صحافة دولية

NYT: انفجار بيروت يذكّر بانقسام أمريكا وسيادة القبلية فيها

فريدمان قال إن ترامب يعمل قصد لإضعاف حراس الحقيقة والصالح العام- جيتي
فريدمان قال إن ترامب يعمل قصد لإضعاف حراس الحقيقة والصالح العام- جيتي

قال الكاتب الأمريكي توماس فريدمان إن انفجار بيروت أعاده في الذاكرة إلى 40 عاما مضت، وحفلة أقامها رئيس الجامعة الأمريكية ببيروت مالكوم كير، التي شهدت سخرية من الواقع في لبنان.

وقال فريدمان في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز"، ترجمته "عربي21"، إنه في تلك الحفلة شهدت بيروت عواصف بردية غير عادية قبل الحفل، وشارك كل واحد بتقديم تفسيره لهذه الحادثة المناخية، قبل أن يسأل كير بسخرية الحاضرين إن كان لسوريا يد في هذه العواصف غير العادية.

وأشار فريدمان إلى أن مالكوم كير، كان رجلا يملك جاذبية وباحثا ذكيا قتل بعد أشهر على يد قاتل لم يتم تحديد هويته.

وكان في سؤاله يسخر من اللبنانيين الذين يفسرون كل شيء من خلال المؤامرة، خاصة المؤامرة السورية. ولهذا ضحك الجميع على تعليقه. ولكنه كان يقول شيئا عميقا عن المجتمع اللبناني، وهو ما ينسحب وللأسف على أمريكا- وهي حقيقة أن لبنان في حينه وحتى اليوم يفسر فيه كل شيء من خلال السياسة.

ونظرا للطبيعة الطائفية للمجتمع اللبناني، حيث تم تقسيم سلطات الحكم وغنائم الدولة دستوريا وبطريقة غير رسمية بين الطوائف المسيحية والمسلمة المختلفة، وبهذه المثابة تحول كل شيء إلى سياسة.

وأصبح كل تعيين في الحكومة، وكل تحقيق في مخالفة، وكل قرار حكومي يتعلق بهذا الأمر أو ذاك، صورة عن منفعة لهذه الطائفة وحرمانا للأخرى. وكان نظاما أدى لاستقرار مجتمع متنوع، تخللته فترات من الحرب الأهلية، ولكن الثمن كان غياب المحاسبة، والفساد، وسوء الحكم، وعدم الثقة. ولهذا السبب لم يسأل اللبنانيون بعد الانفجار الأخيرة عما حدث، ولكن من الذي نفذه؟ ولمصلحة من؟

وقال فريدمان إن الولايات المتحدة أصبحت مثل لبنان وبقية دول الشرق الأوسط، من ناحيتين. الأولى، لقد أصبحت خلافاتنا السياسية عميقة بدرجة بات فيها الحزبان الرئيسان يشبهان طائفتين دينيتين في لعبة صفرية للتنافس على السلطة. وهم يطلقون على طوائفهم، موارنة وسنة وشيعة أو فلسطين- إسرائيل، ونطلق على طوائفنا الجمهوريين والديمقراطيين، والفرق أن الطائفتين الأمريكيتين تتصرفان مثل قبيلتين متنافستين في لعبة حياة أو موت.

والثاني، كما في الشرق الأوسط، ففي أمريكا أصبح كل شيء سياسي، من المناخ إلى الطاقة، وحتى الأقنعة الواقية في زمن الوباء. وعلق فريدمان: "بالتأكيد، أصبحنا مثل دولة شرق أوسطية، ففي الوقت الذي كان يتحدث فيه اللبنانيون عن حادث، تحدث الرئيس دونالد ترامب مثل زعيم مليشيا لبناني، معلنا أن الحادث هو نتاج مؤامرة "كان هجوما"، و"كانت قنبلة من نوع ما".

وقال فريدمان إن المجتمعات، وبالتأكيد الديمقراطية، تموت عندما يصبح كل شيء سياسة. ويتم خنق الحكم بسببها. وبالتأكيد كان الانفجار بسبب فشل المحاكم اللبنانية الفاسدة وممارسة دورها كحامية للصالح العام، ولم تصدر قرارا بإخراج كميات من المتفجرات من المرفأ، حسبما طلبت السلطات ولسنوات عدة، وهو ما عبد الطريق للانفجار.

ونقل ما قاله الفيلسوف بالجامعة العبرية موشيه هالبيرتال: "حتى تنتعش السياسة، فهي بحاجة إلى نقاط مرجعية خارج نفسها- نقاط مرجعية عن الحقيقة ومفهوم الصالح العام" و"عندما يصبح كل شيء سياسيا فعندها تنتهي السياسة".

