخاص إلى ناقل محتمل للعدوى بالمرض.
ونتيجة لذلك؛ توفي سائق سوداني يعمل لدى كبير
الدبلوماسيين.
وفي تحليل قاتم من داخل السفارة
انتشر ضمن قنوات ضيقة في الرياض وواشنطن أواخر الشهر الماضي، شُبه وضع كورونا في
المملكة العربية السعودية بذلك الذي كانت عليه مدينة نيويورك في شهر مارس/ آذار
حينما كان الوباء على وشك الانفجار. يقول التقرير إن تجاوب الحكومة السعودية -وهي
شريك مقرب للبيت الأبيض في إدارة ترامب- لم يكن كافيا، ولا حتى حينما كانت
المستشفيات مثقلة بالأعباء، والعاملون في الرعاية الصحية يسقطون فريسة للمرض.
بعض من يعملون في السفارة
بلغ بهم الأمر أن اتخذوا خطوة غير اعتيادية، ونقلوا المعلومات إلى الكونغرس
متجاوزين القنوات الرسمية، وقائلين إنهم لم يعتقدوا أن المسؤولين في وزارة
الخارجية أو السفير الأمريكي لدى المملكة جون أبي زيد كانوا يأخذون الوضع على محمل
الجد، وأن معظم العاملين في السفارة الأمريكية وعائلاتهم ينبغي أن يتم إخلاؤهم.
وكانت وزارة الخارجية قد اتخذت مثل هذه الخطوات قبل شهور مضت في بعثاتها
الدبلوماسية في مناطق أخرى من الشرق الأوسط وآسيا وروسيا.
يسلط هذا الحدث، الذي روى تفاصيله تسعة من
المسؤولين الحاليين والسابقين، الضوء على المخاطر التي تواجه الدبلوماسية
الأمريكية، في وقت يستمر فيه الوباء في الانتشار على مستوى العالم، وكذلك على
الاحتكاكات التي تحدث بين الدبلوماسيين وضباط المخابرات ومسؤولي الدفاع العاملين
في الخطوط الأمامية من جهة، ومن جهة أخرى كبار المسؤولين في إدارة ترامب، الذين
يحرصون على الاحتفاظ بعلاقاتهم مع بلدان مثل المملكة العربية السعودية التي ترتبط
مع البيت الأبيض في عهد ترامب بعلاقات خاصة، وبالذات كون العائلة الملكية السعودية
تمارس نفوذا هائلا على السياسات الخاصة بالشرق الأوسط وبشؤون الطاقة، وكذلك على
مبيعات السلاح المثيرة للخلاف، والتي يتصدى للدفاع عنها الرئيس ترامب شخصيا.
بدت وزارة الخارجية متفاعلة يوم السبت وذلك
بسبب الضغط الهادئ الذي مارسه أعضاء الحزبين داخل الكونغرس، فأعلنت عن
"المغادرة الطوعية للموظفين الأمريكيين الذين لا حاجة لبقائهم هم وأفراد
عائلاتهم من البعثة الأمريكية في المملكة العربية السعودية." إلا أن بعض كبار
المسؤولين في السفارة اعتبروا ذلك إجراء منقوصا، حيث دفعوا باتجاه إخلاء معظم
الموظفين الأمريكيين في الرياض والذين يتراوح عددهم ما بين أربعمائة وخمسمائة شخص،
يعملون داخل السفارة في الرياض وفي قنصليتين اثنتين، وذلك بحسب ما صرح به أشخاص
لديهم اطلاع على الوضع.
وردا على أسئلة وجهت إليها، قالت وزارة
الخارجية في بيان يوم الأربعاء إنها "لا يوجد لديها أولوية أعلى من ضمان
سلامة موظفي الحكومة الأمريكية والمواطنين الأمريكيين." وقالت إن المغادرة
الطوعية "هي الإجراء المناسب أخذا بالاعتبار الظروف الحالية المرتبطة
بالوباء" وأن "الوباء قد أثر على موظفي البعثة وعلى جاليتنا داخل
المملكة العربية السعودية."
