كتب الدكتور "خيري عمر"، أستاذ العلوم السياسية، مقالا بعنوان "
انتهاء معارضة مصرية في المنفى"، نشره في موقع جريدة العربي الجديد بتاريخ 31 تموز/ يوليو 2020، استعرض فيه حال
المعارضة المصرية المتواجدة خارج مصر واختتمه بخلاصة في سطوره الأخيرة بقوله: "تقع المعارضة المصرية تحت عيبين حاسمين: صعوبة إعادة البناء واستمرار تحلل الكيانات المعارضة، ومرورها بحالة من الاغتراب السياسي، والأخلاقي"، بعد عدة محاور تناولها والتي جاءت كالآتي:
- من البناء إلى الانفراط.
- عيب تأسيسي عندما وضعت أهدافها على افتراض سقوط الحكومة، وبمرور الوقت انحسر تأثيرها في مصر.
- حالات الانهيارات دون ظهور كيانات قابلة للاستمرار، فقد اتسم العمل المشترك بالسيولة الحركية.
- فقدان الديمقراطية الداخلية ومحدودية الانتشار؛ عوامل حاسمة في انحدار أداء المعارضة، ثم توقفها عن العمل.
- تواجه جماعة
الإخوان المسلمين نزيفا سياسيا، بسبب طول فترة أزماتها الداخلية ومع الدولة.
- عانت المعارضة من مشكلتين: تجنب مكوناتها إجراء مراجعة داخلية، وعدم القدرة على تطوير المطالب السياسية.
وتعرض الكاتب للمعارضة المصرية في الخارج وتشكيلاتها والاختلافات بينها، وعدم وصولها حتى الآن إلى النموذج الأمثل، وعدم الاستفادة من خبرات سابقة، مع سيل من الاتهامات مثل السيولة السياسية وفراغ المشهد من محاولات تنشيط البدائل الفكرية والتنظيمية!
وقد تغافل الكاتب في مجال نقده وحملته على المعارضة المصرية، وعلى جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، عن مرامي القيام بالانقلاب العسكري ومن دعمه ومن كان خلفه.
مع المعارضة
فعند حديثه عن المعارضة في الخارج كان فقد أتى بأمور مرسلة، فالمفترض أن يكون قد التقى فصائل المعارضة التي أشار إليها وطرح عليها أسئلة محددة تعطيه الرؤية الصحيحة لمواقفها، ووقف على أهدافها والعوائق التي تقف أمامها والعلاقات بين أعضائها.
لكن الكاتب لم يبذل جهدا في ذلك، أو كان يمكنه أن يكلف أحد الباحثين للقيام بهذه المهمة، خاصة وهناك فصائل مقاومة عاملة وجادة في عملها ووصلت بالقضية إلى ساحات واسعة.
ولكن ما جاء في المقال عن المعارضة المصرية في المنفى ما هو إلا أحاديث مرتبكة تجري وسط بيئة المهجر، ولا تخلو من رؤى شخصية متأثرة بصدمة الهجرة، وتأثير الخلافات الحزبية التي صاحبت المعارضة في غربتها، علاوة على انعدام التواصل الشخصي قبل الهجرة، وهو من أهم عوامل الربط لأي مشروع وطني ناجح، إضافة إلى سياسة العسكر التي لا تعترف بالمعارضة أصلا، وتعاملت معها بعنف لوأد بعض تجاربها، مع افتعال أحداث ومقولات كاذبة تجعل الكل ضد الكل لإفقاد المجتمع كله (وليس المعارضة فقط) قدرة الوصول إلى الحقيقة.
مع الإخوان
أعفانا الكاتب عندما قصر حديثه على المعارضة في المنفى ووصمها بالاغتراب السياسي والأخلاقي، ولم يذهب بحكمه إلى الوضع في الداخل.
تحدث المقال عن أن شرعية الرئيس محمد مرسي أزاحت مطالب الشرعية دون ابتكار بدائل أخرى، ومع فراغ المشهد حدث انزواء لمطالب التغيير، ووضعت الإخوان المسلمين أمام حيرة، وأنها لم تفطن إلى احتمالية انقضاء موضوع الخلاف مع 2013م.
وادعى أن الجماعة تلوم المحبوسين على ارتباطهم بالجماعة وتقول إنها ليست المسؤولة عن اعتقالهم، كما أنها بعد وفاة الدكتور مرسي بدت أكثر استسلاما للوضع القائم.
وتحدث عن الاتصال الذي حدث بين الأستاذ إبراهيم منير والفنان المقاول محمد علي، وطرح تساؤلا عن سبب عدم استجابة الجماعة لدعوة التظاهر التي اقترحها محمد علي.