وأضاف: "وبعبارة أخرى، عندما يصبح كل شيء سياسة يصبح كل شيء عن السلطة. فلا يوجد هناك مركز بل أطراف، ولا توجد حقيقة، بل نسخ عنها، ولا حقائق، ولكن منافسة على المواريث. ولو آمنت أن التهديد المناخي حقيقي، فهذا لأن أحدا مول بحثا لك".

 

 

اقرأ أيضا: استقالات مستمرة في لبنان.. وانتهاء مهلة تحقيقات الانفجار


وتابع فريدمان: "ولو آمنت أن الرئيس ارتكب فعلا يدعو لمحاكمته بعدما حاول الحصول على مساعدة الرئيس الأوكراني للبحث عن معلومات تضعف المرشح الديمقراطي، جوزيف بايدن، فهذا لأنك تريد السلطة لحزبك. ويرى أن الحكام الإليبراليين والشعوبيين مثل دونالد ترامب والرئيس البرازيلي جائير بولسونارو والهنغاري فيكتور أوربان والروسي فلاديمير بوتين يقومون وعن قصد بإضعاف حراس الحقيقة والصالح العام".

وأشار إلى أن رسالتهم لشعوبهم: "لا تصدقوا المحاكم، ولا عمال الخدمة المدنية المستقلين، ولا وسائل الإعلام المزيفة- فقد ثقوا بي وبكلامي وبقراراتي، فهناك غابة. ونقادي هم قتلة، وهو ما وصف به ترامب أعضاء السلك الإعلامي ويوم الجمعة، وأنا وحدي القادر على حماية قبيلتنا من قبيلتهم، فإما أن نحكم أو نموت".

وقال فريدمان إن هذه الموجة لا تسبب الأذى لنا فقط، بل تقوم بقتلنا. والسبب في فشل ترامب المطلق بالتعامل مع وباء كوفيد-19 هو أنه لم يستطع تشويه المرض أو حرف ضرره من خلال تحويله لموضوع سياسي. فأمنا الطبيعة فمحصنة من السياسة؛ لأنها تتكون من كيمياء وبيولوجيا وفيزياء، وما تفعله في كل الحالات وتمليه هو نشر فيروس كورونا، سواء أكده ترامب أم لا. وأكد قادة ألمانيا والسويد وجنوب كوريا العكس".

وأضاف: "أخبر ترامب أعضاء الحزب الجمهوري في كليفلاند أنه لو فاز بايدن فسيؤذي الإنجيل والرب، فهو ضد الرب وضد البنادق وضد الطاقة، الطاقة التي نريدها".

وكما هو الحال، فقد اكتشفنا أن هناك طاقة جمهورية- نفط وفحم حجري مقارنة بطاقة ديمقراطية- هواء، طاقة شمسية ومائية. فلو كنت تؤمن بالنفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري فأنت معارض للإجهاض وارتداء الأقنعة.

وقال إنه ولو كنت تؤمن بالطاقة المائية والشمسية والهواء، فمن المفترض أنك مع الإجهاض ومع ارتداء قناع الوجه. ويرى أن هذا التفكير المتطرف دمر لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن، ويأكل بشكل متزايد إسرائيل. ولكنك لو استمعت لهتافات المتظاهرين في لبنان لاكتشفت جوع اللبنانيين إلى حكومة تمثل الصالح العام".

والأمر ذاته في أمريكا. وينقل عن هالبيرتال تعريفه للقادة الذين نحترمهم ونحن إليهم حتى لو اختلفنا معهم. فهم كما يقول: "القادة الذين يؤمنون بوجود عالم من المقدس- الصالح العام- يقع خارج السياسة، ويتخذون القرارات الكبرى بناء على فهمهم الجيد للصالح العام، وليس مصالح القوة العارية".

وقال فريدمان إن الناس لا يزالون يحترمون قادتهم العسكريين، وينزعجون عندما يجرهم ترامب إلى حلبة السياسة. وانظر إلى نزاهة آل غور الذي قبل بحكم المحكمة العليا الذي منح انتخابات عام 2000 لجورج دبليو بوش، حيث وضع نصب عينيه الصالح العام أولا، وتلقى الرصاصة من أجل أمريكا. وكان ترامب سيمزق أمريكا حول موضوع مشابه. ولو خسر الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر، فلا مجال لأن يضع الصالح العام أمام مصلحته ويمضي بهدوء.

التعليقات (0)