إلا أن العائلة الملكية السعودية ما كانت
لترحب بأي خطوة قد تتخذها الحكومة الأمريكية لتخفيض عدد الدبلوماسيين وضباط
المخابرات العاملين في المملكة في خضم الوباء، كما يقول دوغلاس لندن، ضابط
المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) السري السابق الذي خدم في العديد من البلدان في
منطقة الشرق الأوسط.
وقال: "لم يكن السعوديون أبدا حاذقين في
سعيهم لتثبيط المسؤولين الأمريكيين عن القيام بأي إجراءات علنية قد تعطي انطباعا
بأن المملكة في حالة من الضعف أو انعدام الكفاءة أو أنها عرضة للخطر في الأوقات
الصعبة."
وأضاف إن استرضاء المملكة هو الأمر الأهم
بالنسبة لإدارة ترامب، والتي جعلت من علاقة أمريكا بالعائلة الملكية السعودية حجر
الزاوية في سياستها الخارجية.
وقال: "بينما تزن وزارة الخارجية أمر
سلامة الموظفين الأمريكيين وعائلاتهم في خضم انتشار وباء كوفيد فإن وزير الخارجية
مايك بومبيو والبيت الأبيض يظلان أكثر تركيزا على ما يمكن أن يؤثر على علاقتهم مع
الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فهذا الأمر أكثر إلحاحا
لديهم من التركيز على ما يواجهه الأمريكيون من مخاطر، سواء بصفتهم الشخصية أو
الرسمية."
وفعلا، فقد جعل السيد ترامب تعزيز علاقة
أمريكا بالمملكة العربية السعودية وولي عهدها الشاب نقطة الارتكاز في سياسته
الخارجية. وما برح الرئيس يدافع بقوة عن مبيعات السلاح الأمريكي للمملكة العربية
السعودية على الرغم من دور المملكة القيادي في الحرب الجوية في اليمن والتي تسببت
في قتل آلاف المدنيين.
يحتفظ صهر السيد ترامب ومستشاره الخاص، جاريد
كوشنر، بعلاقات وثيقة مع ولي العهد محمد بن سلمان، وتحاول إدارة ترامب الدفع
باتجاه بيع المملكة حزمتين من الأسلحة ومعدات المراقبة الاستخباراتية تقدر قيمتها
بما يزيد عن 500 مليون دولار، وذلك على الرغم من تجميد الكونغرس لهذه الصادرات.
وفي العام الماضي، أعلنت الإدارة "حالة الطوارئ" حتى يتسنى لها تجاوز
الحظر الذي يفرضه الكونغرس على بيع ما قيمته 8.1 مليار دولار من الأسلحة للمملكة
العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – وهو ما يمكن أن يشكل إجراء غير
قانوني، حتى أصبح ذلك موضوع تحقيق للمراقب العام في وزارة الخارجية.
يُذكر أن السفارة الأمريكية في الرياض، وهي
عبارة عن جيب محاط بالأسوار وتنتشر في أرجائها أشجار النخيل داخل الحي الدبلوماسي
في العاصمة الرياض، هي واحدة من أهم المقرات الدبلوماسية الأمريكية في الشرق
الأوسط ويوجد بداخلها مقر واحدة من أكبر محطات السي آي إيه (المخابرات الأمريكية)
في المنطقة. يعيش داخل مجمع السفارة وفي المجمعات السكنية المجاورة لها مئات
الدبلوماسيين وضباط المخابرات الأمريكيين وعائلاتهم.
جاء التحذير المتصاعد من
داخل السفارة الأمريكية في الأسابيع الماضية في وقت تواجه فيه المملكة العربية
السعودية وجيرانها تفشيا في حالات الإصابة بفيروس كورونا، ولذلك فقد أثار مسؤولو
السفارة مخاوف جادة حول استعداد المملكة للتعامل مع الوباء.