وأشار إلى أن الأحكام الصادرة عن محكمة النقض توطد تصنيف الجماعة منظمة إرهابية، بما يتيح عزلها سياسيا وتجريدها من كل مواردها.
ومقال الكاتب يذكرنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه "من قال هلك الناس فقد أهلكهم"، أي سبب هلاكهم أو أهلكُهم بالضم فهو أسرعهم هلاكا.
ولأننا نعلم أن هناك من تعجبه هذه الأحكام التي ساقها الكاتب حول قوى المعارضة، وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين، ويرحب بها وفقا لمقولة "بيدي لا بيد عمرو"، فهذا يفرض علينا الرد في الحدود التي تمليها علينا أخلاقنا ومبادئنا، والتزاما بسلوكيات معارضة ناضجة لا تسعى لإثارة الخلاف بين قواها، وهو ما نُوضحه في العناصر التالية:
أولا: أي حديث عن جماعة الإخوان المسلمين يتجاهل تاريخها خلال التسعين عاما الماضية ودورها الدعوي والوطني، وما واجهته من أحكام الطوارئ، والمحاكم العسكرية، وكيد بعض القوى، ومقولة "انتهت الجماعة أو هلكت الجماعة".. فقد أثبتت الأحداث هلاك الظالمين وبقاء الجماعة ومبادئها وثوابتها وما تدعو إليه.
ثانيا: نحن في جماعة الإخوان المسلمين سنظل بإذن الله جسدا واحدا، وإن تعددت الساحات التي نعيش ونعمل فيها، بأهداف واحدة ورؤى واحدة، مع تنوع صور وأشكال العطاء.
ثالثاً: إن تجاهُل أي باحث لكافة دقائق الصورة أو سمات عمل الجماعة حتى في أصغر المواقف، تجعل أحكامه عليها ونقده لها غير صحيحة ومتجاوز للحقيقة.
رابعا: ثوابت الشرعية السماوية والعمل الوطني لدى الجماعة لم ترتبط أبدا بشخص واحد، بمعنى أنه إذا ذهب القائد أو الرمز إلى لقاء ربه سبحانه، أو ابتعد أحد عن مبادئها وسياساتها، فلم ولن يأخذ الجماعة معه إلى طريقه مهما كانت صورة الأحداث.
خامسا: فيما يخص الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي (ونحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا) فقد كان بصبره وثباته ووفائه لعهده أمام الله سبحانه بالحفاظ على مصر، وبناء دولة المؤسسات، علامة فارقة وقبس هادي في تاريخ مصر، وليس للجماعة فقط.
ونعود إلى مقال الكاتب الذي جاء بطريقة توحي بأن الرئيس الشهيد كان شأنا خاصا بالجماعة فقط، وهذا تحامل يعرف الكاتب قبل غيره أنه مناف للحقيقة. فقد كتب يقول: "من الناحية الفكرية ظهرت تحولات عجيبة في الموقف من استعادة الشرعية، وهذا ما يرجع إلى حالة الفراغ الفكري، فبينما نافح الإخوان المسلمون عن عودة محمد مرسي، فإن وفاته وضعتهم أمام حيرة في النظر إلى المستقبل".
ولا ندري لماذا لم يشر الكاتب إلى بيان الإخوان الذي أعلنت فيه أنه بعد استشهاد الرئيس؛ فإن الشرعية عادت إلى الشعب، هو وحده صاحب الشرعية يمنحها لمَن شاء.
سادسا: تناول الكاتب في مقاله تحت عنوان "أولويات متنافرة"، وفي صياغة مرتبكة بعض شؤون الجماعة، لا يملك المرء إزاءها إلا أن يقول:
إن مثل هذا الحديث لا يمكن أن يصدر عن باحث عاش الأحداث، ولم يقرأ عنها في صفحات جريدة يصدرها انقلاب عسكري أعلن في بداياته أنه لن يحاكم أي ضابط يقتل أي معارض، والدنيا كلها رأت وسمعت باقي المجازر التي قام بها.
فبعيدا عن زيف اتهام الجماعة بالمسؤولية عن اعتقال أعضائها.. فماذا يقول أي باحث منصف عن قياداتها المختطفين في السجون والأحكام الهزلية باتهامات زائفة؟ وماذا أيضا عن غيرهم، والذين كانوا في صف الانقلاب ثم صحت ضمائرهم وتحركت ألسنتهم بكلمة حق فألحقهم الانقلاب بمن كانوا يعارضونهم؟.. وماذا عمن تجرأ وتقدم للترشح للرئاسة وألحقه الانقلاب بالإخوان في سجونه بالرغم من انتمائه لمؤسسة العسكر؟
الحديث على ما فيه من تجن ليس هو إلا تكرار لإعلام حركة 1952م.
