هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لن نتوقف طويلا عند الغموض غير البناء إطلاقا، الذي يغلف مصير تشكيل الحكومة الجديدة؛ لأننا نفضل عدم التسرع في إطلاق الأحكام المسبقة ،خصوصا بعدما بدأت مظاهر مقلقة تخترق هذا الاستحقاق لجهة تغليب اللغة الطائفية على المعايير الإصلاحية التي ينتظرها الجميع.
ولكننا نود لفت الانتباه إلى ما يصدره الشارع اللبناني من انفعالات شديدة الخطورة، لم يكن أولها ولن يكون آخرها بعض ما رافق التظاهرتين اللتين حصلتا مساء السبت الماضي، إحداهما للتيار الوطني الحر تأييدا للعهد وسيده، وثانيتهما للجماعات المنخرطة في الانتفاضة الشعبية الاحتجاجية.
كان ليكون المشهد ديموقراطيا ولا غبار عليه لو لم نلاحظ احتدام نبرات الحقد الخطير؛ سواء في بعض سلوكيات المتظاهرين من الجانبين أو الأخطر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تشهد مبارزات وسجالات بالغة السوء والسلبية.
ولعلنا لا نبالغ إن تخوفنا من الحقد الطالع بقوة أسوأ من أزمان الحرب الأهلية التي طبعت تلك الفترات بطابع دموي أو طائفي أو حزبي بغيض، لا يزال يؤثر بقوة مخيفة حتى اليوم على مجمل الوضع اللبناني.
إن أكثر ما يثير القلق في تصاعد نبرة الأحقاد في الشارع، هو أن يصبح ضحايا الكوارث اللبنانية التي صنعتها وتسببت بها السلطة بالدرجة الأولى، ضحايا مرة أخرى ومكررة من خلال الصدام النفسي والجماعي بين أبناء المأساة الواحدة، فيما هم يتجهون نحو فرز خطير جديد في لبنان لا يخدم إلا الطبقة السياسية المهترئة.
لا ندري من أين أتى كل هذا الحقد الذي تحمله وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث يظن من يتابع حملات التخوين والشتيمة ورمي الاتهامات قياما وقعودا، بأنه أمام حرب حقيقية لا تحتاج إلا السلاح، وإشعال الشارع بالقتال الأخوي مجددا بين اللبنانيين.
ألا يكفي اللبنانيين الفقر والعوز والجوع وحديثا التهجير والهجرة بحيث لم يبق لبناني إلا ويحلم بترك وطنه ليهاجر إلى أي بلد آخر في العالم؟ اأا يكفي إفراغ لبنان من شبابه لكي نعيدهم إلى متاريس الحقد والتحزب والانقسام، فيما هم الضحايا لانهيار بلد لم تقم فيه إلا دولة فاشلة فاسدة مستهترة وجاهلة، وفاقدة كل الأهلية لقيادة بلد إلى مصاف الدول المحترمة والمتقدمة؟
إن أسوأ ما يرتكبه شباب لبنان وشاباته الآن تحديدا، أن يحولوا مشهد الدولة الفاشلة التي تستجدي معونة الخارج في كل شيء حتى في استحقاقاتها الداخلية، إلى مشهد تصاعد المخاوف من فوضى بفعل فقدان البوصلة الحقيقية.
الديمقراطية الحقيقية هي معمودية التعبير السياسي والتعبير عن حرية الرأي، والتسليم بحق الآخر بموقفه ورأيه مهما كان.
لم يستشهد شهداء الانتفاضة الاستقلالية على طريق تحرير لبنان من الوصاية والاحتلالات لكي يعود لبنان إلى هذا الجحيم، ولا سيما التفريط بمكاسب تاريخية كتبها الشهداء بدمائهم، وأولها وأهمها حرية التعبير الديمقراطي، وتجنب خدمة السلطة والأعداء أيضا بسحق لبنان الديمقراطي.