وكانت الحكومة السعودية قد أعلنت أنها ستخفض
بقدر كبير عدد المسلمين الذي سيسمح لهم بالحج، والذي يجلب في العادة ملايين البشر
إلى مكة لأداء هذه الشعيرة الإسلامية. ويعتقد أن هذه هي المرة الأولى منذ تأسيس المملكة
الحديثة في عام 1932 التي يصدر فيها فعليا قرار بإلغاء الحج، الذي كان من المفروض
أن يبدأ في أواخر يوليو/ تموز. وكان العشرات من أفراد العائلة الملكية قد أصيبوا
بالفيروس هذا الربيع.
تعلن المملكة العربية السعودية عن حوالي أربعة
آلاف إصابة جديدة بفيروس كورونا يوميا، وهي بذلك واحدة من الأماكن الأسرع تفشيا في
العالم. وعلى الرغم من ذلك، فقد أنهت الحكومة إجراءات الإغلاق.
وقال التحليل، الذي وزع في بعض الأوساط واشنطن، وكتبه أعضاء الهيئة العاملة في السفارة، واطلعت عليه صحيفة ذي نيويورك تايمز، إن من
المتوقع أن يرتفع بشكل كبير عدد الحالات في شهر يوليو/ تموز، وإنه من المحتمل أن
يحصل نقص في عدد الأسرة المتاحة داخل المستشفيات. وكانت الوحدة الطبية التابعة
للسفارة ذاتها قد أثقلت بالأعباء؛ بسبب ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا بين
موظفي البعثة وأفراد عائلاتهم.
قريبا من منتصف شهر يونيو/ حزيران، وافقت
لجنة الطوارئ داخل السفارة، والتي تتشكل من كبار المسؤولين في البعثة الدبلوماسية،
على مغادرة الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، حسبما ورد في الرسالة، إلا أن وزارة
الخارجية رفضت الطلب ونصحت السفارة بأن تفعل كل ما في وسعها للثبات إلى أن يتحسن
الوضع وتحل مشكلة وباء كوفيد. ويذكر أن العمل من البيوت أصبح هو المعمول به في
جميع البعثات الدبلوماسية.
قرع جرس الإنذار داخل الكونغرس قبل أسبوعين
عندما وصلت رسالة مشفرة، تحتوي على نفس النقاط التي وردت في تحليل السفارة، إلى
صندوق رسائل مسؤول في الكونغرس يعمل لدى النائب آدم بي شيف، من الحزب الديمقراطي
عن ولاية كاليفورنيا ورئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب. لم يدع مرسلها أنه موظف
لدى الحكومة الأمريكية، كما قال أحد المسؤولين في الكونغرس، ولكن الرسالة احتوت
على نفس التأكيدات بشأن التهديد الذي يشكله فيروس كورونا على موظفي السفارة داخل
المملكة. وقال شخص آخر لديه اطلاع على الرسالة إنها كانت تنطق باسم بعض موظفي
السفارة.
حول مكتب السيد شيف الرسالة إلى لجنة الشؤون
الخارجية في مجلس النواب، والتي تناط بها مهمة الرقابة على البعثات الدبلوماسية.
وقال رئيس اللجنة النائب إليوت آي إنجيل، الديمقراطي من ولاية نيويورك، إن اللجنة
"نظرت مباشرة في التقارير الواردة حول الأخطار التي يواجهها الموظفون
والمواطنون الأمريكيون في المملكة العربية السعودية نتيجة لتفشي وباء فيروس كورونا."
وبناء على الرسالة وعلى ما تبعها من
استفسارات، غدا مسؤولو الكونغرس قلقين بشأن التوترات المتصاعدة داخل السفارة
وانعدام الثقة لدى بعض كبار الموظفين هناك في قدرة السيد أبي زيد على إعطاء
الأولوية لسلامة الموظفين الأمريكيين بدلا من منحها للاعتبارات السياسية.
كان السيد أبي زيد، وهو جنرال سابق في الجيش
الأمريكي يحمل أربعة نجوم وناطق بالعربية، قد ترأس ذات مرة قيادة القوات الأمريكية
جميعا في الشرق الأوسط بوصفه رئيس القيادة المركزية للولايات المتحدة، والتي تعمل
عن قرب مع المملكة العربية السعودية. وكان الجنرال الأعلى موقعا في المنطقة عندما
اشتدت حرب العراق في منتصف العشرية الأولى من هذه الألفية.