أما الاستشهاد بأحكام محكمة النقض وإعطاؤها الاعتبار في اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب، واعتماد ما يقال عنها قوانين يضعها الانقلاب بأثر رجعي، ما هو إلا أحكام انتقامية صادرة من قضاء مسيس ومحاكمات هزلية تفتقد لأبسط قواعد العدالة. كيف والحالة هذه وقد شارك رئيس المحكمة الدستورية العليا مع رئيس محكمة النقض في مشهد إعلان الانقلاب العسكري في 3 تموز/ يوليو 2013؟
سابعا: تحت عنوان "جماعة الإخوان المسلمين تواجه نزيفا سياسيا"، واصل الكاتب حديثه عن الجماعة بالقول: "إن مطالب المحبوسين لقيت اهتماما ثانوياً في سبتمبر 2019، وفيما ظهرت مواقف تتبني تسوية سياسية عبر تفعيل المادة 241 من الدستور المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، كانت استجابة أ. إبراهيم منير نائب المرشد العام في 18 أغسطس 2019 التي جاءت عبر قناة الجزيرة وكأنها أحبطت محاولة للتوصل إلى تسوية سياسية بالقول بأنه ممكن للأفراد التبرؤ من الجماعة وتخليص أنفسهم، كما أن الانضمام لها اختياري، وقد أثارت هذه الطريقة عاصفة من الانتقادات، كان أهمها متمثلا في عدم إدراك الجماعة لطبيعة المسؤولية السياسية".
ونود أن نُذكر الكاتب بأن التبرؤ من الجماعة (رغم قسوته) أمام ما يلقاه المظلومون والمأسورون من تجاوزات في سجون الانقلاب رخصة أهون بكثير من الرخصة التي أعطاها رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ لمن كان يلاقي العذاب في رمال مكة الملتهبة ليعود عن دينه.
ولا نبالغ بالقول إن كل مَن يعرف جماعة الإخوان المسلمين أو يتابع تاريخها يعلم بل يوقن أنها ترفض تماما الانقلابات العسكرية أو إعطاءها الشرعية لتأخذ مسمى ثورة، واعتبارها أن أي حديث عن تسويات أو مساومات حول هذا الأمر هو خيانة لكل المبادئ والثوابت، ونكوص عن كل التعهدات ونقض لكل العهود.
ثامنا: أشار الكاتب إلى عدم استجابة الإخوان للتظاهر في كانون الثاني/ يناير 2020 التي دعا إليها "المعارض الجديد الفنان والمقاول محمد علي"، وباتهام للجماعة في الخارج بدون دليل يتساءل بأسلوب استنكاري عن أسباب تغيير الموقف تجاه هذا التظاهر.
وهنا نذكر الكاتب بما يلي:
الجماعة هي صاحبة ومتخذة سياساتها التي تتحمل كامل تبعاتها. وبالنسبة لهذه الحادثة فمع تقديرنا لحماسة الأستاذ محمد علي، فلم يكن بيننا وبينه أي اتفاق على ما نادى به، ولم نتهمه أو نشكك في قدراته أو نياته.
إننا نؤكد أن استشهاد الرئيس محمد مرسي عليه - رحمه الله - قد أعطى الصف في الداخل والخارج دفعة جديدة، لنا ولكل الأحرار.
تاسعا: يقول المقال إن المعارضة فشلت في طرح نماذج للمجتمع والدولة والتنمية، وروجت لاحتمالية سقوط الحكومة بسبب أزمة كورونا أو سد النهضة بأسباب الفشل التنظيمي وأسباب الكفاءة.
والكاتب يفترض في تقريره هذا أن هناك في مصر دولة بمكوناتها وأركانها المعروفة، وليس مجرد سلطة انقلاب عسكري على رأسها من يقول "ما أُريكم إلا ما أرى".
وقد تعاملت الجماعة مع جائحة الكورونا تعاملا يفرضه عليها الواجب الوطني؛ عبر إطلاقها حملة "شعب واحد نقدر"، والتي ما زالت مستمرة منذ أكثر من أربعة شهور، تم من خلالها تقديم كل جهد تقني طبي واجتماعي واقتصادي وشرعي للشعب المصري، لمساعدته في تجاوز تبعات هذه الجائحة وحثه على الالتزام بالتدابير التي تتخذها السلطات المصرية المعنية في هذا الشأن.