طلب مسؤولو الكونغرس الاستماع إلى تقرير من
وزارة الخارجية بهذا الشأن، وفعلا قام مسؤولون من الوزارة في الأسبوع الماضي بلقاء
مساعدي النواب الجمهوريين والديمقراطيين في جلستين داخل مكاتب الكونغرس، مارس
المساعدون خلالهما ضغوطا على المسؤولين لكي يسمحوا للموظفين بمغادرة المملكة
العربية السعودية.
قال موظفو الخارجية إن 32 من بين 50 من موظفي
السفارة الذين تأكدت أو افترضت إصابتهم بمرض كوفيد-19 قد تعافوا، كما قال أحد
المسؤولين في الكونغرس. علما بأن معظم المرضى لم يكونوا من الأمريكيين.
سائق السيد أبي زيد ونائبه هو واحد من اثنين على
الأقل من موظفي البعثة الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين
ماتوا، كما قال المسؤول. كما أكدت وزارة الخارجية وفاة أحد موظفي السفارة في
المملكة العربية السعودية.
ومؤخرا أوصى المسؤولون في لجنة الطوارئ داخل
السفارة للسيد أبي زيد بأنه ينبغي الأمر بإخلاء معظم الموظفين الأمريكيين، بحيث لا
يبقى سوى الموظفون الذين لا مجال للاستغناء عنهم. إلا أن السيد أبي زيد لم ينفذ ما
أوصوا به. (ولم تجب وزارة الخارجية على أسئلة وجهت إليها تحديدا حول قرارات السيد
أبي زيد.)
ويوم السبت أعلنت وزارة الخارجية عن قرار
"المغادرة الطوعية" للبعثات الثلاث في المملكة العربية السعودية. وقالت
الرسالة إن وزارة الخارجية كانت تحاول ترتيب رحلات جوية لإعادة الموظفين نظرا لأن
النقل الجوي الدولي كان متوقفا. لا يوجد في الإعلان ما يعتبر بارزا يتجاوز إجراء
مشابها اتخذته وزارة الخارجية في شهر مارس/ آذار حين طبقت ذلك على جميع البعثات
الدبلوماسية حول العالم وأنهت العملية في مايو/ أيار.
قال بعض المسؤولين إنه بالنظر إلى ارتفاع
حالات الإصابة بوباء كوفيد-19 في المملكة العربية السعودية ونقص المرافق الطبية
اللازمة – تم رفض إدخال مواطن أمريكي واحد على الأقل إلى المستشفى بعد إصابته بمرض
كوفيد-19 –فإن الخارجية الأمريكية والسيد أبي زيد مازالا يخفقان في اتخاذ
الإجراءات المناسبة.
من خلال تنفيذ ما يسمى رسميا
"المغادرة المصرح بها" فإن وزارة الخارجية على الأغلب ستترك معظم موظفي
السفارة في موقعهم. أما إجراء "المغادرة المأمور بها" – والذي يملك رئيس
البعثة الحق في اتخاذه – فيتطلب إخلاء معظم الموظفين، ولا يبقى من خلفهم سوى
الطاقم المطلوب للتعامل مع الطوارئ.
ولقد توجهت البعثات الدبلوماسية الأخرى في
الشرق الأوسط نحو إجراء "المغادرة المأمور بها" بناء على تقييم للخطر
الذي يشكله الفيروس، بما في ذلك بعثتا بيروت وبغداد في أواخر مارس/ آذار.
وكانت وزارة الخارجية أغلقت قنصليتها في
مدينة ووهان الصينية، التي انطلق منها انتشار الفيروس، وفعلت الشيء ذاته بقنصليتها
في مدينة فلادفستوك الروسية. وفي البعثات الأخرى داخل الصين، بما في ذلك السفارة
في العاصمة بيجينغ، وكذلك أيضا في إندونيسيا ومنغوليا، أمرت وزارة الخارجية
بمغادرة أي فرد من أفراد عائلات موظفيها ممن هم دون الحادية والعشرين سنة، وبذلك
غادر معظم أولياء الأمور أيضا.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)